بمناسبة الحديث عن موضوع مهم مثل التجارة الإلكترونية، كان لا بد من سؤال أهل الذكر؛ للوقوف على بعض المعلومات التي لا يسع المتعاملين بها جهلها؛ لذا كان لنا هذا الحوار مع الأستاذ عوض الفضلي، الأستاذ في قسم الحاسب الآلي ونظم المعلومات في الهيئة العامة لعلوم التطبيق والتدريب.
بداية، ماذا تعني كلمة «التجارة الإلكترونية»؟
– أولاً أنا سعيد بلقائي مع مجلتكم الموقرة، وموضوع التجارة الإلكترونية مهم ويستحق المناقشة، خاصة الاكتساح الكبير الذي تحققه على مستوى مستخدمي الإنترنت؛ وهو ما انعكس بشكل واضح على موضوع استخدام هذه التكنولوجيا، في موضوع التجارة.
وحينما نتحدث عن التجارة، فإننا نتحدث عن شقين؛ تجارة، وتكنولوجيا، وكيف نمارس هذه التجارة التقليدية في ظل استفادتنا من ميزة التطور التكنولوجي السريع الذي يفرض نفسه اليوم على الواقع في كل المجالات، سواء الطبية أو الصناعية، وغيرها من المجالات، وخصوصاً المجالات التجارية.
لذا، أصبحت التجارة الإلكترونية منصة لكبار رجال الأعمال -وكذلك صغارهم- وأصحاب المشاريع الصغيرة، يمارسون عملهم التجاري من خلالها، أضف إلى ذلك موضوع التسويق الإلكتروني، الذي لا ينفك عن موضوع التجارة الإلكترونية.
واليوم أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة فعّالة جداً، وعندما تدخل على هذه المنصات وحسابات التواصل الاجتماعي وتقوم بالتسويق لمشروعك بكل أريحية، وأقل التكاليف، وتصل إلى الشريحة المستهدفة بأسهل الطرق، كل ما في الأمر أنك تحتاج إلى معرفة بسيطة فيما يخص موضوع التسويق، وكيف تستهدف الشرائح التي تريدها.
على سبيل المثال؛ زوجتي لديها مشروع صغير، عبارة عن حضانة، وتريد أن تستهدف الأمهات، اللائي لديهن أطفال في سن الحضانة، في هذه الحالة كيف يتم استهدافهن؟
لو قمت بنشر إعلان في الصحف، سيقرؤه كل الناس، أما إذا ذهبت إلى هذه الحسابات، فسوف تحدد الشريحة العمرية، والمنطقة الجغرافية، ومستوى دخل الشريحة المستهدفة، والجنسية.
إذن، من الممكن أن تدفع مبلغاً من المال فيذهب مباشرة إلى خانة الشريحة التي تستهدفها، وينعكس ذلك بشكل مباشر على كل من يزور موقعك، كمشروع صغير؛ وبالتالي تكون الرسالة وصلت إلى الشريحة التي تستهدفها أنت بكل دقة وانسيابية، وهذا يعطيك مؤشراً حسناً على هذا الموضوع.
وبالتالي ممكن أن نقيس على هذا المشروع الصغير ما يخص مشاريع المطاعم، وغيرها من المشاريع الصغيرة والكبيرة.
بما أننا انتقلنا من عالم الإعلان التقليدي إلى الإلكتروني، هل نستطيع القول: إن للإعلان الإلكتروني جدوى اقتصادية؟
– بلا شك، لأننا حينما نتحدث عن استخدام هذه المنصات في الدعاية والتسويق، وشاهد الشباب أثرها، وانعكست على مشاريعهم بالفائدة والمصلحة؛ وبالتالي سيترتب على ذلك مدخول شخصي وللمجتمع.
أنا عندي طالب ممن أدرّس لهم في قسم الحاسب الآلي، اختفى عني ثلاثة أسابيع، وحينما سألته عن سبب الغياب، قال: عندي أعمال حرة، عبارة عن “مطعم”، فسررت جداً أن يكون طالباً وفي مثل هذه السن، ويكون صاحب مشروع، ومن باب التشجيع حرصت على دعوته للجلوس في المكتب، وحينما سألته عن موضوع التسويق الإلكتروني، عرفت أنه يستخدم “إنستجرام”، و”جوجل” في تسويق منتجاته، ولما سألته عن أثر استخدام الإعلان الإلكتروني، أخبرني أن إقبال شريحة الشباب على هذا المطعم ومنتوجاته أمر غير طبيعي.
هذا الشباب عرف كيف يستهدف شريحة الشباب تحديداً جغرافياً وعمرياً، وما إلى ذلك.
ما فوائد التجارة الإلكترونية، سواء للعاملين فيها أو التجار؟
– أي مشروع أو اختراع له فوائد وسلبيات، والتجارة عبر الوسائل الإلكترونية لها فوائد عظيمة، وهذا ما جعل الناس يُقبلون عليها، وفي المقابل هناك بعض المحاذير والتحديات التي يجب الانتباه إليها وخصوصاً من يتعامل مع هذه المنصات.
ومن أبرز فوائد التجارة الإلكترونية سهولة البدء بمشروع، دون أن يكون لديك محل، وما يتطلبه من دفع خلو، واستخراج رخصة تجارية من الدولة التي تعيش فيها، فما عليك إلا أن تدخل منصة، وتُنشئ مشروعاً منزلياً في بيتك، ثم تبدأ في تسويقه، وهذه الطريقة هي التي جعلت الكثير من المشاريع الصغيرة تظهر إلى العلن، على سبيل المثال؛ المرأة المتميزة في الطبخ، وهي ليست عندها إمكانية أن تفتح مطعماً؛ نظراً لما يترتب عليه من نفقة تعجز عن توفيرها، وليس لديها ميزانية افتتاح مشروع يتطلب محلاً ورخصة وموظفين وما شابه ذلك؛ لذا تلجأ إلى عمل المنتج الخاص بها داخل البيت وتقوم بتسويقه من خلال حنكتها وأولادها، وهذا الأمر يتم اليوم بكثرة، في محيطنا، سواء من زوجاتنا وبناتنا وأبنائنا، فكل واحد لديه منتج معين، سواء كان من الأكل أو غيره، وهؤلاء جميعاً شعروا بقيمتهم أكثر من خلال منصات التكنولوجيا الحديثة.
وبدون شك، فإن فوائد الإعلان الحديث القائم على التسويق الإلكتروني شجعت المنتجين الصغار ووضعتهم على منصات ومصاف التنافس مع الآخرين، والتجار الذين كانوا بالأمس صغاراً أصبحوا كباراً، من خلال هذا المنفذ الخاص بالتجارة الإلكترونية؛ فالمجال التكنولوجي سمح لصغار الشباب من المنتجين والمخترعين أن ينفذوا عبر هذه الوسائل الحديثة وينجحوا، واليوم أصبحوا أسماء لامعة، لا نستطيع تجاهلهم.
كيف تتعامل الحكومات، وخصوصاً بالكويت، مع التجارة الإلكترونية؟ وهل سنَّت قوانين تنظّم هذا النوع من التجارة؟
– هناك دور للحكومات في دعم التجارة الإلكترونية، والكويت سباقة في ذلك قبل نحو 20 عاماً، فيما يسمى بـ»الحكومة الإلكترونية»، وبدأت كمشروع من الكويت، ولم يتم تطبيقه فيها، بل في دول الخليج الأخرى؛ البحرين وقطر والإمارات والسعودية، وحسب آخر إحصائية، التي تنص على أن 80% من المؤسسات المسؤولة والأنظمة الموجودة في الكويت لا يتم استخدامها، وإذا استُخدمت لا تكون بالشكل الأمثل، رغم المبالغ الضخمة التي أنفقت عليها.
كما أن 40% من هذه الأنظمة موجود بالأرفف، ولم يتم فتحها حتى الآن، لعدم جاهزية هذه الجهة، أو عدم مقدرة المسؤول على اتخاذ القرار من أجل استخدام الجانب الإلكتروني.
لماذا أقول هذا الكلام؟ لأن التجارة الإلكترونية تحتاج إلى تشريعات وقوانين، وأنظمة تحمي المتعاملين فيها، خصوصاً أن عملية البيع والشراء اليوم تتم بأموال طائلة، لذا؛ مَنْ يحمي هذه الأموال، إذا كانت الدولة بالأساس مقصرة في جانب الحكومة الإلكترونية، بوضع التشريعات اللازمة التي تكفل هذا الجانب؟ ولذلك تجد أن كثيراً من الجهات تخشى هذا الأمر، والتعرض للمساءلة، أو الخداع.
أضف إلى هذا، أن الحكومة مسؤولة عن حماية التجارة الإلكترونية، وليس دعمها فقط، بل لا بد أن توفر لها الحماية من الاختراقات، فإذا كانت الدولة لا يتوافر فيها الجانب الإلكتروني أو الحكومة الإلكترونية؛ فكيف تؤمّن مَنْ يتعاملون معها من اختراقات “الهاكرز” وغيرهم؟
ما أبرز أخطار وسلبيات التجارة الإلكترونية؟
– أبرز الأخطار تتمثل في عدم وجود تشريعات حامية؛ لأن المتعامل يريد أن يؤمّن ويحمي نفسه في حالة لجوئه إلى المحكمة، حين يدّعي أنه قام بعملية بيع وشراء بينه وبين أحد الأشخاص، ومن ثمَّ خدعه ولم يقم بتسديد المبلغ، ولكن بكل أسف حين يلجأ إلى المحكمة لا يجد التشريع الكافي الذي يحميه؛ وبالتالي سيضيع حقه.
الخطر الثاني هو الأمن والحماية من الاختراق، وهذا أيضاً خطير للغاية؛ فحين تدخل هذا العالم الإلكتروني، وتقوم بعملية البيع والشراء مع آخرين، لا بد أن تتعرف على الجهة التي تتعامل معها؛ هل لديها حماية؟ وهل هي جهة معروفة، أم مجهولة؟ لأن كثيراً من الناس قاموا بعملية البيع والشراء عبر التجارة الإلكترونية، ولكن للأسف وقعوا ضحية جهات قامت بخداعهم من خلال التعامل الإلكتروني.
أما الخطر الثالث؛ فيتمثل في عدم مطابقة المنتج للمواصفات المطلوبة، خاصة أن التجارة تتم عبر الإنترنت ولا يتطابق مع الصورة المعروضة له.
أما الخطر الرابع؛ فهو ما يتعلق بالدفع المالي؛ فأنت أحياناً حين تبدأ في خطوة الدفع تكون الإجراءات غير سليمة، فيحدث مثلاً إشكال يجعلك تدفع أكثر من مرة وتظن أنك لم تدفع.
في موضوع الدفع، كل بطاقة ائتمان بها رقم رمز الأمان، ودائماً تحذّر البنوك بعدم إعطاء هذا الرمز لأحد، وفي عملية التجارة الإلكترونية يُطلب من المشتري، فما العمل إذاً؟
– رمز الأمان المكوَّن من ثلاثة أرقام لا توجد فيه مخاطرة، أما المخاطرة الحقيقية فهي أن تقوم بتصوير البطاقة وتحتفظ بالرقم السري داخل الكمبيوتر الخاص بك، أو هاتفك، سواء على شكل صورة أو رقم، وبعض الناس يستخدمون وسائل لإخفاء الرقم، أو يضعونه بين مجموعة من الأرقام، بحيث يستطيع استخراج الرقم السري منها بعد ذلك، لكن أفضل من هذا كله التعامل مع مواقع وسيطة للدفع لتحمي نفسك، مثل موقع «البيبال»، حيث إن فيه حسابات إلكترونية، وهو يتحمل المسؤولية، وبه حماية كبيرة، وكلما أردت الدفع سيقوم بالدفع من حسابك الموجود، وفي حالة ضمان أمان الجهة الأخرى؛ سيتم اعتماد المبلغ، وإن لم تكن مأمونة؛ فإن الموقع لا يرسل المبلغ؛ وبالتالي لا يضيع.
وهناك وسائل أخرى؛ كأن تستخدم “كارتاً” خاصاً، توفره بعض البنوك ولا يُستخدم إلا في أثناء التعامل مع الإنترنت؛ بحيث تضع مبلغاً صغيراً في حساب هذا الكارت يناسب المنتج الذي تنوي شراءه.
توجد منصات عديدة للتداول الإلكتروني؛ مثل “فوركس” و”بيتكوين”، وتداول الذهب أو النفط.. ما نسبة أمانها؟ وما فوائدها، وأخطارها؟
– بالنسبة لهذه العملات الرقمية، وخصوصاً في مسألة البيع والشراء بها، أقول: إنه في حالة أن يكون المشروع جديداً، فمن الطبيعي أن يخاف الناس منه؛ لأنه جديد، ومنهم من لديه حب المغامرة، لذا تجدهم يغامرون، وبعض الناس لديه ثقة في مثل هذه المنصات، وأنا أنصح الناس بعدم الاستعجال في مثل هذه المشاريع، وإذا دخلت فيها فلتدخل بمبالغ قليلة، من باب التجربة.
هل تنصح الشباب بالتعامل مع الشركات الإلكترونية؟
– بلا شك، فنحن نقوم بتدريس التجارة الإلكترونية، والحكومة الإلكترونية، والجرائم الإلكترونية، منذ عقدين، وهذه المواضيع في تطور مستمر، فقبل 20 عاماً حينما كنا نسأل الطلبة: من فيكم جرّب البيع والشراء على شبكة الإنترنت؟ فكان الجواب: لا يوجد أحد، أما اليوم فالكل يبيع ويشتري عبر هذه الإنترنت، والجميع يستخدم «أون لاين» في التحويل المالي، ويقوم بتسديد فواتيره إلكترونياً، ولو تم عمل مقارنة بين السنوات العشرين الماضية فستجد أن الأمر تصاعدي، من امتناع تام نتيجة التجربة الجديدة والخوف وعدم الثقة، والخيارات البديلة موجودة، أما اليوم فالخيارات التقليدية والورقية أصبحت قليلة، وهي في هبوط باستمرار.
ألا تؤدي التجارة الإلكترونية إلى الكساد في الأسواق التقليدية؟
– لا تسبب كساداً، بل تغير طبيعة التجارة، من شكل إلى آخر، وقيل في السابق: هل التكنولوجيا الحديثة السبب في فقد الناس لأعمالهم؟ بالتأكيد لا، بل يتم تحويل طبيعة أعمالهم من شكل إلى شكل آخر مختلف، يتوافق مع طبيعة التكنولوجيا الحديثة.
وهناك مثال: بالأمس كان الإنسان هو الذي يقوم بتركيب معدات السيارة، واليوم أصبحت الآلة هي التي تقوم بذلك، وفي هذه المرحلة أصبح الموظفون الأمريكيون لا يجدون وظائف، إلى أن تدخلت النقابات العمالية، وأوجدت خيارات وظيفية أخرى، فاضطروا لترحيل هؤلاء الموظفين إلى وظائف أخرى تتوافق مع طبيعة المرحلة.
ما نصائحك لكل مَنْ يتعامل بالتجارة الإلكترونية؟
– التعامل بالتجارة الإلكترونية أمر نحن مجبرون عليه، ولا يوجد خيار آخر، والذي لا يؤمن بكل ما هو جديد ويقتحمه ويتعايش معه؛ سيُفرض عليه غداً فرضاً، فإذا كان تعلم الحاسوب أصبح مفروضاً علينا، فلا بد من تعلمه.
كذلك، يجب أن تكون هناك توصية بإدراج ذلك في مناهجنا الدراسية، وهذا دور وزارة التربية.
كما أن على الإعلاميين دوراً كبيراً في التوعية والتنبيه إلى أخطاره، وأهميته، في الوقت نفسه.
وللدولة الدور الأكبر في هذا الموضوع؛ لذا ينبغي أن تكون جاهزة ومستعدة له، وواقعنا بكل أسف محبط فيما يخص الحكومة الإلكترونية.
ويجب على وزارة التجارة، والتأمينات، أن يقتحموا هذا المجال، لكي يتم التسهيل على المواطنين في إنجاز معاملاتهم بكل سهولة.