حسن المعاملة من حسن أخلاق المتعامل وتربيته، فإن كانت نشأته راقية؛ حسنت وظهرت ثمرتها في تعامله مع الآخرين صغر هذا الآخر أو عظم.
والميزان في هذه الأخلاق قوله تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) (الحجرات: 13)، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً”، أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
ويقول الشاعر:
هي الأخلاق تنبت كالنبات إذا سقيت بماء المكرمات
تقوم إذا تعهدها المربي على ساق الفضيلة مثمرات
لا شك أن أي إنسان حينما يتعامل مع المقابل بحسن الخلق وحسن التعامل يعمل من منطلق خلقه وتربيته التي نشأ فيها وعليها، والمقابل حينها سيتعامل معه بهذا الرقي العالي مقابل رقيه من غير أدنى شك.
حسن التعامل مع الناس كما هو معلوم واجب شرعي، وخلقي كما قال تعالى: (وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً) (البقرة: 83)؛ حسناً مطلقة قالها للناس جميعاً، كبيرهم وصغيرهم، أميرهم وخادمهم، مسلمهم وغيره.
كما قال صلى الله عليه وسلم: “تَبَسُّمُك في وَجْه أَخِيك لك صدقة”، صدقة عامة لا زكاة خاصة!
صدقة مطلقة لأخيك الإنسان مهما كان موقعه، وعمله، وعرقه، ودينه كإنسان.
ومن حسن الخلق والتعامل الابتسامة، والسلام على من تمر عليهم، وتقديم الخدمة من موقع عملك أو من باب التطوع في مساعدة الغير، وأيضاً من حسن التعامل احترام المواعيد، فاحترام المواعيد يعني احترام وقت الغير وزمنهم، وقبل هذا وذاك احترام نفسك وذاتك.
أما التواضع فحدِّث ولا حرج في نتائجه الإيجابية على ذات الإنسان ومن حوله.
واحذر من الحديث في عيوب الآخرين وبشكل حاد باسم النصيحة، وإن كان لا بد فاحرص كل الحرص على حسن الحديث والتعامل، وأن تبدأ في محاسن المعني ومدحه على إيجابياته، ومن ثم الحديث حول ما هو سلبي بفن وذوق، مع حسن اختيار المفردة وبيان التواضع بقصد الإصلاح لا الأستاذية!
وكما هو معلوم كما تقول الحكمة: “الدين المعاملة”، وهذه المعاملة الأخلاقية الراقية كانت سبباً في دخول الملايين في دين الإسلام؛ بل كل شرق آسيا دخلوا الإسلام بسبب التعامل الحسن والخلق الراقي من قبل تجار المسلمين وبالأخص تجار مسلمي اليمن الذين كانت لهم الصولة والجولة تجارة في تلك البلدان.
الإسلام جاء بنظامه الشامل في علاقة الإنسان بربه، والإنسان بالإنسان مسلماً أو غير ذلك، ليكون أثره إيجابياً على الجميع ما دمنا نعمل بخلقه وبمبادئه، هؤلاء التجار تشربوا أخلاق الإنسان السوي والإسلام العظيم، فصدقت نياتهم وارتقت أخلاقهم إلى أجمل صور الكمال، فكان أثرهم على الآخرين إيجابياً فدخلوا الإسلام أفواجاً بالملايين، فهم تمثلوا قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: “أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم”، أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
لقد استوعب هؤلاء التجار قول الله تعالى وقول محمد صلى الله عليه وسلم السالف الذكر، وما قاله سيدنا علي رضي الله عنه بدقة: “اجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرك، فأحب لغيرك ما تحب لنفسك، واكره له ما تكرهه لنفسك، ولا تظلم كما لا تحب أن تُظلم، وأحسن كما تحب أن يحسن إليك، ولا تقل ما لا تحب أن يقال لك”.
فن التعامل وحسنه هو الأسلوب الأكثر حصاداً الذي يسبق طرح الأفكار والدعوة، وهو من أقوى محاور الدعوة إلى الله تعالى؛ وذلك كما بينه الله تعالى: (دْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (النحل: 125).
الحكمة والمعرفة والعلم، وانتقاء المفردة واللين، التي أثرها على المقابل عظيم، وتسهل حصاد الثمرة المنشودة.
ومن أروع التعامل الحسن تعامل السيد مع الخادم، وما أروع سيدنا وقدوتنا صلى الله عليه وسلم مع أم محجن التي كانت تعمل على تنظيف المسجد رضي الله عنها وأرضاها، وحرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصلاة عليها وهي في قبرها والدعاء لها.
هناك كثير من الناس كان حسن تعاملهم مع العاملين في منازلهم سبباً في دخولهم الإسلام.
نعم حسن الخلق والتعامل يساعد على كسب حب الآخرين، واكتساب الاحترام من الآخرين، والمعاملة الحسنة تؤكد غرس الثقة وتقوية الروابط بين الناس عموماً، وهذا الترابط والخلق في النهاية لا يصب إلا في خدمة الإنسانية، وكل من يخدمها بشكل صحيح -الإنسانية– لا شك هو في خدمة الدين العظيم دين الإسلام؛ كيف لا وهي محور عظيم من محاور الدين العظيم.
________________
إعلامي كويتي.