أجمع عدد من المثقفين الأفارقة، في تصريحات متعدّدة لـ”المجتمع”، على أنه لا بد من الإيمان بأن الدفاع عن فلسطين قضية إسلامية وليس قضية عربية فقط، مؤكدين أننا لا يمكن أن نصل إلى حل لهذه القضية الكبرى إلا إذا آمنا بأنها قضية عربية وإسلامية معاً، وحرصنا على تكاتف الجهود وتوحيد الصفوف العربية والإسلامية لإنقاذ فلسطين، وجاهدنا اليهود الغاصبين لأرضنا جهاداً إسلامياً شاملاً، لكي تعود الأرض الفلسطينية المباركة إلى العرب والمسلمين، ويرجع شذاذ اليهود إلى المناطق التي جاؤوا منها.
في هذا التقرير، سنقدم شهادات لعدد من المثقفين الأفارقة الشباب الذين آمنوا بالقضية الفلسطينية واعتبروها قضية كل المسلمين على هذه الأرض وليست قضية العرب وحدهم، وقد حاولنا في هذا التقرير أن نحاور هؤلاء المثقفين الأفارقة حول أهمية القضية الفلسطينية، وضرورة مقارعة الاحتلال الصهيوني، ومخاطر تهويد القدس، وظاهرة التطبيع مع الصهاينة.
سفيان: فلسطين قضيتنا والدفاع عن المقدسات الإسلامية مسؤولية المسلمين جميعاً
قضية إسلامية
في البداية، قال سفيان مهدي درامي، مدير معهد النور الإسلامي في جمهورية غامبيا، في تصريح لـ”المجتمع”: إن القضية الفلسطينية قضية إسلامية أولاً وأخيرًا، والدفاع عن المقدسات الإسلامية في أي مكان على وجه البسيطة هو مسؤولية المسلمين قاطبة، ولكن أعداء الإسلام بذلوا جهوداً جبارة لإبعادها عن الخط الإسلامي، وإفهام المسلمين من غير العرب أنها قضية عربية لا شأن لغير العرب بها، ويبدو أنهم نجحوا إلى حد ما في ذلك.
وأكد سفيان أننا لا يمكن أن نصل إلى حل للقضية الفلسطينية إلا باعتبارها إسلامية، وبالتكاتف بين المسلمين لإنقاذها، وجهاد اليهود جهاداً إسلامياً، حتى تعود الأرض إلى أهلها، ويرجع شذاذ اليهود إلى المناطق التي جاءوا منها.
أما الشاعر عبد الله درامي (من جمهورية مالي)، فتوقف في البداية مع مسألة اهتمام الإعلام الرسمي العربي بالقضية الفلسطينية، وقال: إن هذا الاهتمام كان في معظم حالاته لأغراض استثمارية لأن المتاجرة بالوجع المقدسي مربحة للغاية، وتضمن لصاحبها ولاء الملايين، والسبب في ذلك –حسب درامي- أن الشعوب العربية والإسلامية تدين دائماً لكل نظام أو حاكم يتظاهر بالتعاطف مع فلسطين (موؤودة الإهمال العربي)، فلسطين المنطقة التي لم تبق خارج الميدان بعد انقضاء مهمات الشرائع السماوية السابقة، وإنما اخْتِيرَتْ منطلقًا لرحلة المعراج التي خلالها تمت ترقية النبي صلى الله عليه وسلم إلى رتبة تفوق كل تصور بشري (فكان قاب قوسين أو أدنى).
وأضاف: ومن هنا ندرك مركزية فلسطين وأهميتها التاريخية، ونفهم لماذا كان الدفاع عن مقدساتها مطلباً دينياً يحرم التغافل عنه، خاصة في هذه الأيام وفي هذه الظروف الملتهبة التي يصطلي بنارها إخواننا الأحرار أباة الضيم الذين يدفعون ثمن صمودهم أمام إسرائيل التي دلّت كل الإرهاصات بِدُنُوِّ أَجلها، وموعدنا الصبح أليس الصبح بقريب؟
درامي: مبادرات تهويد القدس التي باركها ترمب زادت من الالتفاف حول القضية الفلسطينية
بدوره، قدّم فاضل غي، رئيس نادي السنغال الأدبي، نبذة عن تاريخ وقوف السنغال مع المقاومة الفلسطينية، فقال: نحن في السنغال ولدنا وترعرعنا على حب فلسطين والدفاع عن القضية الفلسطينية، فالسنغال هي أول دولة في إفريقيا جنوب الصحراء اعترفت بفلسطين كدولة ومنح الرئيس السنغالي الأسبق لوبول سيدار سنغور لأبي عمار السيد ياسر عرفات جواز سفر دبلوماسي، كما تحمّلت دولة السنغال تكاليف فتح السفارة الفلسطينية في دكار وما زالت.
وأضاف: ومنذ عام 1975م ترأست السنغال في منظمة الأمم المتحدة اللجنة المكلفة بالدفاع عن حقوق الفلسطينيين غير المقابلة للتصرف، فالقضية الفلسطينية إذن مدعومة في بلادنا على مستوى القمة والقاعدة لمعرفتنا ماذا يعني القدس والمسجد الأقصى في عقيدتنا الإسلامية.
تهويد القدس
أما بخصوص تهويد القدس، فأكد عبدالله درامي أن ما يغيب عن أذهان الكثيرين هو أن تهويد القدس إذا وصل نقطة النهاية -لا سمح الله- فلن تقتلع رياحه فلسطين فحسب، بقدر ما يمثل ذلك حجر الأساس لـ”إسرائيل الكبرى” (أرض الميعاد)، موضحاً أن التصرفات الوحشية التي يمارسها الغاصب “الإسرائيلي” لتهويد القدس ومحو كل أثر إسلامي أو مسيحي تمثّل دليلاً على ارتباك الوافد الجديد وافتقاره إلى المستند التاريخي، كما أن مبادرات تهويد القدس التي باركها الرئيس الأمريكي السابق (دونالد ترمب) زادت من الالتفاف العربي حول فلسطين واستحدثت جيلاً واعياً لا يتردد في اتخاذ القرار المناسب.
بدوره، قال أبو بكر منكيلا سميلا (من النيجر): إنه لا يخفى على القاصي والداني خطر اليهود في العالم كله، وما يحيكونه خلف الكواليس، لذا فإن لم يجد المسلمون حركة جادة وصارمة تقوم على القضية الفلسطينية، فستبقى حليمة على عادتها في قتل وانتهاك لحقوق الفلسطينيين علناً، في حين أكد سفيان مهدي درامي أن مشروع تهويد القدس مشروع خطير جداً، حيث يهدد الفلسطيني “الإنسان” ويهدد المكان “الذاكرة والتاريخ”؛ في سياق حرب ضروس ضد الحق العربي والإسلامي بالقدس.
فاضل: التطبيع يُقوّي “إسرائيل” ويُعطيها “كارت بلانش” نحو مزيد من الانتهاكات
شرعنة التطبيع
أما بالنسبة للتطبيع مع الصهاينة، فيرى فاضل غي أن سببه الوهن الذي تعيشه الدول العربية التي نجح الغرب في تقسيمها ومنعها من أن تملك قرارها، وليس من شك في أن التطبيع مع “إسرائيل” في ظل الاحتلال والبطش والقتل والتشريد لا يخدم القضية الفلسطينية، بل يُقوّي “إسرائيل” ويعطيها “كارت بلانش” نحو مزيد من الانتهاكات ضد الشعب الفلسطيني الأعزل.
من جهته، يقول عبدالله درامي: أما عملية التطبيع التي استهجنتها الشعوب المشفقة على أطفال الحجارة، فإنها لم تكن بالنسبة لي موضع مفاجأة، ولا أقول هذا استخفافاً بالمشاعر أو رجماً بالغيب، لكن دراسة استقصائية أجريتها على الوضع العربي المتفاقم يسّرت عليّ تفسير المواقف التطبيعية التي اتخذتها بعض الدول غير مكترثة بالنظرة السيئة التي ستتلقاها شعوبها عبر التاريخ، والأدهى والأمر في المسألة هو قيام بعض الجهات الدينية المعتبرة عالمياً بإلقاء خطب تمهيدية مهدئة تستهدف في النهاية شرعنة التطبيع.
من جانبه، قال أبو بكر منكيلا سميلا: إنه يعلم يقيناً لا يخالطه الظن أن الدول التي وقّعت اتفاقية التطبيع لم تراع مصلحة الشعب الفلسطيني ولا المصلحة الدينية، بل جرت تلك الدول خلف السلام، وأنى للمشركين عهد؟ وأنى لهم السلام، ولم تبرم أي اتفاقية مع صاحب الأرض والحق؟!
بدوره، يقول سفيان مهدي درامي: إن قضية التطبيع مع “إسرائيل” ليست قضية جديدة وإنما طرحت منذ عام 1978 بمبادرة من الرئيس المصري أنور السادات، موضحاً أن ما يثير قلقه هو التطبيع في ظل الظروف الراهنة والمعقدة؟
سميلا: الدولُ التي وقّعت اتفاقية التطبيع لم تراع مصلحة الشعب الفلسطيني
دور المقاومة
وقد ذهب سفيان مهدي درامي إلى أن المقاومة الفلسطينية حولت الشعب الفلسطيني من مجرد لاجئ يبحث عن مكان يلتجئ إليه إلى صاحب قضية يبحث عن الوسائل لاستعادة حقوقه وتجسيد هويته، وحققت تقدماً كبيراً في إثبات وجود الشعب الفلسطيني، كما استطاعت المقاومة التقدم في التصدي للمشروع الصهيوني لتحل مكان الدول فتشكل أزمة حقيقية لجيش مسلّح من أخمص القدم إلى أعلى الرأس، فأصبحت مصدراً للثقة بالنصر لدى الفلسطينيين وحالة وعي ويقظة لمخاطر المشروع الصهيوني وفهم مركباته فهماً عميقاً، ثم أثّرت على طبيعة بناء الجيش الصهيوني وما زالت تؤثر.
من جهته، يرى عبدالله درامي أن المقاومة الفلسطينية لم تعرف فترة قيلولة تؤدي إلى الخمول والاسترخاء منذ ارتكب “بلْفور” حماقته ضد السلام العالمي عام 1917 ووعد بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، ولهذا فإن الحديث عن المقاومة يسوقنا إلى استنطاق كل هذه العقود التي عاشتها القضية والمؤامرات الدولية التي دبّرت لتبرئة القاتل وتجريم المقتول، وعلى الرغم من الضلوع العالمي في تزوير الحقائق بقيت العزيمة الفلسطينية قوية لا تفتتها تهديدات العدو الغاشم.
بدوره، أكد فاضل غي أن ما قامت به الآلة العسكرية الصهيونية من الهمجية والتصعيد غير المبرر في القدس الشريف وانتهاكات الجنود الصهاينة لحرمة المسجد الأقصى في آخر أيام رمضان المبارك هذا العام قوبل -بحمد الله- بمقاومة قوية أثلجت صدورنا رغم الغارات الصهيونية الجبانة على قطاع غزة، وانطلاقاً من هذه الحالة يُرجِّح “غي” أن المقاومة الفلسطينية قطعت شوطاً مهماً في هذه التجربة الأخيرة، ويتمنّى أن تتوحد الصفوف وتتكاتف كتائب المقاومة الفلسطينية لمواجهة العدو الصهيوني الغاصب.