يقول الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية «ريتشارد نيكسون»، في كتابه «الفرصة السانحة»، الذي أصدره بعد انتهاء الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفييتي: إن العالم لن يعيش وفق قطب واحد وهو أمريكا، ويجب أن يكون هناك قطب آخر يشارك في إدارة العالم، ففلسفة القطب الواحد تضعف الولايات المتحدة الأمريكية، وتجعلها تموت من الداخل.
وفي استعراضه، تساءل «نيكسون»: من هو القطب الآخر الذي سيشارك أمريكا في إدارة العالم؟ وللإجابة، استعرض عدداً من الدول والكيانات السياسية؛ مثل دول النمور الآسيوية في ذلك الوقت، والاتحاد الأوروبي، وروسيا، والدول العربية، وكان مما عرضه جمهورية الصين، التي كانت تعيش صراعاً فكرياً وسياسياً داخلياً، وتحاول الهروب من الشيوعية المتهاوية والبحث عن الديمقراطية، وأشهر صور الصراع ثورة عام 1989م التي طالبت بالديمقراطية ومزيد من الحريات.
يبدو أن «نيكسون» عندما لم يغفل الصين كان يتوقع أن هذا المارد سيكون له شأن وينافس الولايات المتحدة الأمريكية في أن يكون القطب الآخر بالعالم، وفي سنوات قليلة بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، بدأت الصين بثورتها الاقتصادية وبناء صناعات وعلاقات وشركات تجارية ضخمة، ووصل «صنع في الصين» إلى قلب أمريكا والدول الأوروبية، ومن بعدها كل العالم، وأصبحت منافساً اقتصادياً شرساً لأمريكا، كل هذا والأمر يبدو تحت السيطرة، وممكن أن يخضع للأخذ والرد، إلى تاريخ مارس 2021م.
ففي هذا التاريخ، تم توقيع الاتفاقية الإيرانية الصينية كاتفاق سياسي اقتصادي، وربما في المستقبل عسكري، وبمعنى مباشر أن الصين بدأت اللعب في منطقة الولايات المتحدة الأمريكية، ووصلت لمنابع النفط بشكل واضح، ومن الممكن أن تسحب البساط من تحت الولايات المتحدة، فإيران تقع في منتصف نفوذ المنطقة الأمريكية؛ من الشرق أفغانستان وباكستان، ومن الغرب دول الخليج العربية الموالية لأمريكا، ناهيك عن أن إيران تدير منظمات ومليشيات في هذه المنطقة، وهي «الحوثيون» في اليمن، و«حزب الله» في لبنان، ومليشيات في العراق، وهي مهدد دائم لدول الخليج.
والاتفاق الصيني الإيراني أكثر من مجرد اتفاق، بل هو شراكة، وسمي «اتفاق التوأمة»، وأغلب بنوده غير معروفة إلى الآن، ولكن مما يقال عن هذا الاتفاق أن قيمته 400 مليار دولار، ويدعم إيران بـ«الفيتو» الصيني، ويعتبر نهضة اقتصادية لإيران، وفي المقابل؛ يجعل منطقة الخليج منطقة صراع سياسي ليس لنا فيه لا ناقة ولا جمل، ومن شأنه خلق منظمات بترولية موالية لإيران والصين غير «أوبك».
وبعد هذا الاتفاق، وفي حالة استمراره، يا ترى أين موقعنا كدول خليجية وعربية؟ وهل هذا الاتفاق بالإضافة للاتفاقيات الصينية السابقة مع باكستان ودول أفريقية سيغير العالم وتصبح الصين شرطي العالم، أم يقف عند حدود الصراع الاقتصادي؟ وما تأثير هذا الاتفاق على قضية القدس وفلسطين التي تعتبر إيران داعمة لها بقوة، والصين مؤيدة للحق الفلسطيني؟ وهل تدعم الصين إيران في سباقها النووي؟
وفي المقابل، ما رد الفعل الأمريكي؟ هل تُوقف هذا الاتفاق بفرض مزيد من العقوبات الاقتصادية؟ وهل تبحث عن مكونات سُنية لتعقد معها اتفاقيات سياسية؛ كتركيا وأفغانستان، وتعزز دورها في باكستان، وتلعب على الورقة الطائفية، أم توجِّه حلفاءها في الخليج ضد هذا الاتفاق؟
تساؤلات مستحقة ربما تظهر لها إجابات في القريب العاجل، إن شاء الله تعالى.