قتل 19 مدنياً وأصيب 3 آخرين بجروح بالغة، إثر انفجار لغمين بسيارتين الأحد الماضي، كانت تقلهم وهم متجهون نحو البادية السورية، حيث كانوا يسعون وراء ثمرة “الكمأة” التي تشتهر بها البادية بهدف الاتجار بها، حيث يرتفع الطلب عليها في فصل الربيع وبداية الصيف وترتفع أثمانها في السوق المحلية.
وفي تصريح لمدير مستشفى مدينة سلمية الوطني، التابع لمحافظة حماة وسط سورية، قال ناصح عيسى: إن 14 جثة تعود لمدنيين وصلت إلى المستشفى، بالإضافة إلى ثلاث إصابات أخرى، عقب انفجار ألغام في منطقة وادي العذيب بريف سلمية الشرقي.
وأضاف أن لغماً آخر انفجر بسيارة أخرى بالقرب من المنطقة نفسها، ما أدى إلى مقتل 5 أشخاص آخرين.
وتحدث عيسى في تصريحه الذي أدلى به لوسائل إعلام نظام الأسد، عن أن الألغام تحصد أرواح العشرات من السوريين شهرياً، مشيراً إلى مقتل 5 فتيات، وجرح 11 شخصاً في 27 فبراير الماضي، بانفجار لغم مضاد للآليات بسيارة تقل عمالاً لجمع “الكمأة” قرب منطقة رسم الأحمر بناحية السعن في ريف سلمية الشمالي الشرقي.
الحصاد المر
الشبكة السورية لحقوق الإنسان رسمت في تقريرها الشهري صورة قاتمة عن الكوارث التي تسببها الألغام في العديد من المحافظات السورية، وأشارت إلى أن حصيلة ضحايا الألغام منذ مطلع العام الجاري بلغت 34 مدنياً، بينهم 22 طفلاً، قضوا في مناطق عدة من سورية.
وأشارت إلى أن الألغام قتلت نحو 2600 مدني، بينهم 598 طفلاً، و267 سيدة، و8 من الكوادر الطبية، و6 من كوادر الدفاع المدني، و9 من الكوادر الإعلامية، عبر المئات من حوادث انفجار الألغام في مختلف المحافظات السورية منذ مارس 2011م.
وطبقاً لتقرير الشبكة، فإن أغلب ضحايا الألغام سقطوا في محافظتي حلب والرقة، إذ بلغت نسبة حصيلة الضحايا في المحافظتين قرابة 51%، من مجمل ضحايا الألغام، أي أن نصف الضحايا سقطوا في هاتين المحافظتين، تليهما محافظة دير الزور بنسبة تقارب الـ16%، ثم درعا بنحو 9%، ثم حماة بنسبة 7%، ثم بقية المحافظات.
وبحسب الشبكة، فإن هذه الأرقام من القتلى تعد “مؤشراً على عدم قيام أي من القوى المسيطرة على الأرض ببذل أي جهود تذكر في عملية إزالة الألغام، أو محاولة الكشف عن أماكنها وتسويرها وتحذير السكان المحليين منها”.
وخلصت الشبكة؛ وهي عضو في الحملة الدولية لحظر الألغام الأرضية وتحالف الذخائر العنقودية في تقريرها، إلى أن سورية باتت من أسوأ دول العالم في كمية الألغام المزروعة منذ عام 2011م، رغم حظر القانون الدولي استخدامها.
ووفقاً للتقرير، فإن أطراف النزاع في سورية قد استخدمت الألغام على مدى 10 سنوات على الرغم من الحظر الدولي على استخدامها، مشيراً إلى امتلاك النظام السوري عشرات آلاف الألغام، إضافة إلى سهولة تصنيعها وكلفتها المنخفضة، الأمر الذي مكن بقية أطراف النزاع من استخدامها على نحو واسع، دون اكتراث بالإعلان عن مواقعها أو إزالتها.
تحذير أممي
وكانت دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام المعروفة اختصاراً بـ”أونماس”، حذرت في تقرير لها صدر بأكتوبر 2020م، من أن تغير خطوط جبهات القتال الأمامية في جميع أنحاء سورية زاد من عملية تلوث مناطق المجتمعات بالذخائر المتفجرة.
ووفقاً للتقرير الذي حمل عنوان “الاحتياجات الإنسانية لعام 2020م”، يعيش 11.5 مليون سوري في 2562 منطقة تم الإبلاغ عن تلوثها بالذخائر المتفجرة في العامين الماضيين، وأن هناك قلقاً بالغاً من أن العائدين معرضون لمخاطر كبيرة.
وأشار التقرير إلى أنه وعلى الرغم من أنه استفاد، في النصف الأول من العام 2020م، أكثر من 1.1 مليون شخص من دورات للتثقيف بشأن مخاطر الذخائر قامت بها دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام والشركاء في مجال المساعدة الإنسانية ومقدمو الخدمات العامة، وتدريب 186 شخصاً على التوعية من الذخائر المتفجرة، فإن التحدي لا يزال كبيراً، إذ لا يزال هناك معوقات بوجه النطاق العملي على الأرض لنزع الألغام.
ونوه التقرير إلى أن هناك صعوبة في جمع البيانات في العديد من المناطق بسبب القيود المفروضة على الوصول إلى المعلومات، والحد من القدرة على رسم خرائط المناطق الملوثة بالذخائر المتفجرة من أجل فهم كامل لنطاق التهديد.
وأضافت المنظمة الأممية أنها تحتاج إلى زيادة فرص وصول المنظمات الإنسانية المتعلقة بالألغام، بحيث يمكن معالجة جميع الركائز الأساسية للإجراءات الإنسانية المتعلقة بالألغام دون قيود ووفقاً للمبادئ الإنسانية وشواغل الحماية، وإعطاء الأولوية للاستجابة الإنسانية للإجراءات المتعلقة بالذخائر المتفجرة، بحسب أولويات المجتمعات المتضررة، وإجراء مسح شامل للمناطق الملوثة والمشتبه في خطورتها ووضع علامات عليها، سواء بالنسبة للمناطق الحضرية أو الريفية.
جدير بالذكر أن الدول الضامنة لمسار “أستانة”؛ تركيا وروسيا وإيران، اتفقت في ختام الجولة الثامنة من اجتماعاتها التي عقدت أواخر عام 2017م على تشكيل لجان عمل لإزالة الألغام، إلا أن الاتفاق لم يدخل حيز التنفيذ، وفشل هذا الملف إلى جانب ملفات أخرى اتفق على تنفيذها لتحقيق الاستقرار في البلد الذي يشهد حربًا دموية منذ عام 2011م.