لم يخلُ مجتمع من المجتمعات من خطر الشائعات الذي يداهمه فضرب استقراره؛ نتيجة تشابك العلاقات الإنسانية وتداخلها، بل أكثر من ذلك، بدا وكأنّ بعض الأوساط الاجتماعية صارتْ تتعايش مع هذه الظاهرة، حتى غدت الشائعات -في بعض الأحيان- تلبسُ لبوس الحقائق، خاصة إذا لمْ يَنْبرِ أحد لفضحها ومواجهتها، ولهذا تمرُّ أمام أعيننا المئاتُ منها يومياً، دون أن نُلقي لها بالاً، خاصة تلك التي يتداولُها الكثير من مرتادي وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي هذا التحقيق، تسعى «المجتمع» إلى سبر أغوار تلك الظاهرة في عدد من المجتمعات العربية؛ للوقوف على أبرز أنواع الشائعات المنشرة فيها، وأسبابها وتداعياتها وكيفية مواجهتها.
في البداية، يقول رئيس تحرير الشبكة الفلسطينية للإعلام الإنساني (أنسنة)، محسن الإفرنجي، لـ»المجتمع»: إن البشرية جمعاء اليوم تعاني من زيادة انتشار الشائعات بصورة غير مسبوقة، من خلال ما يطلق عليه «الأخبار الكاذبة»، وهو مؤشر خطير يكشف عن خلل فادح في المجتمع على الصعد المختلفة؛ القيمية والاجتماعية والنفسية والأمنية والإعلامية، والشواهد كثيرة وموجودة بوفرة في كل مجتمع، والأزمة الأساسية برأيي هي «أزمة أخلاقية».
ولفت الإفرنجي إلى أن ثمة خيطاً رفيعاً جداً بين الدعاية والإعلام، وفي ظل الخلط القائم يمكنني توصيف العديد من المؤسسات الإعلامية على أنها «مؤسسات إعلامية بمضامين دعائية»، بدليل كيفية تسخيرها لخدمة أهداف سياسية ومادية وأمنية للبعض، وخطورتها أنها تشكل نوعاً من أنواع الحرب النفسية والقيمية.
وتابع: ما يزيد خطورة تلك الشائعات أنها تنتقل وتسري في المجتمع كالنار في الهشيم، في ظل انتشار شبكات التواصل الاجتماعي، وإساءة استخدام «صحافة المواطن»، وعدم مهنية بعض الصحفيين والمؤسسات الإعلامية، بقصد أو بدون قصد؛ الأمر الذي فاقم أزماتنا المجتمعية، وفتح الباب على مصراعيه أمام ترويج الشائعات والأكاذيب التي تهدد الأمن والسلم المجتمعي، وتزيد الأحقاد والمشاعر السلبية؛ سواء العنصرية أو التحريضية أو غير ذلك.
وأكد الإفرنجي أن ثمة مشكلة لا يوجد حلول سحرية لمواجهتها، وهي أن الشبكات الاجتماعية أعطت مساحات حرة لمن يستحق ومن لا يستحق، والحل هو تعزيز القيم الأخلاقية في المجتمع، والاهتمام بمصادر المعلومات، وتعزيز المسؤولية الاجتماعية، واتباع قاعدة الشك وصولاً إلى اليقين؛ حتى لا يتم التغرير بنا وتضليلنا.
معول هدم
ويقول الإعلامي والأكاديمي الفلسطيني، محمد سالم، لـ»المجتمع»: إن الشائعات تعد معول هدم للمجتمعات إذا لم يتم تداركها ومعالجتها بالطرق السليمة، من خلال الرد عليها بالنموذج الذي يكذبها؛ حيث تتميز بسرعة انتشارها عما كانت عليه في السابق، وذلك لأسباب تتعلق بتطور وسائل الاتصال الحديثة، ووجود شبكات التواصل الاجتماعي التي يستخدمها من يريد الترويج للإشاعة بشكل يتنافى مع قيم ومعتقدات المجتمع.
وأكد سالم أن الشائعات في المنطقة العربية والإسلامية لها خصوصية؛ وهي أن المجتمعات تتميز العلاقات بين الأسر فيها بالترابط سواء في الدين أو العلاقات العائلية، وانتشار الشائعات يكون له تأثير سلبي على تلك العلاقات، ويصعب معالجتها، خاصة إذا ما كانت تتعلق بالعائلات والأفراد، لذلك يجب توعية الأشخاص والأفراد بخطورة تناقل الإشاعات سواء على الأفراد أو المجتمع.
ويبرز الأكاديمي المغربي، عبدالواحد الرامي، أن الأخبار الزائفة أصبحت منحى عاماً، خاصة في مجتمع «ما بعد الحقيقة» الذي ظهر مع وسائل التواصل الاجتماعي التي توظف لنشرها، وكيف أن مثل هذه الأخبار يمكن أن تغير مجرى السياسات العامة على المستوى الدولي، ناهيك عما يمكن أن تحدثه على المستوى الشخصي والمجموعات، وكذلك إذكاء التناحر داخل المجتمع.
ويضيف الرامي أن الأخبار الزائفة تؤثر على العيش المشترك للمجتمعات؛ لأنها تؤدي إلى وعي غير سليم، وإلى الكذب والضلالة والتدليس؛ وبالتالي العيش وسط سلسلة من الهجمات بالأخبار والأخبار المضادة، وكلها زائفة.
وعلى المستوى الشخصي، ينبه البرلماني المغربي، بلعيد أعلولال، أن الأخبار الزائفة تحطم الإنسان وأسرته، ويكون الاعتذار أو محاولة رد الاعتبار بعد براءته من الإشاعة بدون فائدة تذكر، بعدما تكون قد فعلت فعلتها القبيحة في تكسير معنوياته.
وبالنظر إلى خطورة هذه الظاهرة، لم يعدْ من المستغرب أن تتمّ دراستُها من قبل علماء الاجتماع، حيث استنفر الكثيرُ منهم ملكاته البحثية لتقصّي آثار الإشاعة، وذلك للإجابة عن أسئلة متنوّعة من قبيل: هل يُمكن أن تكون للشائعة أهداف مرسومة، وغايات معلومة، أم أنّها تنتشر دون تخطيط؟ وما أكثر الشائعات تأثيراً على سلوك الإنسان؟ وكيف يمكن مواجهتها؟ إلى غير ذلك من الأسئلة المهمة المتعلقة بها.
دوافع وأسباب
يرى بعض المراقبين أن وسائل الإعلام تعتمد في نشر الأخبار الزائفة على معطيات ووقائع أولية حقيقية لكنها غير دقيقة، أو على معطيات كاذبة تلفها بغطاء وقائع حقيقية، وفي بعض الأحيان على «خبراء» و»مراكز دراسات» وهمية؛ لإيهام عموم القراء وجعلهم يميلون أكثر إلى تصديقها.
وتستعمل هذه الوسائل –حسب هؤلاء المراقبين- ما يسمى «سذاجة الجمهور»، و»نفسية التقليد»، وإشعال وسائل التواصل الاجتماعي واستعمالها أداة من أدوات الحرب النفسية، وأيضاً مورداً مالياً مهماً جداً يقويها، وتضطر المؤسسات المعنية إلى إصدار بلاغ تكذيبي في شأنها، وفي بعض الأحيان لا يجدي ذلك نفعاً؛ لأن الإشاعة تصبح أقوى من الحقيقة.
ويؤكد الإعلامي حسن الهيثمي، لـ»المجتمع»، أن بعض الأخبار الزائفة تستهدف تضخيم بعض الأرقام في ميزانية بعض المؤسسات، مما يزعزع الثقة في مؤسسات الدولة، ويؤثر على نسبة التصويت خلال الانتخابات، أو إيهام القارئ بوجود توظيفات مشبوهة؛ مما يجعل مجموعة من الشباب الحاملين للشهادات يتراجعون عن المشاركة في المباريات.
ويؤكد الإعلامي المغربي، إسماعيل التزارني، لـ»المجتمع»، أن هناك أخباراً يكتبها بعض المحررين، وتنشرها بعض المنصات؛ رغبة منهم في خلق حالة من الجدل والترويج لمنصتهم، سواء كانت صفحة على «فيسبوك»، أو قناة على «يوتيوب»، أو حتى موقع، وهناك أخبار يكتبها الصحفي معتقداً أنها صحيحة ليتبين فيما بعد أنها زائفة، وسبب ذلك أنه نقلها عن مصدر غير موثوق، أو مصدر له مصلحة معينة من خبر زائف روّجه.
وهناك دوافع اقتصادية ومالية للشائعات؛ حيث ذكر أستاذ علم الاجتماع في الجامعة التونسية، مهدي مبروك، لـ»المجتمع»، أن هناك شائعات تستهدف بنوكاً وشركات ورجال أعمال أو بضائعهم بأنها فاسدة، أو مضرة بالصحة، أو العكس تماماً، وهو ما يدخل في الدعاية الكاذبة، وهي شكل من أشكال الإشاعة، أو إشاعة الزيادة في الأسعار أو فقدان سلع من السوق؛ بهدف نشر البلبلة في المجتمع، أو إقبال الناس على التزود بكميات كبيرة من تلك السلع التي تقول الإشاعة بأنها ستنفد أو يرتفع سعرها، مما يسبب إشكالات في مسالك التوزيع، أو زيادة الأسعار بشكل غير قانوني من قبل التجار.
وهناك أيضاً دوافع سياسية للشائعات؛ حيث تطرق مهدي مبروك إلى وجود إشاعات هدفها لفت الأنظار عن القضايا الحقيقية للشعب والأمة، وغالباً ما تكون تلك الشائعات إما أكاذيب أو مبالغات حول جرائم حق عام حدثت في مكان ما من البلاد، أو تضخيم حوادث معينة، أو التركيز على ظواهر بعينها وربطها بجهات معينة بهدف توريطها واتهامها، ومن ثم إدانتها وتبرير استهدافها بما في ذلك حقها في الحياة؛ كإشاعة أن تلك الجهة تقف وراء الإرهاب؛ مما يعني تصفيتها في مأمن من النقد والمحاسبة، وتقديم من يضطهد تلك الجهة في صورة المنقذ والحامي، وغالباً ما يكون هو من يقف وراء تلك الجرائم الإرهابية لتحقيق هدف سياسي.
خصوصية المجتمع الفلسطيني
من جانبه، قال الباحث الحقوقي الفلسطيني، حسين حماد، لـ»المجتمع»: إن المجتمع الفلسطيني له خصوصية في التناقل اللامسؤول للأخبار الكاذبة التي تنضوي تحت إطار الشائعات؛ لكونه يرزح تحت الاحتلال، الذي يمارس الدعاية السوداء منذ احتلاله الأرض الفلسطينية في عام 1948م.
وأشار إلى أنه من المعروف أن الدعاية الصهيونية تهدف لإحباط كل محاولة للتحرر للشعب الفلسطيني، وتنشط مع كل حالة مقاومة أو حراك أو أنشطة هدفها فضح انتهاكات قوات الاحتلال.
ويؤكد هذا الكلام ما ذكره محسن الإفرنجي؛ حيث استشهد بالحالة الفلسطينية؛ فهناك أخبار عديدة عندما تبحث عن أصلها لا تجد لها أثراً ولا مصدراً تستند إليه سوى الأخبار التي تبثها مصادر الاحتلال الإسرائيلي، وتغذي بها شارعنا الفلسطيني؛ فتتناقله وسائلنا الإعلامية والناشطون، ويبدأ الحديث في الموضوع بشكل غير مسبوق، حتى يتحول إلى حقيقة مؤكدة.
ومن فلسطين إلى الجزائر، حيث إن من أشهر الشائعات وأكثرها وقعاً في نفوس الجزائريين، تلك التي ارتبط ظهورُها بأهمّ المحطات الدراسية التي يجتازُها أولادهم، وهي امتحانات شهادة البكالوريا، حيث اعتاد الأولياءُ، مثلهم مثل الأولاد، على حبس أنفاسهم قبل هذه الامتحانات، وذلك بسبب وقْع الشائعات التي تنتشرُ عادة قبل هذه الاستحقاقات الدراسية، التي تُحاول النيل من عزيمة الجميع بدواعي تسريب أسئلة تلك الامتحانات المصيرية، والكلُّ يعلم مدى تأثير ذلك في حياة الملايين من الطلاب.
ولمواجهة كلّ الشائعات، دأبت وزارة التربية والتعليم في الجزائر، بالتعاون مع وزارة البريد وتكنولوجيات الاتصالات السلكية واللاسلكية، على قطع شبكة الإنترنت طيلة أيام الامتحانات، كما حرصتْ على نشر مشاعر الطمأنينة والثقة لدى الطلاب والأولياء، من خلال التعهُّد أمامهم بأنّ الأمور ستكون على ما يُرام، وإحاطتهم بكلّ المجهودات التي تُبذل في سبيل تحقيق الشروط الملائمة لإجراء هذه الامتحانات في أحسن الظروف.
ولم يقتصر تسرب الشائعات إلى المجال التعليمي على الجزائر فقط؛ فقد انتشرت في جارتها المغرب صور زائفة لمقررات دراسية جديدة، تضرب في الصميم الثوابت التربوية للمغاربة، تزامناً مع تغيير المناهج البيداغوجية، وارتفاع حدة الجدل حول «فرنسة التعليم»؛ مما أرق الأمهات والآباء، معبرين عن خوفهم على أولادهم ومستقبلهم.
الشائعات السياسية
الشائعة السياسية –حسب أستاذ علم الاجتماع في الجامعة التونسية مهدي مبروك- هي التي تتناول مرض شخصية سياسية في السلطة أو المعارضة، أو استهداف الذمة المالية لذات معنوية قد تكون فرداً أو جماعة أو حزباً أو غير ذلك، كالاتهام بالسرقة وإشاعة ذلك، أو الإثراء السريع من المال العام، أو تبذيره، والحديث عن ممتلكات وهمية لشخصيات سياسية تنشط في الشأن العام؛ بهدف تحطيمها وتقليص مؤيديها وأنصارها.
ومن أمثلة هذا النوع من الشائعات في تونس –حسب مبروك أيضاً- ما تعرضت له شخصيات معروفة كالرئيس الأسبق منصف المرزوقي، ووزراء سابقين من حزبه، ومن حزب حركة النهضة، كرئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي، ووزير الداخلية ثم رئيس الحكومة الأسبق علي العريض، والقيادي في النهضة وعضو مجلس نواب الشعب سمير ديلو، وغيرهم من الأحزاب والشخصيات السياسية التي نسبت إليها ممتلكات وهمية كالمصانع والفنادق وحتى اليخوت؛ بهدف الحد من شعبيتهم وإثارة الناس ضدهم.
ومن هذه الشائعات -حسب أستاذ علم النفس التونسي د. أحمد الأبيض- ما راج عن الرئيس التونسي المنتخب حديثاً قيس سعيّد من إشاعات طالت حتى اعتقاده المذهبي، وهي غير صحيحة؛ كالقول بأنه من طائفة كذا، أو عضو في الحزب الفلاني، أو مرشح سري لحزب الحركة الفلانية، وغيرها من الإشاعات، ومنها أيضاً ما تعرضت له حركة النهضة من إشاعات حول تلقيها أموالاً من الخارج، أو لديها صلات بجهات للمجتمع التونسي في غالبيته منها موقف حازم وحاسم.
ويدخل في هذا النوع ما ذكره د. أحمد الأبيض؛ وهو الإشاعات التي تطلقها بعض السلطات الحاكمة لترصد ردود أفعال الشارع مثلاً، ولتحدد كيف تتصرف بعد تسجيل تلك الردود، وما إذا كان يجب العدول عمّا أرادته أو تعديله أو إنفاذه، وهذه الإشاعات المنظمة أو المخطط لها –حسب الأبيض- تُرصد لها أموال، وشبكات، وأحياناً تُمرر عبر وسائل الإعلام.
ومن أشهر الشائعات السياسية في الجزائر وأكثرها وقعاً –حسب مراقبين- هي ما ارتبطتْ بالحالة الصحيّة لرئيس الجمهورية السابق عبدالعزيز بوتفليقة؛ فحسب بعض الجزائريين: إذا كان على هذه البسيطة إنسانٌ مات في العام الواحد أكثر من مرّة، فسيكون بوتفليقة صاحب الحظ الأوفر، وذلك بسبب كثرة الإشاعات التي كانت تقتلُه صباحاً، على وسائل التواصل الاجتماعي، فتُسارعُ السلطاتُ العمومية إلى تفنيد تلك الإشاعات، وإعادة الرئيس ثانية إلى الحياة موفور الصحة، بتلاوة بيان خلال نشرات الأخبار على التلفزيون الرسمي!
وإذا كان للإشاعة، في حالة صحة الرئيس بوتفليقة، ما يُبرّرُها لدى الرأي العام الجزائري، فإنّ نشر الشائعات بخصوص وفاة الرئيس الأسبق إليامين زروال غير مبرّرة؛ فالرجلُ لم يكنْ، حين قتلتْهُ الشائعات عشرات المرّات، يُزاول أي وظيفة رسمية، وإنما كان ينعم بتقاعد مريح في مسقط رأسه بمدينة باتنة شرقي الجزائر.
ومن مظاهر الشائعات السياسية أيضاً ما ذكره أستاذ التواصل بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، عبدالواحد الرامي، أن بعض الدول المتنافسة تستعملها في إطار الحرب النفسية التي تشكل جزءاً من الحرب التقليدية لكنها ناعمة، وبفعل نعومتها تؤثر بشكل كبير جداً لإضعاف المتنافس وإحباط هزيمة الجنود إذا تعلق الأمر بحالة حرب، أو التشكيك في مصداقية وخلق البلبلة والشك والريبة وهدم تماسك المجتمع في حالات أخرى.
وأضاف الرامي: من أمثلة الشائعات السياسية في المغرب نجد أمثلة كثيرة في هذا الجانب، هدفها التنقيص من عمل الحكومة ومؤسسات الدولة وضرب مصداقيتها، كما أكد لـ»المجتمع» مسؤول رفيع المستوى فضّل عدم الكشف عن اسمه، مثل نشر صورة لطفل سوري قتل في الحرب على أنها صورة طفل من جبال الأطلس المغربية توفي بسبب البرد، أو صورة لأحداث في غزة على أنها نتائج قمع القوات الأمنية في مظاهرة بمدينة مغربية.
وعلى مستوى العلاقات الدولية، يذكر الإعلامي المغربي، إسماعيل التزارني، صورة تم ترويجها عام 2017م للعاهل المغربي رفقة أمير قطر، يحمل وشاحاً كتب عليه «لكم العالم ولنا تميم» في أوج الحصار؛ ما يعني انحيازاً كاملاً للدوحة، وهو ما اضطر ياسر الزناكي، مستشار الملك محمد السادس، إلى المسارعة إلى نفي صحتها، وأعلنت قطر فتح تحقيق، بعدما خلقت بلبلة على أعلى مستوى من العلاقات بين المغرب والخليج.
العلاج وسبل المواجهة
إذا كان بعض علماء الاجتماع قد قسّموا، بعد تجارب عملية أجروها على موضوع الشائعات وانتشارها، طرق تلقّي الناس للشائعة إلى ثلاث؛ وهي: التلقي النقدي، والعاطفي، والمحايد، فإنّ طريقة مواجهة الشائعات شكّلتْ إجماعاً لدى أولئك المختصّين في علم الاجتماع، حيث نزع أغلبُهم إلى فكرة أنّ الحقيقة هي أفضل ترياق للقضاء على تلك السموم التي تستهدف الشائعةُ، أو بالأحْرى مروّجُوها، نشرها في نفوس المتلقين.
وفي هذا السياق، يشدد د. عبدالوهاب الرامي على أهمية التصدي لهذه الأخبار الزائفة من طرف الإعلام الجاد، من باب أخلاقيات المهنة، برصدها ومعالجتها، وهناك تجارب رائدة في هذا المجال، مثل «لوموند»، و»ليبراسيون» الفرنسيتين اللتين تخصصان مساحة لدحض هذه الأخبار الزائفة والتدليل على زيفها.
ويؤكد أن محاربة هذه الأخبار يعول فيه على الجانب القانوني، بتجويد النصوص القانونية وقدرتها على محاربة الأخبار الزائفة دون المس بحق التعبير.
ويضيف المتحدث ذاته، أنه علاوة على ذلك، أهمية الاستعداد اليقظ للمؤسسات من خلال آلية سريعة وناجعة، إضافة إلى استثمار وسائل التنشئة الاجتماعية لنشر الوعي لدى الناشئة بمخاطر هذه الأخبار.
بدوره، يضيف البرلماني المغربي بلعيد أعولال أن الأخبار الزائفة أصبحت وسيلة للبعض للنيل من الخصوم أو المنافسين في مجالات متعددة، مشدداً على أهمية تجويد المنظومة القانونية للحد من الأخبار الزائفة، شريطة عدم استعماله لأغراض أخرى مثل الحد من حرية التعبير.
فيما يبرز الإعلامي إسماعيل التزارني أن على الصحفي أن يستعمل رقابته الذاتية قبل استحضاره للرقابة القانونية؛ لأن الأخبار الزائفة التي ينشرها، سواء بوعي منه، أو أنه كان ضحية تضليل، تؤثر على سمعته ومصداقيته.
أما الباحث والأستاذ الجامعي التونسي مهدي مبروك، فأكد أهمية تصدي من تستهدفهم الإشاعة، إلى الإسراع بتفنيدها، وتأكيد كذبها وتهافتها، وعدم السكوت عليها، واللجوء إلى القضاء إن لزم الأمر، وإجبار وسيلة الإعلام على نشر موقفه بالقانون، كما فعلت جهات سياسية في تونس داخل البلاد وخارجها، وكان لقرار القضاء دور كبير في تفنيد تلك الشائعات.
وشدّد مبروك على أن بعض الإشاعات لا تستحق الرد؛ لأن الرد عليها قد يؤدي إلى نتائج عكسية، وتكون إماتتها وعدم الرد عليها هو الحل، ولكن كل إشاعة تقدر بقدرها، ولا ينبغي المساهمة في حملة مضادة من خلال الرد، لا سيما إذا كان نطاق الإشاعة محدوداً.