إن المسلمين ليحتاجون اليوم أن يدرسوا مجريات الأمور في غزوة خيبر حتى يزدادوا معرفة بعدوهم الصهيوني الخبيث، وليعرفوا ويدركوا ويفقهوا إستراتيجيات التعامل مع هذا العدو التاريخي الذي أصبح اليوم محتلاً لأرض فلسطين الحبيبة، وقاتلاً إرهابياً لأهلها، ومدنساً ومنتهكاً لحرمة ومكانة المسجد الأقصى المبارك، فك الله أسره وعجّل بتحريره، بل وأصبح هذا العدو مدعوماً من القوى العالمية التي أقنعت بعض الأنظمة للتطبيع معه، مما سيعطيه من القوة بتغلغله السياسي إلى جزيرة العرب؛ مما يشكل خطراً متنوعاً ومعقداً يستدعي حذراً وعملاً يوقف تحركه ويقطع أمله ويفشل خططه ويردع مؤامراته!
إن دراسة متأنية ذكية لغزوة خيبر كفيلة أن تجعلنا ندرك أهمية دورنا الإيجابي للقضاء على السرطان اليهودي الخبيث! كما تم القضاء عليه في غزوة خيبر، حيث:
– إنها أطول معركة خاضها المسلمون في العهد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
– بانتصار المسلمين في خيبر تم اقتلاع جذور الوجود اليهودي الدخيل في خيبر.
– لقد كانت خيبر أقوى وآخر معقل لليهود في جزيرة العرب.
– باستسلام يهود خيبر استسلمت بقايا الجيوب اليهودية في فدك ووادي القرى وتيماء وكل مناطق الشمال.
– بالقضاء على الوجود اليهودي في خيبر انتشر الأمن والسلام والاستقرار في أقاليم الجزيرة العربية.
– بعد تطهير خيبر من دنس اليهود، تم فتح مكة معقل الشرك ودانت الجزيرة العربية للإسلام.
– كانت خيبر قاعدة عسكرية ينطلق منها اليهود لحرب المسلمين.
– غزوة الأحزاب العاتية كانت نتيجة من تآمر اليهود في خيبر.
– أيقن المسلمون بعد غزوة الأحزاب وقبل خيبر أن اليهود سرطان يجب استئصاله قبل أن يستفحل أمره فيستحيل علاجه.
– أيقن المسلمون أن غدر اليهود يجب ألا يُقابل بالتسامح والعفو، حيث لا يجدي معهم غير الاستئصال ولذا كانت غزوة خيبر.
– أدرك المسلمون بعد غزوة الأحزاب ووجود اليهود في خيبر أن كيان المسلمين ودولتهم الفتية في خطر دائم ما دام هؤلاء اليهود المتآمرون مستقرين في خيبر أقوياء آمنين.
– اتضح للمسلمين بعد غزوة الأحزاب أن اليهود الذين غدروا بالمسلمين وتآمروا مع المشركين رغم انكسارهم واندحارهم ما هم إلا ذنب الأفعى، وأن رأسها بشروره وسمومه ما زال موجوداً نابضا حياً في خيبر فيجب الإجهاز عليه!
– بعد نسف آخر معقل لليهود بالجزيرة العربية في خيبر انهارتْ كل معاقل الغدر اليهودي، وكان ذلك في العام السابع من الهجرة الميمونة، وبذلك تخلصت جزيرة العرب من السرطان اليهودي القاتل الذي فتك بها قروناً عديدة!
– كان للعقيدة والإيمان الدور الأساس في النصر الذي حققه المسلمون في غزوة خيبر، حيث كان اليهود الأكثر عدداً وعدة وسلاحاً وحصوناً، فقد كان عددهم 14 ألف مقاتل بينما عدد المسلمين 1400 مقاتل(1)!
– حين يكون المسلمون قلباً واحداً جهادهم في سبيل الله بعيدين عن المصالح الخاصة هدفهم رضا الله سبحانه وتعالى فالنصر حليفهم يرونه رأي العين، كما حدث في غزوة بدر حين أنزل الله عليهم قبل المعركة غيثاً طهرهم به وأذهب عنهم وسوسة الشيطان وثبت به أقدامهم، وأمر الملائكة أن تقاتل معهم وتقطع أصابع الكفار وأعناقهم، أما في غزوة خيبر حين انطلقت غطفان لدعم اليهود أسمعهم الله في أموالهم وأهليهم صوتاً أخافهم فظنوا أن عدواً يتربص بهم، أو أن المسلمين قصدوهم دون يهود فعادوا إلى ديارهم متوجسين، وتخلوا عن دعم يهود خيبر، وكفى الله المؤمنين قتالهم(2).
– إن هذه الغزوة توضح معلماً عاماً لخطة المصطفى لتوحيد جزيرة العرب تحت راية الإسلام، وتحويلها إلى قاعدة لنشر الإسلام في العالمين، فقد خطط عليه الصلاة والسلام ألا يسير إلى مكة إلا بعد أن يكون قد مهد شمال الحجاز إلى حدود الشام، وأن تكون الخطوة الأخيرة هي الاستيلاء على خيبر وغيرها من المراكز اليهودية شمال الحجاز؛ ليحرم القبائل المحيطة به من أي مركز يمكن أن يعتمدوا عليه في مهاجمة الدولة الإسلامية الناشئة(3).
– إن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يمل ولم يَكل في مجاهدة اليهود وإذلالهم وإخضاعهم حتى يعرفوا قدرهم وحجمهم فيرعَوُوا ويثوبوا إلى رشدهم ويكفوا عن طغيانهم وأذاهم للمسلمين! فواصل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام رضي الله عنهم دروب الجهاد وطرقه ووسائله وأدواته حتى تحقق لهم نصر الله تعالى.
ولما قَدمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خيبر، صلَّى بها الصُّبحَ، وركب المسلمون، فخرج أهل خيبر بمساحِيهم ومكاتِلهم، ولا يَشْعُرونَ، بل خرجُوا لأرضهم، فلما رأوا الجيش، قالوا: محمَّدٌ واللهِ، محمَّدٌ والخميسُ، ثم رجعوا هاربين إلى حصونهم، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: “اللهُ أكبرُ خَرِبَتْ خيبرُ، اللهُ أكبرُ خَرِبتْ خيبرُ، إنَّا إذَا نزَلْنَا بساحةِ قَوْم، فَسَاء صَبَاحُ المُنْذَرِين”(4).
والحمد لله رب العالمين.
_______________________________________
(1) محمد بن أحمد باشميل، موسوعة الغزوات الكبرى ج1/ مقدمة الكتاب تلخيص وتصرف.
(2) عثمان قدري مكانسي، قراءة في غزوة خيبر.
(3) أمير بن محمد المدري، غزوة خيبر دروس وعبر.
(4) ابن القيم الجوزية، زاد المعاد في هدي خير العباد ج3.