اهتمت الصهيونية العالمية بتوحيد الجهود الدولية لإسقاط الخلافة الإسلامية، تمهيداً لتفتيت دول العالم الإسلامي، وذلك عندما رأت استحالة قدرتها بذلك وحدها، أو دولة ما منفردة، فقد كان العالم الأوروبي في أوج انتصاراته في حروبه الخارجية، واستطاعت عدة دول مثل بريطانيا وفرنسا والبرتغال وهولندا وإسبانيا وروسيا وغيرها احتلال عشرات الدول الأفريقية والآسيوية وأمريكا الجنوبية منذ عدة قرون، واختلفت في أسلوب الاحتلال من إبادة واستعباد وفرض الدين المسيحي ولغة المحتل، وبين ترك البلاد للعباد والإدارة عن بعد.
كما انتشرت البعثات التنصيرية والمستشرقون، واستطاعت أن تتوغل في البلاد الإسلامية، وتخترق القيادات السياسية والدينية والفكرية، وكوّنت قاعدة بيانات لتنطلق بعدها لتفتيت تلك الدول بأساليب عدة، ومن خلال رموزهم الوطنية.
وبدل أن تقوم الصهيونية بهذه الأدوار، فقد أوكلتها لتلك الدول الكبرى، لأن الصهيونية لا دولة لها ولا كيان، فكان «وعد بلفور» (وعد من لا يملك لمن لا يستحق)، وخيانة الشريف حسين مع «لورانس»، وغرس مبادئ القومية العربية في مصر وبلاد الشام بغلو غير طبيعي، واتفاقية «سايكس بيكو»، حتى إذا تهيأت الأجواء؛ أسقطت الخلافة العثمانية، وتشرذمت الأمة الإسلامية.
ولتدعيم التفتيت، أُنشئت جامعة الدول العربية؛ لترسيخ القومية العربية، ونسيان الخلافة الإسلامية، ونادى العلماء بإنشاء جامعة للدول الإسلامية دون مجيب، وكان البديل «منظمة التعاون الإسلامي».
وتم احتلال فلسطين، وحرق المسجد الأقصى، وتأسيس حزب البعث (ميشيل)، والأحزاب الشيوعية والاشتراكية من منطلقات عروبية، ونشر العلمانية والليبرالية؛ لتتشرذم القومية العربية بذاتها أكثر وأكثر.
هل اكتفوا بذلك؟ لا.. فهم يخططون ونحن ننفذ.
فقد تم إسقاط الملكيات السابقة باسم الثورات العربية، وكلها بتنسيق العسكر (المنقلبين) مع أوروبا ثم أمريكا، وأسقطت هيبة الأزهر، وأضعفت مؤسسات الدعوة في العالم الإسلامي، وانتشر الجهل، وأُنشئت ديانات جديدة (الأحمدية أو القاديانية)، ودعم العلوية.
وكان الاتجاه التالي نحو تأسيس تيارات إسلامية جديدة، لمواجهة القومية والليبرالية والعلمانية، وضربوا الإخوان بالسلفية، والسُّنة بالشيعة، والعرب بالأكراد والأمازيغ، وطالبان بالمجاهدين الأفغان، وظهور القاعدة وداعش والجامية، وتغير مصطلح العالم العربي إلى الشرق الأوسط.. والحبل على الجرار.
لم تتوقف الآلة الغربية التي تعمل بالوكالة عن الصهيونية العالمية، فتم إسقاط الشاه، واحتلال العراق للكويت، والسيطرة على العراق سياسياً، وأعلنت انطلاق «الفوضى الخلاقة» التي عصفت بالعالم العربي، ثم «خارطة الشرق الأوسط الجديد»، وحروب «الوكالة» في الشام واليمن وليبيا.
وبدأ ما يسمى «تقسيم المقسم»، فبعد تقسيم «سايكس بيكو»، بدأ فصل جنوب السودان بقرار أممي، ودعم غربي، في حين أن قضية كشمير ظلت معلقة إلى الآن، ودارفور بالانتظار، والحبل على الجرار.
لقد وصلت مرحلة الانقسامات إلى العنق، وأي انقسام قادم سيكون إلى الأسوأ، لأنه سيكون ذا قاعدة قومية عرقية قبلية دينية مذهبية، تلك الأمور التي يلعب على أوتارها الاحتلال البارد، ويطبقها بنو جلدتنا بالوكالة بكل فخر، متناسين مصير الشريف حسين الأخير!
نحتاج إلى وقفة تأمل لدراسة كيفية الخروج من هذا المأزق الكبير الذي نشترك بتنفيذه، حتى لا يكون مصيرنا كدويلات الأندلس، وحينها لا ينفع الندم.