كما يقولون «تركيا جنة الأرض» فهي تتمتع بالآثار التاريخية، وكذلك المناظر الطبيعية الخلابة؛ لذا يقصدها السياح من كل مكان، وبحسب تقارير محلية، فقد بلغ عدد السائحين القادمين إلى تركيا عام 2017م نحو 40 مليون سائح، وخلال عام 2018م تجاوز هذا العدد، فتركيا وجهة سياحية لها مكانتها، سواء لزيارة المعالم التاريخية الإسلامية، أو التمتع بالطبيعة الخلابة فيها.
يقول عبدالقادر جوشكون، مرشد سياحي، عن دور المعالم الإسلامية في السياحة بتركيا: إن المعالم الإسلامية تمثل وجهة مهمة للسياح للتعرف على الحضارة العثمانية وطرازها الفريد، ولذلك تجد دائماً المساجد التاريخية أو المتاحف الإسلامية مكتظة بالسياح طول العام، ويضيف أن الحكومة التركية تولي المعالم التاريخية والمساجد أهمية خاصة في الترميم المتواصل، وتوفير كل السبل لجذب السياحة، وهو ما تظهر نتيجته في تدفق الأفواج على المنشآت السياحية والمعالم التاريخية.
سنصحبك -عزيزي القارئ- في جولة سياحية في مدينة إسطنبول التركية (عاصمة المساجد) للتعرف على بعض معالمها الإسلامية، ودورها في السياحة، لكن عليك الانتباه أن هذه الجولة لن تكون هادئة، فبإمكانك أن تسمع لغات مختلفة حولك في كل مكان في إسطنبول، نظراً للتوافد السياحي الكبير على زيارة المدينة ومعالمها الإسلامية.
جامع أيوب سلطان:
أجرت «المجتمع» جولة سياحية في عدد من مساجد إسطنبول وآثارها التاريخية، وكانت محطتنا الأولى جامع أبي أيوب الأنصاري -أو كما يسميه الأتراك «جامع أيوب سلطان»- وهو أول مسجد بني في إسطنبول بعد فتح القسطنطينية، ويقع في منطقة أيوب على ساحل خليج القرن الذهبي المتفرع عن مضيق البسفور، فبمجرد فتح القسطنطينية عام 1453م، أمر السلطان محمد الفاتح بالبحث عن قبر الصحابي أبي أيوب الأنصاري، وعند العثور عليه، أمر ببناء جامع في نفس المكان.
توفي الصحابي أبو أيوب الأنصاري عام 52هـ، وكان مشاركاً في جيش يزيد بن معاوية لحصار القسطنطينية، وعندما جاءه مرض الموت أوصى بأن يُدفن قرب أسوارها، ويحظى مسجد أيوب سلطان بمكانة خاصة لدى الأتراك، الذين يأتون لزيارته والصلاة فيه من كل مكان، وزيارة ضريحه، رضي الله عنه.
جامع الفاتح:
اتجهنا لمحطتنا الثانية، وهي جامع الفاتح، الذي بني في الفترة من عام 1463 إلى 1470م، وشيده المعمار سنان الأول، وهو يضم ساحتين كبيرتين دائماً تجدهما ممتلئتين بالزوار والأطفال، غير باحة المسجد ومصلاه، وفي الخلف من المصلى تجد ضريح السلطان محمد الفاتح.
الجامع الأزرق (السلطان أحمد):
كان الجامع الأزرق أو السلطان أحمد وجهتنا الثالثة، وهو من أشهر المساجد في العالم، ويعرف بـ»الجامع الأزرق»؛ لأن جدرانه الداخلية مزينة ببلاط إزنيك الأزرق المزخرف، بني في عام 1609 – 1616م، وهو مقابل آيا صوفيا، تتوسطهما ساحة كبيرة، وبجواره أيضاً ساحة واسعة تضم مسلات وسبيل الماء الألماني.
المتحف الإسلامي:
بجوار جامع السلطان أحمد، اتجهنا إلى المتحف الإسلامي في الجهة المقابلة للمسجد، ويضم المتحف عدة أقسام من عصور مختلفة، منها قسم المقدسات الذي يضم قطعاً إسلامية فريدة وبعض متعلقات الكعبة، ومخطوطات للقرآن أو مصاحف قديمة، وقسماً يحوي متعلقات ومشغولات عثمانية، وقسماً للآثار التاريخية.
آيا صوفيا.. من كنيسة إلى جامع ومتحف:
كانت محطتنا التالية في محيط السلطان أحمد هي آيا صوفيا، وهي الكنيسة الشهيرة التي تحولت إلى جامع بعد فتح القسطنطينية، ثم متحف، بمجرد دخولك آيا صوفيا ستجد أنه لم تمتد يد إلى النقوش المسيحية على الجدران بل هي موجودة كما هي، إلى جانب إضافة بعض المظاهر الإسلامية بعد تحويلها إلى مسجد مثل بناء المنبر والمحراب.
قصر توبكابي:
إلى الجهة الخلفية على يمين آيا صوفيا كانت محطتنا السادسة، وهي قصر «توبكابي» الذي تمت منه إدارة الإمبراطورية العثمانية، لنحو 4 قرون، ويتكون من عدة مبان وساحات وحدائق، ويضم متحفاً به بعض المتعلقات المقدسة؛ مثل سيف الرسول الكريم، وأثر قدمه صلى الله عليه وسلم، وسيوف الخلفاء الراشدين، وعمامة سيدنا يوسف، وعصا سيدنا موسى، ومتعلقات للسيدة فاطمة رضي الله عنها، ووجدنا أن قراءة القرآن لا تنقطع في قصر توبكابي.
السوق المسقوفة:
من منطقة السلطان أحمد استقللنا الترام إلى «بايزيد»، حيث السوق المسقوفة أو «جراند بازار»، يعود عُمْر هذه السوق إلى عام 1461م، ولا تزال تعمل حتى الآن، تستطيع أن تتجول فيها لمشاهدة مختلف أنواع البضائع والمعروضات سواء من الذهب ومشغولاته، أو العطارة والملابس والتحف، وبإمكانك الدخول إلى السوق من أحد أبوابها الـ22، التي تطل على عدة جهات، لكن عليك أن تنتبه للزحام الشديد، فهذه السوق يزورها يومياً نحو 150 ألف شخص، بحسب بعض التقارير.
جامع السليمانية:
بعد انتهاء جولتك في السوق المسقوفة، بإمكانك المشي لعدة دقائق حتى تصل إلى جامع السليمانية، الذي يقع على تبة مرتفعة تطل على خليج القرن الذهبي؛ حيث المتعة بمشهد رائع.
بني جامع السليمانية في الفترة بين عامي 1550 – 1557م، في عهد السلطان سليمان القانوني، على يد المعمار «سنان» بطراز العمارة العثمانية، وللمسجد 4 مآذن، حيث إن ترتيب السلطان سليمان هو رابع سلطان عثماني بعد فتح القسطنطينية (إسطنبول)، كما تحوي المآذن 10 شُرَف للدلالة على أن السلطان سليمان هو العاشر بين سلاطين الإمبراطورية العثمانية، وأنت تتجول في جامع السليمانية ستجد كثيراً من العائلات تصطحب أطفالها للجلوس في ساحة وحديقة المسجد أو التقاط الصور التذكارية على مشهد الخليج.
السوق المصرية والجامع الجديد:
بعد انتهاء زيارتك لمسجد السليمانية، بإمكانك المرور في أزقة وحارات للعبور إلى منطقة «إيمينونو» وصولاً إلى السوق المصرية (سوق التوابل) التي تطل على خليج إسطنبول، وهي قريبة الشبه من السوق المسقوفة، لكنها أصغر كثيراً، وتضم نفس البضائع والمعروضات من مشغولات ذهبية أو عطارة أو أنواعاً من القهوة المميزة، بنيت عام 1664م، ويقال: إن عائدات السوق كانت تستخدم لصيانة مسجد «الجامع الجديد» الذي كان وجهتنا التالية، وقد بني في الفترة بين عامي 1597 – 1663م، ويطل على خليج القرن الذهبي في منطقة إيمينونو.
قصر دولمة باهتشة:
بعد زيارة الجامع الجديد والسوق المصرية، استقللنا الترام من محطة إيمينونو باتجاه كاباتش، المحطة الأخيرة في الترام، حيث قصر دولمة باهتشة (قصر السلاطين) الذي يقع على مضيق البسفور في منطقة بشيكتاش، وقد أمر السلطان عبدالمجيد الأول ببنائه عام 1843م، واستغرق 13 عاماً، وأنت تتجول داخل القصر تشعر بهيبة الخلافة العثمانية، خاصة أن محتويات القصر من مفروشات وتحف هي المحتويات الأصلية التي كان يستخدمها السلاطين الذين سكنوا القصر، تتجول في القصر على صوت الترجمة الفورية التي تشرح لك كل المكان الذي تقف فيه أو التحف التي تشاهدها، أو أطقم الغرف التي وصلت إليها في القصر.
جامع أورطا كوي:
وصلنا إلى محطتنا الأخيرة في جولتنا بعاصمة المساجد إسطنبول، وهي جامع أورطا كوي (مجيدية الكبير)؛ حيث أمر السلطان عبدالمجيد ببنائه عام 1853م، وأنت في محيط المسجد تستطيع أن تتمتع بواحد من أكثر الأماكن جمالاً في إسطنبول، حيث يقع المسجد على مضيق البسفور، وفي نفس الوقت أسفل جسر البسفور، ومن خلاله تستطيع أن تشعر بهيبة التاريخ الإسلامي في هذه المدينة.