اضطرت شركة فودافون مصر لعقد مؤتمر صحفي، عصر الأربعاء الماضي، بشكل عاجل لتوضيح ملابسات تخارج المشغل العالمي فودافون العالمية مالك حصة الأغلبية من مصر ببيع حصتها لشركة الاتصالات السعودية stc عقب تسرب أنباء بهذا الصدد مساء الثلاثاء.
وأكدت مصادر بالشركة أن خطوة عرض فودافون العالمية للخروج من مصر نهائية، إلا أنها لا تزال تدرس البيع للشريك المحلي “المصرية للاتصالات” أو لشركة الاتصالات السعودية، حيث يحق للمصرية للاتصالات أولوية الشراء بما يسمى بـ”حق الشفعة”.
ورغم محاولات مسؤولي الشركة نفي إرجاع الخروج لأسباب محلية، تتعلق بحالة الاقتصاد عموماً أو موقف الشريك حامل حصة الأقلية وهو الشركة المصرية للاتصالات (we) الحكومية، غير أن خبراء بمجال الاتصالات أكدوا أن السبب يرجع إلى تعرض الشركة لمشكلات بسبب إصرار الشريك قبل سنوات على دخول سوق المحمول منافساً لـ”فودافون” ضارباً عرض الحائط بمصالح الشريك الرئيس في فودافون مصر وهي فودافون العالمية.
وأقل تلك المشكلات وجود ممثلين للشريك/ المنافس في مجلس الإدارة ما يجعل الشركة المنافسة على اطلاع على كل خطط “فودافون” مصر، وهو نفس المأزق الذي ستواجهه الاتصالات السعودية حال شراء نسبة فودافون العالمية.
وقالت مصادر مطلعة على صلة بتفاصيل الصفقة: إن انحياز الحكومة ممثلة في جهاز تنظيم الاتصالات -هيئة رقابية رسمية- لصالح الشركة الحكومية كان واضحاً منذ سنوات، رغم تقدم فودافون العالمية باعتراضات رسمية ضد حصول الشركة المصرية للاتصالات على رخصة للعمل بالمحمول قبل سنوات، ما يمثل تعارضاً للمصالح؛ “إذ كيف يكون الشريك شريكاً ومنافساً في نفس الوقت؟”، وفق الخبراء.
وقال عاملون بالشركة: إن هناك شعوراً سائداً لدى قيادات عليا ووسطى بالشركة بأن فودافون العالمية غير مرحب بوجودها في مصر، نظراً لممانعة قيادات الشركة لطلبات أمنية بالدخول على حسابات مشتركيها أو التنصت عليها.
وكان مسؤولون بالشركة قد أكدوا، في تصريحات صحفية، أن السلطات أجبرتهم على قطع خدمات الاتصالات في جمعة الغضب بالثامن والعشرين من يناير إبان ثورة يناير 2011، لكن رئيس فودافون مصر إكسندر فرومان أكد خلال المؤتمر الصحفي أن التخارج متعلق فقط بأسباب تخص الشركة العالمية كما فعلت في أسواق أخرى خرجت منها واحتفظت بالوجود فيها بعض خدمات العملاء “call center”.
وتعمل “المصرية للاتصالات” في مجال الاتصالات الأرضية قبل أكثر من قرن، وكانت أولى الشركات التي عملت بمجال الاتصالات الخليوية نهاية القرن الماضي، ثم اضطرتها الحكومة آنذاك للتخلي عن رخصتها لتشغيل الهاتف المحمول، ومنحها لرجل الأعمال نجيب ساويرس، في صفقة شابتها شبهات عديدة تحدثت عنها الصحافة المصرية في حينها، ولم يعق ذلك انطلاق ساويرس بالشركة ليصبح إمبراطوراً في مجال الاتصالات وتوسعت أعماله في أفريقيا وآسيا.
أما شركة “فودافون” مصر، فهي أكبر مشغل اتصالات في مصر؛ إذ تستحوذ على نحو 42% من نسبة مستخدمي المحمول في مصر بإجمالي 44 مليون مستخدم، وتتوزع هيكل ملكيتها بين شركة فودافون الأم بحصة 55%، والنسبة المتبقية 45% تمتلكها الشركة المصرية للاتصالات.
وعلى مدى سنوات طويلة امتدت لأواخر عصر الرئيس الأسبق حسني مبارك، حاولت إدارة المصرية للاتصالات بضغوط من العاملين بها الحصول على رخصة لتشغيل الهاتف المحمول، إلا أن رغبتها كانت تصطدم في كل مرة بتحالف أصحاب المصالح في سوق المحمول لترجئ الرغبة إلى حين.
وكنوع من الترضية -بحسب خبراء في مجال الاتصالات- توسطت الحكومة لدى شركة “فودافون” مصر لكي تبيعها نسبة غير حاكمة -45%- من أسهمها.
ودخلت إدارتا الشركتين الشريكين في فودافون مصر، وهي فودافون العالمية والمصرية للاتصالات في مفاوضات عدة لحل مأزق تضارب المصالح، وطغى على السطح غبار الخلاف بين الشريكين في أكثر من مناسبة، غير أن الأمور كانت تهدأ بترضية حكومية لهذا الشريك أو ذاك.
وأكدت المصادر عدم قدرة المصرية للاتصالات على شراء الحصة الحاكمة -باقي أسهم فودافون مصر من فودافون العالمية- حيث سينشب حينها مأزق تشغيل شركة واحدة لرخصتي محمول لتنافس نفسها في نفس السوق المحلية، فضلاً عن وجود ديون لدى الشركة تمنعها من الوفاء بالمتطلبات المالية للصفقة البالغة 2.392 مليار دولار، فضلاً عن ضرورة دفع ضرائب البورصة البالغة 20% من جملة الصفقة، وهو الرقم الذي يمكن أن يعرقل إتمامها مع المشتري السعودي.
وبانتقال ملكية فودافون مصر للشركة السعودية، تصير الاتصالات بمصر ملعباً لشركات الخليج العربي بنسبة كبيرة، فهناك الإمارات ممثلة في شركة اتصالات الإمارات، والسعودية ممثلة في فودافون مصر بعد بيعها، ولا يتبقى إلا شركة أورانج الفرنسية.
وتعقيباً على إعلان مجموعة فودافون العالمية عن توقيع مذكرة تفاهم مع شركة الاتصالات السعودية (STC) لبيع محتمل لحصة فودافون العالمية البالغة 55% في فودافون مصر إلى شركة الاتصالات السعودية (STC)؛ أكد الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات أنه في حال إتمام عملية الاستحواذ المحتملة؛ فإن شركة فودافون ملتزمة بأخذ موافقة كتابية مسبقة من الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات على أي عمليات تتعلق بأي تغيير في كيانها القانوني أو نسب المساهمين داخل الشركة طبقاً للشروط التي يحددها مجلس إدارة الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات.
وبحسب بيان للجهاز، يحق له في اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير اللازمة لحماية الأمن القومي والمصلحة العامة للدولة ومراعاة المنافسة وحماية المستخدمين؛ وذلك طبقاً لأحكام القانون رقم (10) لسنة 2003 الخاص بتنظيم الاتصالات والترخيص الصادر للشركة من الجهاز التي تقدم بموجبه خدمات التليفون المحمول في جمهورية مصر العربية منذ عام 1998.
ورغم أن سياسة الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات تقضي بألا يتدخل في الصفقات والمعاملات التجارية ما بين الشركات وفقاً لقواعد الاقتصاد الحر، فإنه يؤكد أن إتمام الاتفاق ما بين الطرفين مشروط بعرضها على الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات للموافقة النهائية على إتمام عملية البيع، وذلك ضماناً لحقوق مستخدمي الاتصالات في عدم تأثر جودة الخدمات المقدمة لهم من جانب، ولكافة حقوق الدولة من جانب آخر.
كما أوضح الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات بأن قرار شركة فودافون العالمية ببيع حصتها في فودافون مصر هو قرار مرتبط بإستراتيجيتها على المستوى العالمي، وهو ما يفسر خروج الشركة مؤخراً من العديد من الأسواق الرئيسة، وأن الشركة مستمرة في تقديم الخدمات الأخرى.