شهدت محافظة إدلب، اليوم الإثنين، تبادلاً لإطلاق النار بين القوات السورية والتركية، في تصعيد خطير أوقع قتلى من الطرفين، في وقت تواصل دمشق بدعم روسي انتزاع مناطق خاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام والفصائل الأخرى في شمال غرب سورية.
ويحصد التصعيد المستمر لقوات النظام في المنطقة المزيد من الضحايا، إذ أوقعت غارة جوية الإثنين 9 قتلى مدنيين أثناء نزوحهم، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وأعلنت أنقرة الإثنين مقتل 6 من جنودها وإصابة تسعة آخرين بجروح في قصف مدفعي شنته قوات النظام ضد قواتها المتمركزة في محافظة إدلب، ما دفعها سريعاً إلى الرد عبر استهداف مواقع الجيش السوري، ودعوتها موسكو الداعمة لدمشق إلى “عدم عرقلة” ردها.
وخلال مؤتمر صحفي في إسطنبول صباحاً، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: إن طائراتنا من طراز “إف-16” وقطع مدفعيتنا تقوم حالياً بقصف أهداف حددتها أجهزة استخباراتنا، ما أسفر، وفق قوله، عن مقتل ما بين 30 و35 عنصراً من قوات النظام السوري، الأمر الذي نفته دمشق.
وأوردت “وكالة الأنباء السورية” الرسمية (سانا) أنّ الرد التركي لم يسفر “عن أي إصابة أو ضرر”.
إلا أنّ مدير المرصد السوري رامي عبدالرحمن أكّد، لوكالة “فرانس برس”، مقتل 13 جندياً سورياً وإصابة نحو 20 آخرين بجروح في الرد التركي، الذي استهدف بعشرات الصواريخ مواقع لقوات النظام في جنوب إدلب ومحافظتي اللاذقية وحماة المحاذيتين.
ويُعد هذا التصعيد “المواجهة الأخطر” بين الطرفين منذ بدء التدخل العسكري التركي المباشر في سورية منذ العام 2016، وفق عبدالرحمن.
لا تعرقلوا عملنا”
أكد أرودغان في تصريحاته أنه لا يمكننا أن نقف صامتين بينما جنودنا يُستشهدون، سنواصل المطالبة بالمحاسبة، وتوجه إلى موسكو بالقول: أريد خصوصاً أن أبلغ السلطات الروسية أن محاورنا هنا ليس أنتم بل النظام (السوري) ولا تحاولوا عرقلة عملنا.
وأوضحت موسكو من جهتها، في بيان عن وزارة الدفاع، أنّ مجموعة من الجنود الأتراك قاموا بتحركات في إدلب، ليل الأحد الإثنين، من دون إبلاغ روسيا بالأمر، ووجدت نفسها تحت نيران القوات الحكومية السورية التي كانت تستهدف الإرهابيين في منطقة سراقب في ريف إدلب الجنوبي.
وأكدت في الوقت ذاته أنها على “تواصل دائم” مع أنقرة.
ووقع التصعيد بعد ساعات من دخول رتل عسكري تركي ضخم، مؤلف من 240 آلية على الأقل، وفق المرصد إلى شمال غرب سورية، تمركز الجزء الأكبر منه قرب سراقب، المدينة التي كانت قوات النظام تخوض معارك في محيطها.
وقال عبدالرحمن: إنّ تمركز جزء من تلك القوات غرب سراقب أدى إلى قطع الطريق أمام قوات النظام التي كانت تسعى للالتفاف حول المدينة.
وكانت تركيا، التي تنشر 12 نقطة مراقبة في إدلب بموجب اتفاق مع موسكو، حذرت الأسبوع الماضي، من أنها سترد على أي تهديد لقواتها بعدما باتت ثلاث من نقاطها محاصرة من قبل قوات النظام، وأرسلت تركيا تعزيزات عسكرية إلى شمال سورية في الأيام الأخيرة، واتهمت موسكو بعدم احترام الاتفاقات المبرمة بينهما بشأن إدلب.
ومنذ ديسمبر، تشهد إدلب وجوارها، حيث يعيش 3 ملايين شخص نصفهم تقريباً من النازحين، تصعيداً عسكرياً من قوات النظام وحليفتها روسيا، يتركز تحديداً في ريفي إدلب الجنوبي وحلب الغربي حيث يمر جزء من طريق دولي إستراتيجي يربط مدينة حلب بدمشق.
ويُعرف الطريق باسم “أم فايف” ويعبر أبرز المدن السورية من حماة وحمص وصولاً إلى الحدود الجنوبية مع الأردن.
وفي إدلب، يمر هذا الطريق في 3 مدن رئيسة؛ خان شيخون التي سيطرت عليها قوات النظام صيف عام 2019، ومعرة النعمان التي دخلتها الأربعاء، ثم مدينة سراقب.
وتكمن أهمية سراقب في موقعها الإستراتيجي كونها تشكل نقطة التقاء بين طريق “أم فايف” وطريق إستراتيجي ثان يُعرف باسم “أم فور”، يربط محافظتي حلب وإدلب باللاذقية غرباً.
ضحايا
يشهد محيط سراقب، اليوم الإثنين، اشتباكات بين قوات النظام والفصائل، تتزامن مع غارات روسية وسورية على ريفي إدلب الجنوب وحلب الغربي.
وقتل 9 مدنيين بينهم أربعة أطفال، الإثنين، في قصف جوي استهدف سيارة كانت تقلهم بعيداً عن التصعيد العسكري في ريف حلب الغربي، وفق المرصد الذي لم يتمكن من تحديد ما إذا كانت الغارات سورية أم روسية.
وقالت وكالة “فرانس برس”: في المكان الجثث بينهم أطفال تمّ وضعهم في أكياس بيضاء أو لفهم بأغطية شتوية قبل نقلهم إلى بلدة أورم الكبرى لدفنهم.
ودفع التصعيد منذ ديسمبر 388 ألف شخص إلى النزوح من المنطقة وخصوصاً معرة النعمان باتجاه مناطق أكثر أمناً شمالاً، وفق الأمم المتحدة، وبين هؤلاء 38 ألفاً فروا منذ منتصف يناير من غرب حلب، كما قتل أكثر من 260 مدنياً، وفق المرصد.