تستقبل تونس العام 2021 بموجة من الإضرابات العامة في عدد من المحافظات كمرحلة أولى بزعم الاحتجاج على تعطّل مشاريع التنمية في هذه المحافظات، في الوقت الذي يقدم فيه “الاتحاد العام التونسي للشغل” مبادرة للخروج من الأزمة التي تعيشها تونس على مستويات عديدة لا سيما الاقتصادية والاجتماعية، وهي الإستراتيجية المتبعة من قبل الاتحاد منذ الثورة وحتى الآن، وهي التواصل مع السلط بهدف المشاركة في رسم السياسات، دون تحمل المسؤوليات، وفي الوقت نفسه تبني المطالب الاجتماعية للمواطنين دون أن يكون مطالباً بتحقيقها، وهو تطبيق للمثل القائل: السلطة غنيمة والمعارضة زعامة وعدم تحمل المسؤولية استمرار للدور وحفظ للنفوذ.
وقد واجه موقف الاتحاد بجملة من الانتقادات الحادة وجهها عدد من وجود المجتمع المدني.
ناشطون: اتحاد الشغل يلعب على حبلي النفوذ السياسي والاجتماعي
شهر الإضرابات
مثَّل يناير في تاريخ تونس شهر الإضرابات، بلغت أوجها في 3 محطات رئيسة؛ هي: 26 يناير 1978 عندما اصطدم الاتحاد مع السلطة في عهد الحبيب عاشور، ونتج عن ذلك تصفية الاتحاد، ثم ما عرف بثورة الخبز في 3 يناير 1984، ثم ثورة الحرية والكرامة في 11 يناير 2011، 3 محطات رئيسة في تاريخ تونس حصلت جميعاً في يناير.
وفي مستهل هذا العام الجديد، أعلنت الاتحادات الجهوية بمحافظات سليانة، القصرين، بالشمال الغربي التونسي، توزر وقفصة، بالجنوب التونسي، تنفيذ إضرابات عامة محلية خلال يناير 2021، تحت عنوان “تأزم الوضع التنموي بهذه الجهات”، كما لو كانت الإضرابات حلاً لتلك المشكلات.
وبناء على ذلك، ستشهد محافظة قفصة (جنوب) إضراباً عاماً يوم 7 يناير الجاري، حسب بلاغ لفرع الاتحاد العام التونسي للشغل، بالجهة، على ما وصفه بمماطلة الحكومة في تنفيذ مخرجات المجلسين الوزاريين لسنتي 2015 و2019، محملاً إياها مسؤولية الاحتقان الاجتماعي بالجهة.
وتمسك البيان بضرورة تنفيذ كل المشاريع المعلن عنها في المجلسين الوزاريين المذكورين وفق رزنامة مضبوطة ببداية ونهاية إنجاز كل مشروع، خاصة منها المتعلقة بالقطاع الصحي والتوظيف.
وفي محافظة توز (جنوب)، لوّحت الهيئة الإدارية للاتحاد الجهوي للشغل بالإضراب العام الجهوي في غضون الأسابيع المقبلة، بسبب ما تقول تأزم الوضع التنموي بالجهة، وعدم برمجة جلسة وزارية في الغرض.
وسيتم، وفق بلاغ في هذا الصدد تحديد موعد الإضراب بالتنسيق مع الاتحاد الجهوي للفلاحة، والاتحاد الجهوي للصناعات والتجارة والصناعات التقليدية، والهيئة الجهوية للمحامين، وفرع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان.
الدهماني: كبّت البلاد على وجهها بهذه الطريقة
موعد 26 يناير
وفي القصرين، أقرّت الهيئة الإدارية للاتحاد الجهوي للشغل إضراباً عاماً بالجهة يوم 26 يناير الجاري، وجاء هذا القرار لمطالبة الحكومة بفرض سياسة تنموية عادلة للجهة وعقد مجلس وزاري تنموي للنهوض بولاية القصرين بعد سلسلة من الاحتجاجات.
محافظة أخرى ستكون على موعد مع إضراب عام هي محافظة سليانة، وخصّص لها يوم 28 يناير الجاري لتنفيذ الإضراب، ليس ذلك فحسب، بل أعلن الاتحاد الجهوي للشغل بسليانة أن هذا الإضراب سيتبع بإضراب عام بيومين ثم ثلاثة أيام، وسيقوم المكتب التنفيذي بتحديد تواريخها في حال عدم استجابة السلط لمطالب الجهة.
انتقادات حادة للإضرابات
في الوقت الذي لم ترد فيه الحكومة على إعلان الإضرابات على أمل أن يتم إلغاؤها كما حصل مع كثير من الإضرابات بعد اتفاق مع الجهات التي تقف وراءها، وجه نشطاء ومحللون انتقادات شديدة للاتحاد العام التونسي للشغل، واتهموه بالابتزاز والسمسرة.
وقال نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي: إن قيادات الاتحاد توظّف أبناءها في المؤسسات العمومية وبرتب أعلى بكثير من مؤهلاتهم الدراسية والمهنية، ويقودون العاطلين عن العمل في المظاهرات، كما تحدث بعضهم عن فساد في الاتحاد وصل إلى حد وقف أمين عام جهوي في تطاوين (جنوب) عن العمل لابتزازه المؤسسات والشركات في الجهة (المال مقابل وقف الإضرابات)، وهي قضية يعرفها القاصي والداني ويتداولها الرأي العام في تونس ووسائل الإعلام، ويقولون: إنها ليست حالة معزولة، ويقول النشطاء: هذه الإضرابات ستكلف الاقتصاد التونسي تكاليف باهظة وأموالاً طائلة في ظل الصعوبات المالية التي تمر بها تونس التي تعززت بالشلل الذي أحدثه فيروس كورونا في القطاع السياحي وغيره.
الهاني: الاتحاد مسؤول عن تعطيل المشاريع التي يحتج على عدم إنجازها
ليس بالإضرابات
وانتقدت المحامية والإعلامية سنية الدهماني هذه القرارات قائلة: إن الحديث عن إضرابات يشنها اتحاد الشغل في 4 محافظات مؤشر على أن البلاد كبّت على وجهها.
وتابعت: لا مجال لإضرابات جديدة، والسياسيون هم من يتحملون تبعات ما يحصل من ابتزاز وإضعاف الدولة.
وأردفت: من يريد تحقيق نقلة اقتصادية لا يكون بالإضرابات وإنما بالعمل الجاد، وأضافت: نحن نتحمل استهتار بعض النقابيين وسكوت المركزية النقابية على تجاوزاتهم.
تهديد المسار الديمقراطي
من جهته، وجه الإعلامي المعروف زياد الهاني انتقادات شديدة للاتحاد العام التونسي للشغل على خلفية الإضرابات التي أعلن عنها في 4 محافظات بزعم الاحتجاج على غياب التنمية، ووصف الاتحاد بأنه أكبر منظمة مزايدات، قائلاً: اتحاد الشغل أكبر منظمة مزايدات لإرباك البلاد وتهديد المسار الديمقراطي.
وأكد أن هناك أطرافاً سياسية تسعى لإسقاط البلاد وهمها الوحيد الوصول إلى السلطة عبر الإضرابات في البلاد، مستشهداً بقرار الإضراب في قفصة على خلفية عدم التزام الحكومة بمقررات تم التوقيع عليها بخصوص شركة فسفاط قفصة.
وقال الهاني، في تصريح تلفزيوني: اتحاد الشغل فالح في الإضرابات للمطالبة بتنفيذ قرارات هو من ساهم في تعطيلها بمنع الإنتاجية.
وأضاف مخاطباً اتحاد الشغل: من أين ستأتي الحكومة بأموال وأنتم تعطلون الإنتاج بالحق وبالباطل؟
ويذكر ناشطون أن اتحاد الشغل قدم للرئيس التونسي قيس سعيّد، ولرئيس البرلمان راشد الغنوشي مبادرة حوار وطني، وكان بإمكانه تضمينها مسألة التنمية في الأقاليم للخروج من أزمة البلاد اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وليس اللعب على الحبلين المتمثلين في النفوذ السياسي (المبادرة)، والنفوذ الاجتماعي (الإضرابات).