شهد اللاجئ الروهنجي أنصار حسين أحداثاً مروعة جعلت التوتر والقلق يسكنان قلبه، لكن وجهه أصبح ينضح بالهدوء والسلام بعدما وجد ملاذاً آمناً بجزيرة نائية في بنغلاديش، بعيداً عن حملات الاضطهاد في بلده ميانمار.
فقبل 3 سنوات ونصف سنة، فر نحو 860 ألف من أقلية الروهنجيا المسلمة من حملة عسكرية وحشية أطلقها جيش ميانمار ومليشيات بوذية متطرفة في ولاية راخين (آراكان) غربي البلاد، ووصفتها الأمم المتحدة والولايات المتحدة آنذاك بأنها “تطهير عرقي”.
وانضم هؤلاء اللاجئون إلى لاجئين روهنجيا كانوا موجودين بالفعل في الجارة بنغلاديش، مما جعل مخيمات مدينة “كوكس بازار” البنغالية أكبر تجمع للاجئين في العالم.
حسين واحد من 1804 لاجئين روهنجيين تم نقلهم من مخيم “كوكس بازار” إلى جزيرة “بهاسان شار” المنعزلة، في 29 ديسمبر 2020.
مخاوف كبيرة ومعارضة دولية لأسباب تتعلق بالأمن والسلامة في الجزيرة على خلفية تحذيرات من أنها معرضة لكوارث طبيعية
فقد ترك حسين أكبر مخيم للاجئين في العالم، الذي كان يتمتع بإشراف عشرات الوكالات الإغاثية الدولية والمنظمات غير الحكومية، وهاجر إلى جزيرة يأمل أن يعيش فيها حياة أفضل من تلك الموجودة في المخيمات المكتظة.
لدى وداعه رفاقه في المخيمات -هي وطن لأكثر من مليون و100 ألف روهنجي بلا وطن ولا جنسية- تشبث حسين بوعود السلطات البنغالية بأنهم سيعيشون حياة أفضل وأكثر أمناً، مع فرص لكسب العيش على الجزيرة.
لكن مشاعر القلق والتوتر باتت تتزايد لدى حسين وبقية اللاجئين في الجزيرة النائية؛ بسبب القيود المفروضة عليهم.
ونقلت بنغلاديش حوالي 7 آلاف من الروهنجيا على 4 مراحل، كجزء من خطتها لنقل 100 ألف إلى الجزيرة، الواقعة في خليج البنغال على بعد حوالي 50 كيلومتراً من الساحل الجنوبي الغربي للبلد الآسيوي، التي لا يمكن الوصول إليها إلا عن طريق القوارب.
وبدأت عمليات نقل اللاجئين وسط مخاوف كبيرة ومعارضة من المجتمع الدولي لأسباب تتعلق بالأمن والسلامة في الجزيرة، على خلفية تحذيرات من أنها معرضة للكوارث الطبيعية وغير قابلة للسكن.
غير أن حسين والبقية على الجزيرة يشعرون حالياً بالرضا إلى حد ما، بعدما بدأت حكومة بنغلاديش تنفيذ برامج لكسب العيش من أجلهم.
الحكومة البنغالية بدأت برامج لتدريب اللاجئين في الجزيرة على الزراعة وتربية الدواجن والماشية وصيد السمك وصناعات صغيرة
مشروع ضخم للتدريب
بوجود نحو 400 روهنجي، بدأت السلطات البنغالية، الأربعاء، مشروعاً ضخماً للتدريب والتوعية في الجزيرة، البالغ عمرها 25 عاماً، ولم تكن مأهولة من قبل بالسكان.
من خلال المشروع، يتم تدريب اللاجئين في الجزيرة على الزراعة وتربية الدواجن ورعاية الأبقار وصيد السمك والحياكة، وغيرها من سبل العيش المنزلية الصغيرة والمتوسطة.
وقال حسين لـ”الأناضول”: “السلطات البنغالية أكدت لنا أنها ستوفر بذور زراعية لزرع الأراضي القريبة من منازلنا الخرسانية”.
فيما قال العميد البحري عبدالله المأمون شودري، مدير مشروع إعادة توطين الروهنجيا، لـ”الأناضول”: إن “مجلس التنمية الريفية البنغالي الذي تديره الحكومة بدأ المشروع كجزء من التزام حكومتنا بخلق فرص لكسب العيش في الجزيرة النائية”.
ومن أجل اللاجئين، طورت بنغلاديش مشروع إعادة التوطين بإنفاق أكثر من 350 مليون دولار من مواردها المحلية على 13 ألف فدان من الأراضي، وبناء 120 ملجأ متعدد الطوابق ضد الأعاصير، و1400 منزل كبير على ارتفاع 4 أقدام فوق الأرض، إضافة إلى كتل خرسانية في الجزيرة.
وعن مشروع التدريب، الذي يعتبر فرصة للحفاظ على أمل الروهنجيا في الحياة بالجزيرة، قال المدير العام لمجلس التنمية الريفية البنغالي سوبريا كومار كوندو: إن “الحكومة أمرتنا بالعمل على تطوير حياة ومصدر رزق الروهنجيا عديمي الجنسية في الجزيرة”.
وأضاف كوندو، خلال حديثه لحشد من اللاجئين في الجزيرة: “طورنا نموذجاً تدريبياً من أجلكم، وكجزء من التدريب الضخم، نظمنا تدريباً وتوجيها لمدة 5 أيام”.
وأفاد بأن 5 مصادر لكسب الرزق ستكون أولويات التدريب، وهي الزراعة، وتربية الدواجن، والماشية، وصيد السمك، وصناعات صغيرة.
وأوضح أن هذا التدريب الأولي سيُتاح لكل من “الذكور والإناث القادرين” من جميع عائلات الروهنجيا في الجزيرة، وسيتم لاحقاً تنظيم تدريب متعمق قائم على المهارات.
حقوقي يعرب عن تقديره لجهود بنغلاديش من أجل الروهنجيا على الجزيرة لكنه قلق من احتمال أن تؤخر تلك الخطوة عودة اللاجئين إلى وطنهم
العودة إلى الوطن
وقال محمد فاروق، وهو لاجئ آخر في الجزيرة: إنه بعد إعلان الأربعاء بشأن البرامج التدريبية، تصاعدت أحلامهم لعيش حياة كريمة في ملجأهم الجديد.
وتابع قائلاً لـ”الأناضول”: “حتى نعود سالمين إلى وطننا في ميانمار، نريد أن نعمل ونكسب بجهدنا لتوفير الطعام للعائلات”.
وأشاد خين ماونغ، المدير التنفيذي لجمعية “شباب الروهنجيا”، وهي حقوقية مقرها في بنغلاديش، بمبادرة الحكومة البنغالية لتوفير سبل كسب العيش للاجئين في الجزيرة النائية.
لكنه أعرب، في حديث مع “الأناضول”، عن مخاوفه بشأن احتمال أن تساهم تلك الخطوة في تأخير عودة الروهنجيا إلى وطنهم في إقليم آراكان بميانمار.
وتابع ماونغ أن “ميانمار لا تُظهر أي علامة إيجابية حتى الآن بشأن حرصها على إعادة مواطنيها، وفي هذه الأثناء، تمت إضافة أكثر من 50 ألف طفل حديثي الولادة معنا”.
وشدد على أهمية توفير دعم دولي للحكومة البنغالية، قائلاً: “إذا لم تتعاون المجتمعات الدولية مع حكومة بنغلاديش لمساعدة الناس في الجزيرة، فماذا ستكون النتيجة النهائية بالنسبة لنا؟”.
وربما يزيد من الصعوبات أمام عودة الروهنجيا إلى وطنهم، ما شهدته ميانمار، الإثنين، من انقلاب عسكري من شأنه الإطاحة بالديمقراطية وبحقوق مسلمي الروهنجيا، بحسب مراقبين.
ويُعرف قائد الانقلاب، قائد الجيش الجنرال مين أونغ هلينغ، الذي تسلم مقاليد السلطة الإثنين، بأنه متهم بارتكاب “فظائع” ضد مسلمي الروهنجيا، وهو مُدرج على قائمة العقوبات الأمريكية منذ ديسمبر 2019، على خلفية انتهاكات جسيمة ضد الروهنجيا في الدولة ذات الغالبية البوذية.