خلفت أزمة كوفيد-19 العديد من الأزمات الاقتصادية الحادة عالميا، لكن الدول النامية تملك فرصا حقيقية للنهوض خلال الفترة القادمة.
وفي مقال بصحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية (New York Times) يرى الخبير الاقتصادي روشير شارما أنه بالرغم من تراجع التصنيع والصادرات على مستوى عالمي خلال الفترة الماضية بسبب جائحة كورونا، فإن التحولات التي سببها الوباء، على غرار تسارع الثورة الرقمية وتبني برامج الإصلاح الاقتصادي وارتفاع أسعار السلع الأساسية، توفر ظروفا ملائمة لانتعاش عدد من الاقتصادات الناشئة.
مؤشرات واعدة
شهد القرن 21 نموا اقتصاديا لافتا للأسواق الناشئة التي تضاعفت حصتها في الاقتصاد العالمي لتبلغ تقريبا 35%، وبحلول عام 2007، لحقت 107 -من بين 110 اقتصادات نامية- بالولايات المتحدة في متوسط الدخل حسب مؤشر رأس المال البشري لجامعتي كاليفورنيا وغرونينغن؛ الأمر الذي ساعد الملايين على الخروج من دائرة الفقر. وقد أدت أزمة 2008 إلى ركود الاقتصادات النامية وتراجع حصتها في الاقتصاد العالمي، وقد تراجع نصفها في متوسط الدخل مقارنة بالولايات المتحدة حسب المؤشر نفسه. ومثل هذا التراجع، يعتبر عاديا -كما يقول الكاتب- ولا يدعو للقلق، لأن الدول النامية يمكن أن تحقق معدلات نمو جيدة لعقد أو عقدين، ثم تعود إلى نقطة البداية بسبب الأزمات الاقتصادية العالمية. ويرى أن هناك مؤشرات واعدة على أن هذه الدول تستطيع أن تخرج من الأزمة الحالية بالكثير من المكاسب.
الثورة الرقمية
أدت أزمة كورونا إلى الاعتماد بشكل متزايد على التكنولوجيا الرقمية، وذلك يمكن أن يفيد الاقتصادات النامية بشكل مستدام؛ فهذه الدول تبدو أقل ارتباطا بـ”البنية التحتية القديمة” وباتت تعتمد على التكنولوجيا اللاسلكية بشكل أسرع من البلدان المتقدمة.
ورغم مشاكل الصناعات القديمة التي تديرها الحكومات؛ فإن دولة مثل الصين تحقق معدلات نمو أسرع من الولايات المتحدة، كما استطاعت أن تحافظ على متوسط الدخل بفضل الاعتماد المتسارع على الاقتصاد غير النقدي. ويرجح الكاتب أن تلعب الثورة الرقمية دورا كبيرا في دفع عجلة نمو الاقتصادات الناشئة خلال الفترة القادمة .
الإصلاحات الاقتصادية
عملت الولايات المتحدة وعدد من الدول المتقدمة الأخرى على معالجة أزمة كورونا بزيادة الإنفاق الحكومي، وهو ما قد يؤثر سلبا على معدلات النمو مستقبلا.
أما الدول النامية -التي لا تملك قدرات كبيرة على الإنفاق من أجل دعم الاقتصاد- فإنها اعتمدت على بعض الإجراءات والإصلاحات التي يُنتظر أن تعزز الإنتاجية وترفع معدلات النمو رغم أنها لا تحظى في الغالب بتأييد شعبي.
وضمن هذا التوجه، قامت الهند بسن قوانين جديدة تهدف إلى تشجيع الاستثمارات الخاصة بقطاع الزراعة، وتعمل إندونيسيا على خفض الضرائب وتفكيك منظومة الروتين الإداري بهدف تحفيز الاستثمار وإيجاد المزيد من الوظائف، كما تمضي البرازيل قدما في خططها لتقليص معاشات التقاعد التي تشكل عبئا كبيرا على الدولة، وتقوم السعودية بإصلاح قوانين الهجرة لفتح المنافسة في سوق العمل.
الصناعات التصديرية
الاعتماد الكلي على صادرات السلع الأساسية، مثل النفط والمعادن والمنتجات الزراعية، يحول دون تحقيق معدلات نمو كبيرة في عدد من الدول الناشئة، وعدم وصول الدخل الفردي إلى مستويات الدول المتقدمة.
ولكن في الفترات التي تشهد ارتفاع أسعار السلع الأساسية، وهو الشيء المتوقع خلال العقد القادم، فإن ذلك من شأنه أن يراكم الثروات في عدد من الأسواق الناشئة مثل البرازيل وروسيا والسعودية.
كما أن دولا نامية أخرى استطاعت أن تستثمر بنجاح في الصناعات التحويلية، ومنها بولندا التي تحتضن شركات متعددة الجنسيات متخصصة في صناعة السيارات والتجهيزات الكهربائية وغيرها من السلع.
وهناك تحول مماثل في فيتنام التي تستثمر في عدد من الصناعات الجديدة وتعمل على تنفيذ برامج للقضاء على الفقر.
وإذا كان قلة من الدول فقط قادرة على تحقيق الربح من الصناعات التصديرية، فإن العديد من البلدان النامية الأخرى لديها الفرصة في تحقيق الازدهار عبر برامج الإصلاح الاقتصادي، أو الانتعاش المحتمل في أسعار السلع الأساسية، أو الاعتماد على الثورة الرقمية المتسارعة.