لم يكن أحد في مصر يتوقع ما حدث في محافظة الإسماعيلية الشهيرة (شرق البلاد) بعراقة أهلها ونضالهم، ولكن جاءت الجريمة التي وقعت مطلع نوفمبر الجاري بإحدى ضواحي المحافظة، حيث ذبح أحد أبنائها الشباب جاره صاحب الخمسين سنة بساطور في ميدان عام ثم سار برأسه بعد التمثيل بجثته على مرأى الأهالي بدون أي تدخل منهم، لتنضم الجريمة لموجة من حوادث العنف المجتمعي المتكررة بالمجتمع المصري في الفترات الأخيرة، وفق مراقبين.
“المجتمع” طرحت الأمر على خبراء مختصين الذين، بدورهم، أبدوا انزعاجهم الشديد من جراءة القاتل وبشاعة الجريمة، وقدموا، خلال هذا التقرير، روشتة علاج قامت على التركيز على الأبعاد الدينية والاجتماعية في الحل، عبر زيادة التدين والوعي بالتسامح والعفو وسيادة القانون والحقوق من خلال تضافر جهود جميع المؤسسات.
خضر: لا بد من تضافر الجهود والترويج للقيم والتسامح
تضافر الجهود
وتعرب استشارية العلاقات الأسرية والاجتماعية د. منال خضر عن أسفها، في حديث لـ”المجتمع”، عما وصل إليه العنف المجتمعي في مصر، حيث تخطى أخطر درجات العنف مع جريمة الإسماعيلية التي لم يشهدها الشعب المصري منذ عشرات السنين، حتى أصبح مؤشر العنف مخيفاً ويحتاج إلى استنفار كل طوائف المجتمع للتضافر معاً لمواجهة هذه الظاهرة.
وترى أن أهم أسباب ظاهرة العنف المجتمعي البعد عن الدين، وتجريف المجتمع من القيم العليا للدين، وغياب أهمية الكليات الشرعية الخمس عن الوعي العام من حفظ الدين والنفس والعقل والعرض.
وتشير إلى أن هناك ضرورة لتفعيل تواجد القيم العليا في المجتمع القائمة على أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك، وألا تعتدي على مال أو عرض أو نفس، مع التأكيد على أهمية التناصح والأمر بالمعروف والنهي عن الجرائم والمنكرات، ومع غياب بعض هذه القيم وتقلص التوعية انتهى الأمر إلى تصدر شريعة الغاب والوحوش، حيث يقتل القوي الأضعف ولا يوجد تراحم بين الناس، وتموت المشاعر الإنسانية وتغيب عرى المواطنة والإنسانية والقربى.
وتشير خضر إلى أن الضغوط الاقتصادية المستمرة التي يتحملها المواطن المصري قد تؤدي إلى انفلات غير عادي وغضب مخيف لا يستطيع الإنسان فيه السيطرة على نفسه ويتحكم في غضبه في ظل وجود مسلسلات تصدر فكرة “البطل البلطجي” الذي ينتصر دائماً، وأغاني مهرجانات بذيئة ومليئة بلغة البلطجة ما أدى إلى تصاعد الجريمة.
وترى خضر أن العلاج المجتمعي يكمن في العودة إلى الدين واحترام قيمه وتفعيل شريعته في المجتمع، مع نشر النماذج الناجحة والمتميزة بالمجتمع، وتصدير القدوات الصالحة والحديث عنهم ونشر أخبارهم.
أبو العزم: سيادة القانون هي الطريق لصون الإنسان
وتؤكد خضر أهمية إعلاء قيم التسامح والتغافر والتكافل والود والحب بين أفراد المجتمع، كخطوة مهمة في حصار الانتقام المجتمعي والعنف المتصاعد، بجانب قيام مؤسسات الدولة بدورها الحقيقي والإصلاحي والتواصل الجيد مع الناس لمعرفة ما أهم المشكلات التي يعاني منها المجتمع.
سيادة القانون
على المسار الحقوقي والقانوني، يرى المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان محمد أبو العزم أن جريمة الإسماعيلية هي الغياب القانوني في أوضح تصوراته، ما أوجد العنف المجتمعي بأعلى صوره، والتطرف النفسي بكل بشاعته، وهو ما يحتاج فوراً إلى نشر ثقافة سيادة القانون والحقوق والحريات المبنية على وقائع ناجزة في محاسبة الخارجين عن القانون في أوساط المجتمع.
ويشير إلى أن الإفلات من العقاب ورواج البلطجة في مراحل بعينها في وقت سابق للتخديم على مسارات بعينها ومنها ما فعله الرئيس الأسبق حسني مبارك من استخدام البلطجية في قمع الرافضين لحكمه، امتدت آثاره السيئة إلى المجتمع ككل، وبالتالي لا بد من إقرار العدالة الانتقالية التي أقرها الدستور في المادة (241) التي تأخرت، خاصة أن نص المادة يقول: “يلتزم مجلس النواب في أول دور انعقاد له بعد نفاذ هذا الدستور بإصدار قانون للعدالة الانتقالية يكفل كشف الحقيقة والمحاسبة واقتراح أطر المصالحة الوطنية وتعويض الضحايا وذلك وفقاً للمعايير الدولية”، وهو ما لم يحدث حتى الآن.
ويوضح أن قانون العقوبات ينص في جرائم القتل العمد بالإعدام إذا تقدمتها أو اقترنت بها أو تلتها جناية أخرى، وهو ما ظهر في جريمة الإسماعيلية، حيث تصنف جريمة قتل عمد اقترن بها جريمة الشروع في القتل، لمحاولة الجاني بحسب الفيديوهات المنتشرة قتل رجل آخر حاول أن يحمي المجني عليه، مؤكداً أن هناك حاجة إلى إعلان الحكم بنفس طريقة رواج الجريمة أو أكثر حتى نحقق الردع القانوني.
عضو بهيئة الوعاظ: زيادة التدين هو الحل وقوافلنا ستعالج الأمر
زيادة التدين
ويرى الباحث الشرعي وعضو هيئة الوعظ والإرشاد بالأزهر الشريف الشيخ عبدالله حسني أن جريمة الإسماعيلية حدثت نتيجة قلة التدين والعلم بالدين والشريعة التي تحرم مجرد ترويع النفس، فما بالك بقتلها التي جاءت التحذيرات فيها معظمة تدور حول من قتل يقتل، وأنها كبيرة من الكبائر، وأن القاتل لا يشم رائحة الجنة.
ويشير، في حديث خاص، إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من سفك الدماء، واعتبر دم المسلم أعظم حرمة من هدم الكعبة، وهو ما يجب أن يركز عليه الدعاة والوعاظ لمواجهة مثل تلك الجرائم غير المسبوقة، عبر زيادة التدين والخوف من الوقوع في هذه الخطايا النكراء.
ويتوقع حسني أن الأزهر الشريف سيضع ما حدث في الإسماعيلية على جدول أعمال وعّاظه في الفترة المقبلة في القوافل التوعوية التي تجوب القطر المصري من الشمال إلى الجنوب.
ويوضح أن الأزهر الشريف يمارس دوره عبر وعّاظه المختارين عن علم وتقوى، الذين يشتبكون مع الواقع أول بأول لتوعية المواطنين بأحكام الدين وشريعته السمحة؛ وهو ما يعني التعامل مع تلك الجريمة في قوافل الأزهر التوعوية عبر دعاة الوعظ والإرشاد.