صوّره الكاتب الكبير الراحل نجيب الكيلاني في روايته الرائعة “رحلة إلى الله”. فأبرز وحشيته التي طالت عظماء مصر من الدعاة والكتاب والمثقفين الحقيقيين والمجاهدين الذين حاربوا في فلسطين وأنقذوا جمال عبد الناصر وهو محاصر في الفالوجة. كان الضابط المتوحش شمس بدران يقوم بتجويع الكلاب الضارية ثم يطلقها على المعتقلين الإسلاميين، ويحضر النساء المسلمات مجردات من ملابسهن ليطفئ في مواطن العفة أعقاب السجاير، ناهيك عن استخدام كل أنواع التعذيب التي عُرفت قديما وحديثا، مما تحدث عنه كثيرون في مقدمتهم الشيخ عبد الحميد كشك والشيخ يوسف القرضاوي، والأستاذ جابر رزق. وفي الوقت نفسه كان الطاغية عب الناصر يستمتع بمشاهد التعذيب التي يقوم بها الجلاد الأعظم وملك التعذيب عن طريق دائرة تلفزيونية.
طرح نجيب الكيلاني تهافت شخصية شمس بدران المعبأة بمركبات النقص والضعف أمام فتاة بسيطة أراد أن يتزوجها، فأذلته بشخصيتها القوية المستقيمة، وجعلته عبرة لكل جبار ظلوم!
شمس الدين بدران (1929- 2020م) “توفي يوم 30نوفمبر” ، كان من شيعة عبد الحكيم عامر، ويقال إن عبدالناصر كان يستخدمه عينا على صديقه الحميم، ولذا رشحه رئيسا للجمهورية بعد الهزيمة حين أعلن الطاغية المهزوم استقالته، وكان قد اختاره وزيرا للحربية قبيل الهزيمة، وبعثه إلى موسكو ليكسب الدعم السوفياتي في الحرب ضد العدو، فنقل عن رئيس الوزراء “كوسيجين” كلاما غير صحيح، فحواه أن موسكو ستمدّ القاهرة بالسلاح والعتاد وستحارب إلى جانبها مما ورّط مصر في حرب انتهت بهزيمة غير مسبوقة في التاريخ، وظهر أن هذا الكلام غير صحيح وكذّبه السوفيات. وقد حوكم شمس مع آخرين من قادة القوات المسلحة المصرية، لكنه هرب قي أثناء المحاكمات 1968م، بجواز سفر دبلوماسي إلى لندن حيث قضى بقية حياته إلى أن ذهب إلى العدالة الإلهية عن عمر يناهز 91 عاما.
كان شمس أخطبوطا كبيرا، استطاع الهيمنة على مراكز القرار والتأثير أو كما كان يسمى من “مراكز القوى”، ولذا استطاع الخروج من مصر آمنا، ومعه أمواله، واستطاع أن يعيش قرابة نصف قرن في جنوب انجلترا، وقيل إن خروجه كان مقابل صفقة سياسية مع المسئولين. وفي لندن عاش مع الرعب والقلق خشية من اغتياله أو تصفيته كما جرى لزميله “على شفيق” مدير مكتب عبد الحكيم عامر الذي قيل إنه قُتل بسبب الخلاف على صفقة سلاح مع شركاء آخرين لأحد أطراف الحرب الأهلية في لبنان، ووجد في بيته عقب مقتله نحو مليون جنيه استرليني سائلة!
حاولت بعض الجهات الصحفية أن تستكتبه مذكراته فبيل وفاته بنحو عشر سنوات، وقيل إنه سجل نحو ست وثلاثين ساعة على شرائط، ولكن جهة أخرى تدخلت لمنع نشرها صحفيا وتلفزيونيا، وتناثرت أقوال عديدة عن فحواها، ولكن لا أحد من عامة الناس يعلم الحقيقة. .
شمس بدران رمز للحاكم العسكري الذي يفشل في أداء واجبه العسكري، وينشغل بالسياسة، فلا يجيدها، ويعبر عن شيطانيته بتعذيب الأبرياء وأبناء الوطن الفضلاء، ويترك جيشه يعود في مشهد تاريخي مخزٍ وبائس، ويسلم دباباته وسلاحه سليما دون استخدام، بعد أن سمح للعدو أن يدمر معظم طائراته على الأرض، ويهرع إلى ضفة القناة حافيا بملابسه الداخلية التي سمح له العدو بها!
الطغاة الظالمون يظنون أنهم سيعيشون إلى الأبد، وأنهم في مأمن من العقاب، ولكن يد الله فوق أيديهم!