غالبا ما تتناول قصص “الخيال المناخي” (على غرار الخيال العلمي) قصصا حول النتائج الكارثية للتغير المناخي، وتحاول توقع التغييرات المأساوية التي سيشهدها كوكب الأرض.
وقال الكاتب، براين يازل، في مقاله الذي نشره موقع “كونفرزيشن” (The conversation) الأسترالي، إن السيناريوهات التي يتوقعها هواة الخيال المناخي تدور حول هجرة غير مسبوقة للناس بسبب الجفاف واختفاء السواحل التي ستغمرها المياه، ويتردّد صدى هذه القصص في تقارير المنظمة العالمية للهجرة التي حذرت منذ بداية التسعينيات من أن الهجرة ربما تكون أكبر أثر ينجم عن التغير المناخي.
وأفاد الكاتب -الذي يعمل أستاذا مساعدا في قسم دراسة الثقافة، جامعة جنوب الدانمارك- بأن حجم هذا التغير المناخي الذي بدأ بالحدوث على مدى أجيال في كافة أنحاء الكوكب، بات معروفا لدى الكثيرين ولا يحتاج إلى مخيلة واسعة، لكن عندما يتعلق الأمر بموضوع الهجرة يتناول هواة الخيال في الولايات المتحدة مشكلة الهجرة من خلال العودة إلى بعض الأفكار النمطية والبالية، بحسب الكاتب.
وتدور هذه الأفكار حول افتراضات بشأن الدافع وراء حركات الهجرة، حيث تنبني على أحكام مسبقة حول صفات المهاجرين، وعلى سبيل المثال، تُظهر هذه القصص نمطا سائدا يتمثل في قدوم هؤلاء المهاجرين من أميركا اللاتينية بطرق غير شرعية.
وشرح الروائي الهندي أميتاف غوش هذه المشكلة في كتابه “التشويش العظيم” (The Great Derangement). ووفقا لغوش، فإن الفشل السياسي في مكافحة تغير المناخ هو أحد أعراض فشل أعمق في الخيال الثقافي. ببساطة، كيف يُتوقع من الناس أن يهتموا بشيء (أو بشخص ما) لا يمكنهم تخيله بشكل مناسب؟
وأضاف يازل أن الاعتماد على هذه الأفكار يمكن أن يساعد في توضيح المستقبل الذي ستواجهه البشرية في حال عدم التعامل مع مشكلة التغير المناخي. في المقابل، هناك طرق أخرى أكثر ملاءمة للتعبير عن مشكلة الهجرة المناخية، وذلك من خلال الاعتماد على الواقع دون تكرار الأفكار الخاطئة والسائدة، أو تجاهل مهاجري المناخ الحقيقيين الموجودين حاليا في الولايات المتحدة.
حالات سابقة للهجرة المناخية
تدور أحداث رواية “سكين الماء” لكاتب الخيال العلمي الأميركي باولو باسيغالوبي، على الحدود الأميركية المكسيكية حيث إن الجفاف المستمر في الجنوب الغربي للولايات المتحدة يدفع سكان المنطقة بشكل يائس لعبور الحدود نحو الولايات المجاورة أو شمالا نحو كندا، في حال كانوا محظوظين، ليصبحوا في النهاية لاجئين.
ويقول الكاتب -في نقد للرواية- إن مصطلح “الحدود الجنوبية” يستخدم بشكل كبير في الحملات المناهضة للهجرة بأميركا، والتي تدعم الادعاءات المضللة بأن المنطقة محاصرة من مجموعات المهاجرين. ومع ذلك، فإن الرواية أقل اهتماما بتبديد هذه الأوهام من اهتمامها باستغلال قوتها العاطفية.
ويرى يازل أن دعوة القراء في الولايات المتحدة لوضع أنفسهم مكان المهاجرين الأميركيين اللاتينيين اليوم، يعدّ وسيلة فعالة لتصحيح المفاهيم واستيعاب الوضع. فعلى سبيل المثال قدّم الروائي الأميركي الشهير جون ستاينبيك، في روايته “عناقيد الغضب” دعوة للقراء للتعاطف مع المهاجرين الأميركيين الذين دمرت مناطقهم بفعل عاصفة غبار هائلة. وساعدت هذه الرواية الناس على تخيل معاناة هؤلاء المهاجرين من خلال التأكيد على أنهم كانوا يشبهون الأميركيين والبيض أيضا.
في المقابل، تدعو رواية “سكين الماء” القراء لتخيل أن الولايات المتحدة بأكملها ستصبح دولة مثل المكسيك حيث يلاحظ أنخيل، الشخصية الرئيسية في الرواية، أن العنف الذي يشاهده في أريزونا يذكّره بالوضع في المكسيك في وقت سابق. علاوة على ذلك، تُشير هذه الرواية إلى المشاكل التي تدفع بأعداد ضخمة من الناس للهجرة.
ويشير الكاتب هنا إلى أن المشكلات التي تدفع إلى الهجرة على نطاق واسع ليست فريدة من نوعها في أي جزء من العالم، وهذا أمر جيد. لكنه في الوقت نفسه، يتخيل أيضًا سيناريو ينتقل فيه العنف المجتمعي المرتبط بالمكسيك إلى الولايات المتحدة. والرسالة هنا هي “غيِّرْ سلوكك الآن، لئلا تجعل الولايات المتحدة مثل المكسيك”.
وتُظهر الرواية كيف أن القصص التي تهدف لرفع مستوى الوعي حول معاناة مهاجري المناخ ينبغي تصويرها والتعامل معها بكل حذر، إذ تُعدّ تدفّقات المهاجرين اليائسين، من الصور المروعة التي ترتبط في مخيلة الناس بحالة الدمار الشامل وبخطاب الحركات المعادية للأجانب والحملات السياسية.
وتجدر الإشارة إلى أن الناس الذين يعتقدون أن مشكلة تدفق ضحايا الهجرة المناخية ستعاني منها في المستقبل الدول الغنية فقط، هم أنفسهم الذين يعتقدون أن بإمكانهم بكل بساطة غلق حدودهم أمام هؤلاء المهاجرين، بحسب الكاتب.
وفي الوقت نفسه، تُخفي النظرة النمطية التي تجرد اللاجئين من إنسانيتهم، الضرر الحقيقي الذي يواجهه المهاجرون في الوقت الراهن في الولايات المتحدة، لذا بينما تسعى هذه القصص إلى تشجيع نظرة أكثر تعاطفا مع المهاجرين، يمكن أن يكون لها تأثير معاكس.
مشكلة أميركية معاصرة
يؤكد الكاتب أن ظاهرة الهجرة المناخية ليست مشكلة الدول الفقيرة في المستقبل فقط، وإنما تُعتبر مشكلة قائمة حاليا في الأراضي الأميركية. وهناك العديد من الكوارث التي حلت بها، على غرار الحرائق الضخمة في الساحل الغربي والعاصفة المدمرة في منطقة الخليج، وهي كوارث بيئية أثرت على أعداد هائلة من المواطنين.
وفي الواقع، تلعب قصص الخيال المناخي دورا في رفع الوعي بأهمية الحفاظ على البيئة، إلا أنها ترتكب في بعض الوقت أخطاء. علاوة على ذلك، ينبغي أن يتمثل دورها في دق نواقيس الخطر مبكرا، ودفع الناس للتعامل مع الكوارث والاهتمام بالمتضررين.
وتناول تقرير سابق للجزيرة نت عرضا لمجموعة مختارة من روايات الخيال المناخي، بينها رواية “الحرب الأميركية” للكاتب الكندي عمر العقاد الذي يروي قصة تجري أحداثها في المستقبل القريب في أميركا التي يدمرها تغير المناخ وتندلع فيها حرب أهلية ثانية على خلفية استخدام الوقود الأحفوري.