– د. الشافعي: القزويني والطوسي رائدا علم الفلك وعلوم الفضاء
– د. أيمن: تراث العرب العلمي سبب نهضة أوروبا المعاصرة
– د. الحلوجي: الأمة التي تهمل تراثها تصبح فاقدة الذاكرة
– د. مدكور: المعادون للتراث يريدون إخراجنا من الحضارة المعاصرة
أوضح د. حسن الشافعي، رئيس مجمع اللغة العربية في القاهرة، أن هناك أشخاصاً يعادون التراث بزعم أنه يبعدنا عن العلوم والنهضة، وينسون أن التراث العربي يشمل التراث الديني والدنيوي وإنجازات العلماء المسلمين في مجال الطب والهندسة والفلك والرياضيات، وكانت هذه العلوم سبباً في انتقال أوروبا من حالة التخلف إلى التحضر، وكانت سبباً في نهضتهم الحضارية والعلمية المعاصرة.
جاء ذلك في كلمته أمام ندوة “تحقيق التراث العربي: المعوقات والطموحات” التي عقدها مجمع اللغة العربية ضمن موسمه الثقافي في القاهرة، وشارك فيها عدد من اللغويين والأكاديميين والإعلاميين وطلاب الجامعات.
وأضاف بأن هناك فرقاً بين مصطلح “تحقيق التراث” و”مصطلح الإحياء”، فالإحياء يعني ضبط النص التراثي وتقويمه بهدف توظيف هذا النص في حياتنا المعاصرة من جديد ليسهم في نهوضنا، وأما ماعدا ذلك فهو يندرج تحت تحقيق التراث.
وأشار إلى أنه من الأجهزة التي توصل لها العلماء المسلمون السابقين الإسطرلاب وهو جهاز يحدد مواقع النجوم والأرصاد الجوية، وتم استخدامه لتحديد مواقيت الصلاة، ومن ساهم في تطويره نصير الدين الطوسي في القرن السابع الهجري.
رائد علم الفلك عالم مسلم
ولفت د. الشافعي إلى أنه لا يبالغ إذا قال: إن العالم المسلم القزويني هو رائد علم الفلك وواضع اللبنة الأولى في علوم الفضاء، فهو أول من صنف النجوم لمعرفة الوقت، وأعظم أعماله شأناً هي نظرياته في علم الأنواء الذي يعرف حالياً بالأرصاد الجوية، مشيراً إلى أن المجمع سوف يقدم أول إنجاز لغوي ضخم للأمة العربية والإسلامية وهو المعجم الكبير الذي يضم 32 مجلداً صدر منه حتى الآن 11 مجلداً.
ومن جانبه، أوضح د. أيمن فؤاد سيد، رئيس الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، أن التراث هو كل ما خلفه لنا السابقون مكتوباً أو مسموعاً، وأن ما يهمنا هو التراث المكتوب، لافتاً إلى أنه من الخطأ حصر التراث في المتعلق بالدين فقط، بل ينبغي الاهتمام بتراثنا العلمي أيضاً من طب وهندسة وفلك وفيزياء، وأن المكتبات التركية في إسطنبول تحتفظ بعدد كبير من المخطوطات المهمة.
وأعرب عن أسفه بسبب أن المستشرقين ومنذ قرنين من الزمان هم من اهتموا بتحقيق تراثنا العربي، لافتاً إلى أنه أمكن تلافي هذا التقصير على يد عدد من المحققين العرب اعتماداً على الفهارس القديمة الموجودة في إسطنبول وباريس.
وأشار إلى أن التراث العلمي العربي في الطب والفلك والهندسة نقله الغرب للاتينية وطوروه وبنوا به حضارتهم المعاصرة، لافتاً إلى أن العالم التركي فؤاد سزكين أقام معرضاً في لندن في عام 1975 افتتحته ملكة بريطانيا يتضمن مخطوطات تبرز الإنجازات العلمية للمسلمين، وكان من بينها مخطوطة لعالم مسلم، وعلي أساس تلك المخطوطة تمكن عالم بريطاني من صنع الآلة التي تتحرك ذاتياً التي تعد أساس الحضارة المعاصرة.
اللغة العربية لغة العلم
وأوضح د. عبد الستار الحلوجي، عضو المجمع في كلمته، أن اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم، وهي أيضاً لغة العلم، وكانت هي اللغة التي تعد النافذة التي اطلعت عليها أوروبا وترجمت إنجازات المسلمين العلمية الموجودة في المكتبات الكبرى في قرطبة وبيت الحكمة المستنصرية في الأندلس وبيت الحكمة في بغداد ودار العلم في القاهرة للغة اللاتينية، وكانت سبباً لنهضة أوروبا المعاصرة.
وأشار إلى أن الصليبيين في عام 502هـ دمروا مكتبة بن عمار التي كان بها 3 ملايين كتاب، وأحرقوا عشرات الآلاف من المخطوطات، وفي عام 656هـ دمر المغول وأحرقوا مكتبة بيت الحكمة وما فيها من كتب ومخطوطات تقدر بعشرات الآلاف، واسودت مياه نهر الفرات بسبب الكتب المحترقة الملقاة فيه، وكانت هذه الغزوات سبباً في فقد الكثير من نفائس التراث العربي الديني والعلمي.
إلى جانب الصراع بين ملوك الطوائف في الأندلس الذي أدى أيضاً لفقدان العديد من المخطوطات النفيسة، وقيض الله لهذه الأمة علماء عكفوا على عمل الموسوعات العلمية الجامعة لحفظ ما بقي من هذا التراث الحضاري من خلال علم تحقيق المخطوطات في محاولة للوصول للنص الأصلي الذي خرج من تحت يد المؤلف بدون تعليق من جانب المحقق.
وعن معوقات تحقيق التراث، أوضح أن أهم هذه المعوقات هي تلك الموجة الشرسة من العداء للتراث من جانب بعض التيارات العلمانية التي تقلل من شأنه؛ بحجة أنه يكبل خطانا، وأن محاولة إحيائه تعد تخلفاً، كما أن التعليم الجامعي في بعض البلاد العربية يسقط التراث من حسابه باستثناء كلية دار العلوم وبعض أقسام كليات الآداب.
وأضاف بأن من المعوقات أيضاً قصور أدوات حصر المخطوطات العربية وعدم وجود فهارس لها، فالجزائر مثلاً بها آلاف المكتبات ليس بها أي فهرس إلى جانب قصور أدوات الحصر البيلوجرافي التي تحدد ما تم تحقيقه مما يؤدي إلى تكرار العمل، وأن بعض من يعملون بتحقيق التراث تخصصهم العلمي يكون بعيداً أحياناً عن المجال الذي يحققون فيه، فالأطباء مثلاً لا يعرفون شيئاً عن تراث العرب العلمي في مجال الطب وهكذا.
التراث هو ذاكرة الأمة
وأوضح د. الحلوجي أن تحقيق التراث يتطلب ثقافة واسعة وأمانة ودقة من المحقق وخبرة بمصادر التراث العربي، ولهذا لا يُقبل عليه الكثيرون، كما أن الكثير من الجامعات العربية لا تضع تحقيق التراث على أولوياتها ولا تجعله أحد شروط الترقيات العلمية للمدرسين والمعيدين والأساتذة.
وأشار إلى الطموحات المبتغاة في قضية تحقيق التراث، ومنها ضرورة التوعية بأهمية التراث العربي في حدود الاعتدال والإنصاف بدون تقديس أو تهميش، محذراً من أن الأمة التي تدير ظهرها لتراثها كالإنسان الذي يفقد ذاكرته، وأضاف بأنه من الطموحات عدم تجاهل التراث، وأن نأخذ منه المناسب للنشر وتبسيطه في لغة قريبة من القارئ المعاصر والتنسيق بين المؤسسات المعنية بتحقيق التراث لمنع تكرار الجهود.
ومن جانبه، أوضح د. عبدالمنعم مدكور، الأمين العام لمجمع اللغة العربية، أن كتب الفقه وأصوله ومناهجه والتفسير والقراءات والسير وكتب العروض والنقد مجالات لم يكن للعربية عهد بها، وكنت سبباً لاتساع التراث وإقدام شعوب كثيرة في ممن دخلت في الإسلام لتعلم العربية وأوجد نهضة علمية في شتى ميادين العلوم.
وشدد على أن جمع التراث وتحقيقه وإخراجه للأجيال المسلمة مهمة عظمى يجب على شعوبنا ومؤسساتنا أن تقوم بها، ومنها جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، وجامعاتنا ومراكزنا العلمية والأكاديمية.
مشيراً إلى أن د. عبدالعاطي الشرقاوي يعمل على مشروع لحصر المخطوطات في مناطق آسيا الوسطى وغرب أفريقيا بهدف تحقيقها ونشرها، وهو مشروع ضخم ولكنه قليل بسبب ضخامة التراث وكبر حجم المخطوطات.
وحذر من المنادين بإهمال التراث بحجة أنه لا فائدة منه، خاصة التراث الديني، مؤكداً أن من يقف التراث غصة في حلوقهم من المعادين للدين يريدون أن نفقد ذاكرتنا التاريخية ونخرج تماماً من دائرة التقدم ولا نستعيد دورنا الحضاري المفقود.
وطالب جامعاتنا ومؤسساتنا الأكاديمية بوضع ضمن برامجها التعليمية مقرر علمي عن فن تحقيق التراث الديني والعلمي، وأن يكون من شروط الترقيات العلمية تحقيق عدد من المخطوطات، لافتاً إلى أن جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا تعمل على برنامج لتحقيق المخطوطات.