مزيج متضارب من الهلع واللامبالاة والسخرية اتسمت به ردود الأفعال الشعبية في تونس منذ اختراق حدودها من قبل فيروس “كورونا” الجديد، وإعلان أول إصابة بالوباء بالبلاد.
ردود تباين منسوبها منذ إعلان الصين في ديسمبر/ كانون أول الماضي، ظهور الفيروس المستجد لأول مرة، لتبلغ ذروتها عقب الإعلان رسميا، الاثنين، عن تسجيل أول إصابة في تونس، وسط تطمينات رسمية بأن الوضع “تحت السيطرة”.
والاثنين، أعلن وزير الصحة التونسي عبد اللطيف المكي تسجيل أول إصابة بالوباء لتونسي عائد من إيطاليا.
** هلع ولامبالاة وسخرية
سرعة انتشار الوباء واتساع نطاقه ليشمل عشرات البلدان في حيز زمني قصير جعل حالة الخوف في تونس تسبق وصوله، وإن لم تخل ردود الفعل أيضا من لا مبالاة من قبل البعض، فيما واجه البعض الآخر الوضع بالتهكم والسخرية، وفق ما رصدت الأناضول عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
من جانبه، اعتبر الإعلامي التونسي نصر الدين بن حديد، أن “ردود الفعل كانت متباينة بين المبالغة في الخوف والدخول في مرحلة رهاب ولامبالاة شديدة”.
وأضاف بن حديد، في حديث للأناضول، أن “الطبقة الشعبية غير مهتمة كثيرا، لأن الحالات في تونس لم تصل إلى تحول الظاهرة إلى وباء”.
ولفت إلى أن “هناك من يتبع اجرءات صحية مبالغ فيها، مثل ارتداء الكمامة الواقية كامل اليوم”.
أما المسؤول بوزارة الصحة التونسية شكري حمودة، فأكد وجود حالة من الخوف لدى المواطنين من الفيروس، معتبرا أن ذلك “أمر طبيعي”.
إلا أنه أكد، للأناضول، أن “دورهم باعتبارهم كوادر صحية يكمن في طمأنة المواطينن حتى وإن كانت ردود أفعالهم قوية”.
** “تحت السيطرة”
بن حديد عاد ليؤكد أن مقاومة فيروس “كورونا” مرتبط بما نملك من تجهيزات”، معتبرا أن “منظومة الصحة العمومية (الحكومية) في تونس مترهلة، فمنذ التسعينات، لم تعط الدولة أهمية لهذا القطاع”.
وأكد بن حديد أن “التعويل الآن هو على وعي المواطن ومدى إتباعه للإجراءات الوقائية”.
إلا أن المسؤول الصحي حمودة مدير عام الرعاية الصحية الأساسية بوزارة الصحة اعتبر أن الوضع “تحت السيطرة” بخصوص التصدي لفيروس كورونا في تونس.
وقال حمودة إن “الأرقام تؤكد أن الوضع تحت السيطرة، فهناك 1600 شخص تمت مراقبتهم في العزل الذاتي (المنزلي)”.
وأضاف أن “هناك 600 شخص أتموا فترة العزل الذاتي، فيما لا يزال ألف آخرون قيد المراقبة”.
وتابع: “قمنا بـ 100 زيارة ميدانية لأشخاص تكلموا عن عوارض سريرية وأجرينا 50 تحليلا وتبين أن تحليلا واحدا كان ايجابيا”.
ولفت إلى أنه “جرى إيواء المريض الأول في المستشفى في إجراء احترازي للحماية الشخصية للمريض، لأن في بعض البلدان الأخرى تمّ الاعتداء على الحالات الأولى للمرض”.
وأكد حمودة أنه “في المستقبل لن نؤوي في المستشفى إلا الحالات الخطيرة إن وقعت”.
** كورونا في تونس.. تسلسل زمني
بدأ الحديث عن فيروس “كورونا” الجديد في تونس في 03 فبراير/ شباط الماضي، بنفي مصدر صحي، في تصريح لإذاعة محلية خاصة، إصابة سائح صيني يقيم بفندق في مدينة سوسة السياحية ( شرق) بعد خضوعه لفحوصات.
وفي ذات اليوم، نقلت طائرة عسكرية تونسية من الجزائر 10 تونسيين قادمين من مدينة ووهان الصينية التي ضربها فيروس “كورونا الجديد” ووزارة الصحة تخضعهم للحجر الصحي.
وفي 17 فبراير/ شباط الماضي، أعلنت وزارة الصحة عدم تسجيل أي إصابة بكورونا ضمن المعزولين في الحجر الصحي بعد إجلائهم من الصين.
وفي 2 مارس/ آذار الجاري، أعلن وزير الصحة عبد اللطيف المكي تسجيل أول إصابة لمواطن عائد من إيطاليا.
والأربعاء الماضي، أعلن المكي تعليق الرحلات البحرية من ميناء جنوة شمالي ايطاليا إلى تونس، ضمن جهود وزارته لمنع انتشار فيروس “كورونا” المستجد.
وخلال مؤتمر صحفي عقده الأربعاء في مقر الوزارة، أعلن المكي اجراءات جديدة أهمّها، إيقاف الرحلات البحرية القادمة من شمالي إيطاليا مع تشديد الرقابة على باقي الرحلات البحرية.
كما اتخذت الوزارة قرارا بتنظيم المباريات الرياضية الدولية بحضور الجماهير التونسية مع الاكتفاء بالجماهير الرياضية للفريق الضيف التي حلت مسبقا بتونس، في إشارة إلى مقابلة متوقعة بين الترجي الرياضي التونسي ونادي الزمالك المصري الجمعة.
ودعا الوزير إلى تقليص البعثات الطلابية إلّا للضرورة القصوى والتّظاهرات الجماعيّة.
وأكد المكي التزام وزارته بتكثيف الحملات الإعلامية والتوعوية، سواء حول مفهوم الحجر الصحي أو طرق الوقاية من انتقال الفيروس.
** إيطاليا
وبخصوص مخاطر تفشي المرض من خارج البلاد، وخصوصا من إيطاليا، قال المسؤول الصحي التونسي شكري حمودة، إن “الحالة الأولى المسجلة جاءت على متن باخرة قادمة من ميناء جنوة شمالي البلد الأوروبي، ولذلك أوقفنا رحلات البواخر القادمة منهناك”.
وأضاف حمودة: “نتعامل بتريث مع مسألة غلق الحدود، لأنه عند اتخاذ قرارات إيقاف الرحلات، هناك العديد من الجوانب التي لابد وأن تؤخذ بعين الاعتبار”.
من ناحيته، اعتبر الإعلامي بن حديد أن “قرار غلق الحدود مع إيطاليا قد يكون صائبا على المستوى الصحي، ولكنه سيكون مغامرة كبيرة بالنسبة لتونس على المستوى الاقتصادي، وسمعة البلاد في الخارج علما وأن تونس تعتمد على مداخيل السياحة بشكل أساسي”.
وأضاف: “أي انتشار للوباء بشكل كبير، أو أي إجراءات حمائية مبالغ فيها قد يقود إلى تراجع السياحة وبلوغها نسبة الصفر، وهذا ما تعتبره السلطات التونسية خطر لا يقل عن وباء كورونا، وهي محقة في ذلك”.
وحذر من أن “إظهار الخوف المبالغ فيه يعكس صورة سيئة عن تونس”.