بعد ظهور نتائج ثورات “الربيع العربي” نهاية عام 2010 وبداية 2011م بسقوط العديد من الأنظمة العربية -بسبب القمع والاستبداد والفساد السياسي والفقر في أغلب البلاد العربية- خرجت علينا أصوات تهاجم العديد من التيارات الإسلامية التي اتهمتها الثورات المضادة بأنها تقف خلف هذه الثورات.
فبدأت بجماعة الإخوان المسلمين، تلك الجماعة ذات الشعبية الجارفة في كثير من الشعوب العربية والإسلامية، والممقوتة من قبل الأنظمة القمعية، والتي يعتبرها الصهاينة عدوها الأول والأزلي؛ لما تقوم به حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ذات الامتداد للجماعة بفلسطين المحتلة، من مقاومة مشروعة ضد الاحتلال الصهيوني.
ورغم أن الإخوان المسلمين قد انتهجوا النهج السلمي في التغيير، وشاركوا بكل الانتخابات في بلادهم، باستثناء النظام الحاكم في سورية الذي شن حملة عسكرية على الجماعة في عام 1982م، فإن الجميع يعلم أنهم لم يكونوا هم أول من بادر بإشعال ثورات “الربيع العربي”، وإنما كانوا حقيقة حجر الزاوية وفي القلب من تلك الشعوب التي ثارت على الظلم والاستبداد، ورأينا بعد ذلك أن هذه الأنظمة قامت بالتضييق على جماعة الإخوان، وصنَّفتها بعض الدول بالجماعة “الإرهابية”، وقامت باعتقال كل من يحمل فكر الإخوان وأحالتهم لمحاكمات هزلية، ومن ثم قضت عليهم بأحكام إعدام جائرة، مع أن أعمار بعضهم تعدى الثمانين عاماً.
ولم تكتفِ هذه الأنظمة بذلك، وإنما قامت بالولوج إلى وسائل التواصل الاجتماعي وأنشأت ما يسمى بـ”الذباب الإلكتروني” أو “الكتائب الإلكترونية”، التي لم تنفك بالتلبيس على الناس وتركيب مقاطع فيديو وصور مزيفة لإثبات تهمة الإرهاب على هذه الجماعة.
وبعد أن تم تشويه صورة الإخوان أمام الشعوب العربية، بدأت آلات الإعلام الجهنمية بالتحول إلى رموز علماء الدعوة السلفية؛ فهوجم الشيخ المحدِّث محمد ناصر الدين الألباني، رحمه الله، واتهموه بتغذية التيارات السلفية الجهادية وتنظيم “القاعدة” وغيرها، بل وصل الأمر لمهاجمة الدعوة السلفية ذاتها القريبة من هذه الأنظمة.
إن الحرب بعد “الربيع العربي” لم تكن ضد تيار إسلامي معين، بل هي الحرب على الإسلام كدين وعقيدة وتربية إيمانية، يقودها الصهاينة والعلمانيون وأعداء الإسلام، ويخدمهم في ذلك –للأسف- العديد من المسلمين.
إن موجة الانحلال الأخلاقي، التي أصبحت –للأسف- برعاية بعض الأنظمة؛ من إباحة الخمر وتغيير مسمى الزنا إلى العلاقة الحميمية، وتسهيل الربا، وكذلك تنامي موجة الإلحاد بين الشباب بحجة الحداثة وهدم الثوابت؛ تحتاج وقفة قوية من قبل علماء ورموز المسلمين وما تبقى من أنظمة ما زال عندها قدر من مخافة الله تعالى، ومواجهة هذا التغريب الجديد؛ من خلال بناء جيل جديد، وتربيته تربية إيمانية تجعله يقف أمام هذه الموجات العاتية من التغريب.
وتبدأ عملية بناء هذا الجيل باختيار الزوجة الصالحة، ومن ثمَّ بناء البيت المسلم المحصَّن ضد هذا الفساد الطاغي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يأتي زمان على أمتي القابض على دينه كالقابض على جمرة من النار”، فالظاهر -والله أعلم- أننا وصلنا إلى هذا اليوم، ولكن تبقى بشارة النبي الأكرم عليه الصلاة والسلام عندما خاطب الصحابة الكرام رضي الله عنهم: “أنتم أصحابي، وإخواني قومٌ آمنوا بي ولم يرَوني”