بسم الله الرحمن الرحيم، العليم الخبير علّام الغيوب، الذي يعلم السرّ والعلانية.
قد أخبر عن نفسه في كتابه الكريم (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (سورة الأنعام آية 59)
سبحانه وتعالى يسمع دبيب النملة السوداء، على الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء.
وأصلي وأسلم على هادي البشرية ونور الإنسانية سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أرسله الله إلى الناس بشيرًا ونذيرًا، ليعلمهم أنهم يعبدون إلها عليمًا بأمورهم خبيرًا بمقاصدهم، فيُحْسِنون نيّاتهم واتجاهاتهم، وبعد:
أخي الداعية..
يا من حملت على عاتقك همّ الدعوة والإصلاح، وأن تكون سبباً في هداية البشرية، هنالك أمور مهمة يجب أن تراجعها بين الفيْنة والأُخرى، بها تحيا القلوب وتزدهر، وبإهمالها تموت القلوب وتندثر، ومن أهمها ما سنتطرق إليه في هذه الرسالة، ألا وهو (مراقبة الله).
عليك يا أخي الحبيب أن تراقب الله سبحانه في كل أحوالك، فاقصد بأعمالك رضا الله تعالى وحده، واعلم أنه مُطَّلِعٌ عليك، فاخْشَه وامتثل أمره، لأنه سبحانه قال في كتابه العزيز (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) (سورة الملك آية 12)
فإن كان ظاهر عملك الصلاح والدعوة، وباطنه الرياء والسُّمعة، فإنَّ اللهَ غَنِيّ عن هذا العمل، وجهدك فيه ضائع لا قيمة له.
فلواحدٍ (أي لله)، كن واحدًا (في قصدك) في واحدٍ (أعني طريق الحق والإيمان)، كما أشار إليها ابن القيم في نونيته.
فامتثل هذه المعاني حتى يتقبل الله منك، لأنه سبحانه وتعالى قال (إنَّمَا يتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المتُقَّينَ) (سورة المائدة آية 27)
وهم الذين يراقبون الله في أعمالهم سرًا وعلانية، فإذا أتاك الشيطان مزيِّنًا لك سبل الغواية فاهتف بقول الشاعر:
إذا ما خلوت الدهر يومًا فلا تقل خلوتُ، ولكنْ قُلْ عليَّ رقيبُ
ولا تحسبنَّ الله يغفلُ ساعةُ ولا أن ما يخفى عليه يغيبُ
واذكُر قولَ الآخر:
إذا ما خلوتَ بريبةٍ في ظلمةٍ والنفسُ داعيةُ إلى العصيانِ
فاستح من نظر الإله وقُلْ لها إنَّ الذي خلقَ الظلامَ يراني
وفي الختام:-
نسأل الله سبحانه القبول والثبات على هذا الدين، وأن يرزقنا المراقبة والإنابة إليه سبحانه وتعالى، وأن يجعل أعمالنا خالصة له، هو وليُّ ذلك والقادر عليه.
والحمد لله رب العالمين.