الحروب السيبرانية حروب تستخدم فيها التكنولوجيا والأقمار الصناعية، ومن الممكن أن تبعد الحرب عن أرض الصراع آلاف الأميال وخسائرها تكون كبيرة؛ سياسية واقتصادية، ومن يديرها لا يتكلف ترسانة أسلحة ولا جيوشاً، وتستطيع أن تغير الخرائط والقرارات بضغطة زر!
وعلى جانب آخر، هناك حرب على نفس نمط الحروب السيبرانية، ولكنها حروب ضد الأخلاق وضد القيم وضد الفطرة، وتعتبر أخطر من الحروب السيبرانية؛ فهي تهدم الإنسان من الداخل، تهدم قيمه وأخلاقياته، وتحوله إلى إنسان سلبي لا يُعتمد عليه، وأخطر من هذا يصبح مهدداً لاستقرار الأسرة وقيم المجتمع، وفي النهاية يدخل دائرة الإجرام.
وبدأت هذه الحروب بمواقع التعارف بين الجنسين ودون ضوابط ومواقع لنشر الجنس والشذوذ الجنسي والدفاع عن الشواذ والترويج للفكر الإلحادي.
واليوم تطل علينا هذه الحرب بمفسدة جديدة ربما كانت موجودة من قبل ولكن تم التسويق لها، بعد تحويرها، بحيث تخرجها عن سياقها الشرعي وتصبح مجرد لعبة إلكترونية، وهي نشر القمار والميسر عن طريق برامج وألعاب يستطيع الشخص أن يشارك في اللعبة بمبلغ بسيط مع مجموعة من اللاعبين، وتصبح هناك مقامرة وفق نمط لعب يعتمد على الفوز والخسارة، والفائز يكسب جميع الأموال.
من بديهيات القول: إن القمار والميسر محرمان بالنص القرآني الواضح (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (المائدة: 90)، بل إن بعض العلماء حرم المراهنة حتى لو كانت بدون أموال، والقمار هو وسيلة للكسب السريع والخسارة السريعة، وأضرار القمار كثيرة؛ منها إضاعة المال وإشاعة البغضاء والعداوة بين المراهنين، ويصل الأمر إلى حالة من الإدمان التي تسمى «القمار القهري أو اضطراب القمار»، وهو يؤدي إلى نشوء رغبة بلعب القمار لا يمكن السيطرة عليها، وبالنهاية يندفع المقامر إلى السرقة أو بيع ممتلكاته والعيش في حالة من الاضطراب والتفكير فقط في لحظة المقامرة، ناهيك عن المشكلات الأسرية والاجتماعية التي يخلقها القمار.
وإن كان القمار في السابق عن طريق لعب الورق وأجهزة كهربائية فيما يسمى بالكازينوهات، فالقمار اليوم بين يدي الشخص وتحت أصابعه عبر أجهزة الهاتف، والكمبيوتر، وعن طريق لعبة حظ بمسمى مباشر أو غير مباشر.
ومواقع الشركات المنتجة لبرامج القمار تسعى لتسويق برامج القمار عبر وسائل دعائية من وضع رصيد مالي في حساب من يحمل اللعبة بجهازه، أو تكثيف الإعلانات عبر مواقع التواصل الاجتماعي وعبر الدعايات الإلكترونية.
وللأسف، انتشرت مواقع وألعاب القمار بالفترة الأخيرة بين الشباب والمراهقين، وأصبح التعامل معها عادياً وكأنها لعبة بمبلغ مالي، ولعل السبب الرئيس في زيادة الإقبال من قِبَل الشباب وغيرهم على لعبة القمار هو عدم معرفتهم بالحكم الشرعي، والنظر للقمار على أنه مجرد لعبة، والأمر الآخر أن البعض ينقصه الوازع الديني والمراقبة والخوف من الله تعالى، فليس لديه مشكلة بحرمة القمار، ويمارسه للتكسب المالي غير المشروع، والأمر الثالث نجاح الشركات المنتجة لألعاب القمار في التسويق لها، وخداع الناس فيها، والأمر الرابع عدم وجود رقابة من أولياء الأمور على أبنائهم، وعدم توجيههم لحسن استخدام الأجهزة الإلكترونية، وتعزيز المراقبة الذاتية.
اليوم، هناك دور كبير للآباء والأمهات والدعاة وجهات الرقابة الإلكترونية في كل دولة، والمؤسسات والجمعيات القيمية في التصدي لهذا الأمر وغيره من الأمور التي تدعو لهدم الأخلاق وإفساد الشباب.. وخلق البدائل لهم، والتوجيه باستمرار للقضاء على هذا التطور السريع في نشر وبث والترويج للبرامج المفسدة للأخلاق والقيم.