قال الترمذي: لم أرَ أحداً بالعراق، ولا بخُراسان، في معنى العلل، والتاريخ، ومعرفة الأسانيد أعلمَ من محمد بن إسماعيل.
وقال إسحاق بن أحمد الفارسيّ: سمعت أبا حاتم، يقول سنة سبع وأربعين ومائتين: محمد بن إسماعيل أعلمُ مَن دخل العراق.
وعن أحمد بن حنبل، قال: انتهى الحفظُ إلى أربعة من أهل خُراسان: أبوزُرْعة، ومحمد بن إسماعيل، والدّارميّ، والحسن بن شُجاع البَلْخِيّ.
وقال أبو أحمد الحاكم: كان البخاري أحد الأئمة في معرفة الحديث وجمعه، ولو قلتُ إني لم أرَ تصنيفَ أحدٍ يُشبِه تصنيفه في المبالغة والحسن، لرجوْتُ أن أكون صادقاً.
وقال محمد بن أبي حاتم الورّاق: كان أبو عبدالله إذا كنت معه في سفر، يجمعنا بيت واحد، إلا في القيْظ أحياناً، فكنت أراه يقوم في ليلة واحدة خمس عشرة مرة إلى عشرين مرة، في كل ذلك يأخذ القدّاحة، فيُورِي ناراً ويُسرِج، ثم يُخرِج أحاديث، فيُعلِّم عليها، ثم يضع رأسَه، وكان يصلِّي وقتَ السحر ثلاثَ عشرة ركعة، وكان لا يُوقظني في كل ما يقوم، فقلت له: إنك تحمِل على نفسك في كل هذا، ولا توقظني، قال: أنت شابٌّ، ولا أحبُّ أن أُفسِد عليك نومك.
قال أبو عيسى التِّرْمِذِي: كان محمد بن إسماعيل عند عبدالله بن مُنير، فلما قام من عنده، قال له: “يا أبا عبدالله، جعلك الله زَيْن هذه الأمة”، قال أبو عيسى: اسْتُجِيب له فيه.
وقال إبراهيم الخوَّاص: رأيتُ أبا زُرْعة كالصبيِّ، جالساً بين يدي محمد بن إسماعيل يسأله عن عِلل الحديث.
وقال جعفر بن محمد القطَّان: سمعت محمد بن إسماعيل، يقول: كتبتُ عن ألف شيخ، أو أكثر، عن كل واحد منهم عشرة آلاف أو أكثر، ما عندي حديث إلا أذكر إسنادَه.
وكان البخاري يختم القرآن كل يوم نهاراً، ويقرأ في الليل عند السَّحر ثُلْثاً من القرآن، فمجموع وِرْده ختمة وثلث خَتْمة، وكان يقول: أرجو أن ألقى الله، ولا يحاسبُني باغْتياب أحد.
وكان يصلِّي ذات يوم، فلسعه الزُّنبور سبع عشرة مرة، ولم يقطع صلاته، ولا تغيَّر حاله.
وعن الإمام أحمد: ما أخرجتْ خُراسان مثل البخاري.
وقال يعقوب بن إبراهيم الدَّوْرَقيّ: البخاريّ فقيهُ هذه الأمة.
وقال محمد بن إدريس الرازي، وقد خرج البخاري إلى العراق: ما خرج من خُراسان أحفظ منه، ولا قدم العراق أعلم منه.
وقال نسج بن سعيد: كان محمد بن إسماعيل البخاريّ إذا كان أول ليلة من شهر رمضان، تجتمع أصحابه، فيصلّي بهم، ويقرأ في كل ركعة عشرين آية، وكذلك إلى أن يختم القرآن، وكان يقرأ في السحر ما بين النصف إلى الثلث من القرآن، فيختم عند السَّحَر في كل ثلاث ليال، وكان يختم بالنهار في كل يوم خَتْمَة، ويكون خَتْمُه عند الإفطار كل ليلة، ويقول: عند كل خَتْم دعوةٌ مُستجابة.
وقال بكر بن مُنِير: سمعت البخاري يقول: أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبْتُ أحداً.
وقال محمد بن يعقوب الأخْرَم: سمعتُ أصحابنا، يقولون: لما قدِم البخاريّ نيْسابور، استقبله أربعة آلاف رجل على الخيل، سوى من ركب بغلاً أو حماراً، وسوى الرَّجَّالة.
مهنب بنُ سُلَيم الكَرْمانيّ يقول: مات محمد بن إسماعيل رحمه الله ليلة الفطر، أول ليلة من شوال، سنة ست وخمسين ومائتين، وكان بلغ عمرُه اثنتين وستين سنة، غير ثنتي عشرة ليلة..”(1).
العبر التربوية:
– ثناء العلماء بعضهم لبعض تأصيل وتأكيد لخُلق العدالة والإنصاف.
– العبادة والتنسك من سمات العلماء الربانيين والدعاة الصادقين.
– العالم الرباني يخاف على نفسه آفات اللسان غير مغتر بعلمه وثناء الناس عليه.
– احتفاء الأمة بعلمائها منذ فجر نهضتها.
______________
الهامش
(1) تاج الدين السبكي- طبقات الشافعية الكبرى، ج2.