عادت ذاكرة الفلسطيني جمعة الغول، من سكان مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، إلى الأول من أغسطس 2014، حيث ارتكب جيش الاحتلال الصهيوني آنذاك مجزرة بحقّ عائلته، راح ضحيتها 9 أفراد.
ويقول الغول (39 عاماً): إن الجيش “الإسرائيلي” استهدف آنذاك المنزل دون سابق إنذار، فيما كان الجميع غارقاً في النوم.
ومنذ قرار “المحكمة الجنائية الدولية” القاضي بوقوع الأراضي المحتلّة منذ عام 1967 ضمن اختصاصها القضائيّ الذي أصدرته بداية فبراير الماضي، يأمل الغول أن يتم إنصاف الضحايا، ومعاقبة “الجناة” الذي تسببوا بالمآسي والويلات للأبرياء العزل.
وكانت فلسطين قدّمت عام 2018، طلب إحالة إلى “الجنائية الدولية” لملف جرائم “إسرائيلية” تضمن ثلاث قضايا، وهي: الاستيطان، والأسرى، والعدوان على غزة بما فيه انتهاكات “مسيرة العودة وكسر الحصار” الحدودية.
ويضيف الغول مسترجعاً ذكريات ذلك اليوم الدامي: “كنا في تلك اللحظات نأمل أن نستيقظ على خبر وقف إطلاق النار، إلا أن صاروخاً مباغتاً من طائرة حربية، قتل تلك الآمال وبددّها”.
ولم ينجُ من هذه المجزرة، وفق الغول، إلا شقيقه أحمد، ونجله (إبراهيم) الذي كان بعمر 23 يوماً.
وأردف: استشهد في الغارة والدي إسماعيل (64 عاماً)، وأمي خضرة الغول (64 عاماً)، وشقيقي وائل وأبناؤه الثلاثة جميعهم أطفال؛ إسماعيل (10 أعوام) وملك (4 أعوام) ومصطفى (23 يوماً)، كما استشهد أشقائي محمد (33 عاماً)، وهنادي (27 عاماً) وأسماء (21 عاماً).
وقال: إن هذا الحدث كان مفاجئاً وصادماً، متسائلاً: ما ذنب الأطفال كي يُقتلوا، ومن يتحمّل هذه المسؤولية؟
وطالب الغول بضرورة إصدار المحكمة الجنائية لقرار بدء التحقيق في هذه الجرائم، وغيرها العشرات من الجرائم المماثلة، التي راح ضحيتها مدنيون فلسطينيون.
وأشار إلى أن هذا التحقيق كان من المفترض أن يبدأ بعد وقوع الحادث مباشرة، معرباً عن أمله في أن تسعى المحكمة الجنائية لإنصافه وبقية الفلسطينيين.
كما دعا الغول السلطة الفلسطينية إلى استثمار قرار المحكمة الأخير، ورفع كافة ملفات الجرائم “الإسرائيلية”، وبذل الجهد لمحاسبة مجرمي الحرب.
وفي 8 يوليو 2014، بدأ جيش الاحتلال في شن حرب على قطاع غزة، استمرت لمدة 51 يوماً.
وأدت الحرب إلى استشهاد 2322 فلسطينياً، بينهم 578 طفلاً، و489 امرأة، و102 مسن، وفق إحصاء رسمي صدر عن وزارة الصحة الفلسطينية.
كما تسببت بإصابة نحو 11 ألفاً، منهم 302 سيدة، بينهنّ 100 يعانين إعاقة دائمة، كما أصيب 3303 من بين الجرحى بإعاقة دائمة، وفق الإحصاء.
كما ارتكب الجيش خلال الحرب، نحو 144 مجزرة بحق عشرات العائلات في أنحاء متفرقة من القطاع، وفق اللجنة العربية لحقوق الإنسان (منظمة إقليمية).
ضحايا “مسيرات العودة”
وتُعد انتهاكات الاحتلال التي ارتكبت ضد “مسيرات العودة”، من القضايا التي من المفترض أن تحقق بها المحكمة الجنائية، في حال مضت في فتح التحقيق.
وبدأت المسيرات التي انطلقت للتنديد بالحصار المفروض على قطاع غزة، بتاريخ 30 مارس 2018، واستمرت على مدار واحدٍ وعشرين شهراً.
وبحسب إحصاءات حقوقية، قتلت دولة الاحتلال 215 فلسطينياً خلال مشاركتهم في المسيرات، بينهم 15 شهيداً (منهم طفلان) تُواصل احتجاز جثامينهم وتمنع تسليمها لذويهم.
وقال مركز الميزان لحقوق الإنسان، في بيانٍ سابق: إن من بين الشهداء 47 طفلاً، وسيدتين، و4 مسعفين، إلى جانب صحفيين اثنين، و9 من ذوي الإعاقة.
وأضاف المركز أن 19173 فلسطينياً أصيبوا برصاص جيش الاحتلال خلال المسيرات، من بينهم 4987 طفلاً، و864 سيدة.
ومن أبرز المجازر التي ارتكبتها “تل أبيب” إبان “مسيرات العودة” ما حدث يوم 14 مايو 2018، حين قتل جيش الاحتلال نحو 61 فلسطينياً من المدنيين المتظاهرين سلمياً.
كما أصيب في ذلك اليوم حوالي 2771 فلسطينياً، منهم أكثر من 1100 بالرصاص الحي، وفق تقرير إحصائي تابع لمركز المعلومات الفلسطيني بـ”وكالة الأنباء الفلسطينية” الرسمية (وفا).
ويقول محمد الأخرس (33 عاماً): إنه فقدَ ساقه اليُسرى، جرّاء إصابته برصاص الاحتلال، خلال مشاركته بمسيرة العودة، قرب الحدود الشرقية لمدينة رفح، في 8 مايو 2018.
ويضيف لوكالة “الأناضول” أنه أُصيب، خلال مشاركته في مسيرة سلميّة، برصاص مُتفجّر؛ ما أدى لبتر ساقه.
ومنذ ذلك الوقت، يعيش الأخرس بقدم واحدة، فيما لم يحصل حتّى اللحظة على طرف اصطناعيّ، الأمر الذي يفاقم من معاناته، كما قال.
وتساءل عن الخطر الذي كان يشكّله كي يتم استهدافه بالرصاص، متابعاً: هل العَلَم الفلسطيني الذي كنت أحمله كان يهدد الجيش “الإسرائيلي”؟ أنا شاركت في هذه المسيرة للمطالبة بالحقوق ليس أكثر.
ويشعر الأخرس بالتفاؤل حيال قرار المحكمة الأخير، داعياً إياها بضرورة “إنصاف الفلسطينيين ومحاسبة المجرمين “الإسرائيليين” الذين ارتكبوا جرائم بحقهم”.