تباينت ردود فعل بعض الأكاديميين الكويتيين حول تجربة التعليم عن بُعد في دولة الكويت؛ حيث رأى بعضهم أنها حققت نجاحاً كبيراً رغم حداثتها، فيما رأى آخرون أن التجربة شابها الكثير من القصور الذي سيؤثر على مستقبل الطلاب إن لم يتم سرعة تجاوزه وعلاجه، خاصة مع بداية العام الجديد، من خلال العودة للفصول، أو على أقل تقدير الدمج بين النظام التقليدي في التعليم، ونظام التعليم عن بُعد.
وفيما يلي نعرض لآراء هؤلاء الأكاديميين والاختصاصيين الذين التقتهم «المجتمع»؛ لتلقي الضوء من خلالهم على هذه التجربة التي فرضتها ظروف جائحة «كورونا» التي غيرت وجه العالم تقريباً خلال العامين الماضيين.
البداية مع عضو جمعية المعلمين الكويتية حمد الهولي، الذي قال: إن التعليم عن بُعد إحدى الوسائل المهمة والمرنة التي لجأ إليها العالم بأسره لضمان استمرار العملية التعليمية، فلم تكن هذه الوسيلة مقتصرة على الكويت، ولله الحمد نجحت هذه التجربة واستمرت العملية التعليمية بشكل مقبول، خصوصاً أننا نمتلك معلمين لديهم مهارات وأرضية ساعدت في إنجاح هذه التجربة إذا أخذنا بعين الاعتبار نسبة ووقت التدريب مقابل هذه العملية.
وعن نجاح تجربة التعليم عن بٌعد في الكويت، قال الهولي: إن التجربة بالفعل نجحت، والدليل تمكن المعلمين والمتعلمين من مواصلة دراستهم لعامين متتاليين باستخدام أحدث الوسائل، ودمجها ضمن البرنامج المعتمد في الوزارة، وتفاعل المتعلمين واستجابتهم معها خير دليل على ذلك، مشيراً إلى أن لكل وسيلة إيجابياتها وسلبياتها؛ لأن الإنسان دائماً عدو ما يجهل، وإن هذه التجربة تعتبر جديدة، وأغلب الناس في البداية يكونون متخوفين، نظراً لغياب هذه الثقافة الإلكترونية، لكن من خلال مقارنة التعليم العام بالتعليم الخاص يلاحظ أن المدارس التي كانت تطبق التعليم المدمج قبل الجائحة لم يكن لديهم هذا التخوف.
وعن اكتساب الطالب للمهارات في عملية التعليم عن بُعد، قال الهولي: ليست كل المهارات والقيم يمكن إكسابها للمتعلمين من خلال هذا النوع من التعليم، خصوصاً المهارات العملية، وهذه إحدى السلبيات في هذا النظام التعليمي، وبسؤاله عن الاختبارات الإلكترونية قال الهولي: إن الاختبارات يمكن تطبيقها بأكثر من برنامج وطريقة في هذا النظام، مثل برنامج «فورمز»، إلا أنه لا يخلو من بعض المخاطر، خصوصاً إذا أخذت بعين الاعتبار بعض المشكلات التقنية مثل ضعف الشبكة، أو عيوب الجهاز؛ لذلك فالاختبار الورقي أكثر مصداقية وأقل مخاطر، وتدعمه الوثائق واللوائح الاعتيادية.
وبسؤاله عن المناهج ومناسبتها لعملية التعليم عن بُعد، قال الهولي: لكل طريقة أدواتها وأساليبها، وبالفعل تحتاج مناهجنا إلى تعديل لنواكب المشكلات الجديدة التي نواجهها واستحداث التكنولوجيا والأجهزة والعديد من الأشياء الموجودة عالمياً التي لسنا على علم بها، على سبيل المثال مناهجنا التي أعدت بطريقة قديمة حيث تم التوقف عن استخدامها منذ اجتماع دول العالم، في عام 2015م، في نيويورك، الذي تم من خلاله اعتماد برنامج التنمية المستدامة الذي يهدف إلى التعليم الجيد، مرتكزاً على 3 أساسيات؛ أولها المسؤولية الاجتماعية والابتكار، ثم الإبداع أو ما يعرف بـ»كفايات القرن الـ21» التي بنيت عليها مناهج المعايير، وسيتم تطبيقها في العام المقبل في 24 مدرسة، كما جاء في تصريح وكيل المناهج؛ باعتبار هذه المناهج حديثة ومواكبة للتحديات المطالب من الدول مواجهتها، وبالتالي تكون المناهج الجديدة قادرة على إعداد الجيل الجديد لحمل لواء التنمية والتقدم في المستقبل.
وعن طريق مراقبة حضور الطلبة في عملية التعليم عن بُعد، قال الهولي: الرقابة والمتابعة في الحضور أكثر من التعليم عن بُعد، لكن هنا يتجلى دور الأسرة في مراقبة ومتابعة أبنائها، مضيفاً أن العوامل التي ترفع من المستوى التعليمي لطلبة الكويت تتمثل في مهارة التفكير الإبداعي، وكيفية صقل هذه المهارة، وتحويلها إلى ممارسة للوصول إلى الابتكار مع وضع الشروط والمؤشرات التي تحكم استمرار العملية التي تؤدي إلى التنمية المستدامة، وهذه المهارات يجب تعلمها في الكويت بالشكل الصحيح، وهذا ما اتجهت إليه الجمعية من خلال منهج المعايير.
التعايش مع كورونا
من ناحيته، دعا عضو هيئة التدريس في كلية التربية الأساسية بالهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب د. عبدالله الغصاب إلى التواصل مع الباحثين والأكاديميين والجامعات والمتخصصين لوضع الخطط الإستراتيجية للتعليم خلال جائحة «كورونا»، وذلك للاستفادة منهم وبتجاربهم للبدء في وضع أسس وخطة محكمة لعودة الدراسة التقليدية المدمجة بالتعليم الإلكتروني والتعليم عن بُعد.
وقال الغصاب: آن الأوان للبدء في التفكير والعمل بشكل جاد للتعامل والتعايش مع «كورونا» باعتباره وباء قد يستمر لسنوات عدة؛ لذا لا بد من التعامل معه بحذر، وأخذ الاحتياطات اللازمة والاشتراطات الصحية للوقاية منه لحين انتهاء الجائحة، مضيفاً أنه بعد مرور أكثر من عام ونصف عام على ظهور الجائحة واستخدام التعليم عن بُعد خلال تلك الفترة كوسيلة استكمال الدراسة، وما صاحبه من عيوب ومميزات، فإنه آن الأوان أيضاً للعودة للدراسة التقليدية بأسرع وقت ممكن خاصة مع التخصصات العلمية والعملية التي تتطلب التطبيق العلمي، وإجراء الاختبارات المعملية والتدريبية.
وحذر الغصاب من أن استمرار التعليم بهذا الشكل (التعليم عن بُعد) سيكون له أثر على المستوى التعليمي للطلبة وجودة التعليم، وسيخلق أجيالاً حاصلة على شهادات دون تعليم فعلي، وهذا سيؤثر أيضاً على حياتهم الشخصية، ويسبب الشعور بالعزلة والوحدة، بالإضافة إلى أن نسبة التحصيل من التعليم عن بُعد أقل بكثير من التعليم التقليدي والاحتكاك بين الأستاذ والطالب لاكتساب المهارات اللازمة التي تؤهل الطالب وتصقله بالعلم والمهارات.
وشدد الغصاب على ضرورة تشكيل لجان متخصصة لدراسة الأوضاع في الكليات والمعاهد، ووضع الخطط اللازمة للعودة السريعة إلى القاعات الدراسية مع أخذ كامل الاحتياطات لتنفيذ الاشتراطات الصحية، مع الاستعانة بالخبرات الأكاديمية والمتخصصين والاستفادة من التجارب السابقة في الجامعات الدولية الذين يتعاملون مع الأوضاع الراهنة بشكل علمي ومنظم.
ونوه إلى أن استمرار التعليم على هذا النحو العام المقبل معناه تخريج طلبة لم تر أساتذتها، ولم يعرفوا أماكن دراستهم ومعاهدهم، وهو أمر غاية في الصعوبة، وهو ما يتطلب تكاتف الجميع من أجل المرور بأزمة الجائحة بسلام.
تجربة ناجحة
من جانبه، قال رئيس رابطة أعضاء هيئة التدريس للكليات التطبيقية د. يوسف العنزي: إن تجربة التعليم عن بُعد التي شهدتها البلاد لسد حاجة الانقطاع عن التعليم تجربة ناجحة بامتياز، وهناك عدد من الدراسات والمؤتمرات العلمية التي تناولت هذه التجربة بكافة المقاييس.
وأضاف العنزي: بحكم أنها تجربة جديدة وطارئة، كانت هناك بعض الشوائب، ومن واقع الممارسة شهدنا العديد من الإيجابيات للتعليم عن بُعد، سواء أكاديمية أم اجتماعية أم حتى اقتصادية، ترتبط بالطالب والمعلم والأسر وأيضاً المؤسسة التعليمية؛ فالمؤسسات التعليمية وفرت من ناحية الاستهلاك اليومي للطاقة في منشآتها، وبالتالي الحاجة للخدمات المتعلقة بهذه المنشآت من نظافة وأمن وصيانة تقلصت، كذلك تم تخفيف الضغط على الإمكانات التي تمتلكها بعض المنشآت، ومن جانب آخر طورت المؤسسات التعليمية أنظمتها الرقمية لمواكبة العملية التعليمية، وانعكس ذلك إيجاباً على الكوادر التعليمية والإدارية على حد سواء.
وعن إيجابيات التعليم عن بُعد قال العنزي: الإيجابيات متعددة، منها توفير الجهد والمال على الطلبة والأساتذة وأولياء الأمور، مع عدم الحاجة للانتقال المكاني، ومتابعة الحصص حتى في أوقات الخروج من المنزل دون التكلف في الزينة أو المظهر، كما يساهم في تطوير إمكانات الطلبة والأساتذة لتعامل عصري مع الأجهزة والأنظمة التعليمية والرقمية من منصات وبرامج وتطبيقات؛ فأصبحت هناك سهولة ومرونة في رصد الحضور، وتصميم الاختبارات، وتأديتها، وحفظ وتسجيل المحاضرات بالتنسيق مع أستاذ المقرر.
وبين العنزي أن وجود الإيجابيات لا ينفي وجود بعض السلبيات التي يرتكز معظمها على كون التجربة جديدة وغير مسبوقة، ولكن يبقى فقدان التفاعل والارتباط المباشر هو أبرز هذه السلبيات؛ فالطالب والأستاذ كلاهما يلمس صعوبة تعويض التفاعل خاصة في الشُّعب الدراسية ذات الكثافة العالية للطلبة والطالبات، أيضاً هناك صعوبة توفير الجو الدراسي والخصوصية اللازمة في المنزل أثناء الحصص، ناهيك عن مشكلات الإنترنت سواء في التكلفة المادية أم ضعف الاتصال وانقطاعه أم في الاستخدام والأخطاء التي يقع فيها الطلبة أثناء الاختبارات وتسليم الواجبات، التي قد تؤدي لضياع الدرجات والتحصيل العلمي، ومن السلبيات أيضاً الإجهاد البدني والذهني في التركيز على الأجهزة الذكية لمتابعة المقررات الدراسية، كما أن دور المعلم يقتصر على الجانب التعليمي دون الجانب التربوي، مع مواجهة صعوبة تقييم أداء تحصيل الطالب وأداء المعلم.
وطالب العنزي بضرورة استثمار التجربة بالجمع بين التعليم عن بُعد والتعليم التقليدي؛ فالأول قد يصلح كمكمل ومساعد في حالات معينة، خاصة مع المواد النظرية ذات الكثافة الطلابية المحدودة التي يمكن التعامل معها بسلاسة، مع الأخذ بالاعتبار ضرورة عقد الاختبارات في القاعات الدراسية مع المحافظة والتقيد بالإجراءات الاحترازية اللازمة، وفي الوقت الراهن وبعد تعميم اللقاح ينبغي أن تكون الرؤية أوضح وأكثر إيجابية خاصة مع وجود تجارب وخبرات أثبتت نجاحها في الحفاظ على سلامة الجميع.
ضرورة وواقع
أما عميد كلية العلوم الصحية الأسبق د. فيصل الشريفي، فيرى أن معاناة التعليم لم تكن وليدة جائحة «كورونا»، لافتاً إلى أنه تم رصد تأخر جودة التعليم العام منذ سنوات، ولكن تدشين التعليم عن بُعد خلال فترة الجائحة أضاف بُعداً آخر لمشكلات مخرجات التعليم العام، وهذا لا يعني أن تجربة التعليم عن بُعد غير مفيدة، ولكنها في الوقت نفسه تساهم في إثراء مهارات الطالب المعرفية والبحث العلمي، والتوسع في استقاء المعلومات العلمية.
وأوضح الشريفي أن كثيراً من الدول تفكر في دمج التعليم عن بُعد مع التعليم النظامي؛ لأن مستقبل التكنولوجيا أصبح ضرورة وواقعاً تعيشه المجتمعات، مشيراً إلى أن ما نعانيه بدأ من تقليص الجرعات الدراسية التي يفترض أن يحصل عليها الطالب في القاعات والفصول الدراسية الاعتيادية خلال دراسة المقررات التعليمية، وهذا قد يكون أحد أسباب ضعف الطلبة خريجي التعليم الإلكتروني.
وتطرق الشريفي إلى تقرير سابق للبنك الدولي أفاد بأن مستوى التعليم بالوطن العربي في تراجع بشكل كبير ومخيف، ولم يستثن أي دولة، ورغم أن بعض الدول الخليجية تكاد تكون في المراتب الأولى ضمن منظومة جودة التعليم، فإن التقرير أطلق مصطلحاً جديداً على الوطن العربي وهو «فقر التعلم»، مشدداً في الوقت نفسه على ضرورة إعادة النظر في هذا المصطلح بمنهجية أكثر والتعرف على أسبابه.
وأشار إلى أن تقرير حكومة الكويت حول التعليم أصبح كأنه مطابق لما ورد في تقرير البنك الدولي «كفاءة الطالب في الكويت لخريجي الثانوي تعادل مستوى الصف السابع»؛ ما يعني أن هناك تأخراً 5 سنوات في التعليم عما يفترض أن يكون عليه!
نجاح مقبول
من ناحيته، قال رئيس رابطة أعضاء هيئة التدريب د. محمد البريوج: التعليم عن بُعد وعلى الرغم من حداثة فكرته نظراً للظروف التي واجهت العالم، فإنها أبدت نجاحاً مقبولاً رغم تواجد العديد من المُعوقات التي سعى المُدربون لمواجهتها، وتطوير بيئة العمل التدريبي فيما يتناسب واحتياجات العملية التدريبية إلكترونياً.
وعن سلبيات التجربة، قال البريوج: لو تطرقنا للسلبيات التي واجهت عملية التعليم عن بُعد في الهيئة العامة للتعليم التطبيقي -على سبيل المثال وخاصة عملية التدريب عن بُعد- سنجد أنها اقتصرت على بعض الأمور، وهي ارتفاع أعداد الطلبة في القاعات التدريبية الافتراضية؛ ما يُضعف نجاح العملية التدريبية؛ لعدم اتزان كفتَي المعادلة بين المدرب الواحد وقصر وقت المحاضرة، ومن جانب آخر العدد المرتفع الذي يُربك العملية التدريبية ويقلل من جودتها، وعدم اكتمال إطارها من خلال احتواء المدرب لكمّ المتدربين واستفساراتهم والرد عليها، كذلك تأخر بعض البرامج الافتراضية تقنياً وعدم مواكبتها محتوى العملية التدريبية التقنية، مع عدم تحقيق التفاعل المنشود عبر هذه القاعات الافتراضية، وأيضاً اقتصار التدريب الإلكتروني نظرياً دون تطبيق عملي لبعض المواد التي تحتاج إلى قاعات «ورش» ميدانية لإيصال العملية التدريبية بصورة متكاملة للمتدرب.
أما عن الإيجابيات، فأشار البريوج إلى أن عملية التعليم عن بُعد حققت نجاحاً كبيراً رغم حداثتها، ومما ساعد في هذا النجاح مشاركة العديد من المدربين في الملتقى التدريبي الأول والثاني، ومشاركة نخبة كبيرة من المدربين بمهاراتهم التدريبية الحديثة والمتطورة؛ ما ساهم في سهولة إيصال المعلومة بطرق متقدمة وحديثة تواكب المنظومة التعليمة الافتراضية الجديدة، كما أن لتوفير المدربين بيئات افتراضية تدريبية دوراً كبيراً في تحقيق المستويات المطلوبة وتفاعل المتدربين المشاركين، وهو أساس من أسس نجاح العملية التدريبية عن بُعد.