لا تكفيه الكلمات عرفاناً وتقديراً، إنه المفكر الإسلامي د. حسن الشافعي، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، رئيس اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية، رئيس مجمع اللغة العربية السابق، الحاصل مؤخراً على «جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام» 2022م.
التقته «المجتمع» في مقره المفضل بمجمع اللغة العربية بوسط العاصمة المصرية القاهرة، حيث يستقبل تلاميذه ومحبيه وعارفي فضله للتهنئة بفوزه بالجائزة العالمية، وقد فتح قلبه لنا مشكوراً رغم ضيق وقته تقديراً للمجلة ومكانة دولة الكويت الكبيرة في قلبه.
وقد ركز الحوار على الحديث عن سياق فوزه بـ«جائزة الملك فيصل» انطلاقاً من رحلته العلمية الطويلة في خدمة الدين في مختلف بقاع الأرض، وقد أوصى فضيلته الأمة والأجيال الصاعدة بالثقة في الله عز وجل، والحفاظ على أوقاتهم وأعمارهم، مؤكداً أن المجتمع العربي بحاجة إلى صون القيم وحماية المجتمع من موجات الانحلال والفوضى أو الغلو والتشدد، ولذلك تبرع بقيمة الجائزة لوقف خيري لصالح طلاب العلم من أجل حماية المستقبل من شر الجهل.
إذا كانت الجائزة عن خدمة الإسلام فإننا مدينون لهذا الدين وما قمت به جهد المقل لخدمة ديني
بداية، نرحب بفضيلتكم، ونهنئكم بنيلكم «جائزة الملك فيصل»؟!
– أرحب بكم في مجمع اللغة العربية، وأشكركم على التهنئة، وأحيي مجلة «المجتمع» التي كنت دائماً أزورها في دولة الكويت الحبيبة التي لها دور كبير في دعم الجهاد الفلسطيني ورفض التطبيع وعدم استقبال أي من الصهاينة، وهو موقف عظيم يُحسب لها.
ماذا تقول عن اختياركم هذا العام للحصول على “جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام”؟
– لقد رأت لجنة موقرة من علماء متخصصين في هذا العبد الفقير نواحي من أجلها يمكن أن تختم حياته -وأنا الآن في عمر الثانية والتسعين- بمثل هذه الجائزة التي هي أعلى جائزة في نطاق العالم الإسلامي والعربي.
وفي الواقع أنه إذا كانت الجائزة عن خدمة الإسلام، فإننا مدينون لهذا الدين بالكثير، وأعتبر ما قمت به طول رحلتي هو جهد المقل لخدمة ديني، ومحاولة لرد الدَّيْن الذي نعمنا به في ظل هذا الدِّين الحنيف.
تبرعتُ بالقيمة المالية للجائزة لوقف لخدمة الإسلام ببنك فيصل ونذرت ثوابها لروح الملك فيصل
ما السياق الذي جاء فيه قراركم بالتبرع بالجائزة لصالح وقف لطلاب العلم؟
– في الحقيقة، الجائزة جاءت عن خدمة الإسلام؛ فأردت أنا أجعلها لخدمة الإسلام، والتقدير المعنوي شيء عظيم وهو على رأسي، وأنا مدين به لرجال المملكة وفي مقدمتهم جلالة الملك سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله تعالى، والقيمة المالية تبرعت بها لوقف أقيم في بنك فيصل الإسلامي الدولي أيضاً، أي أن كل الأمور تابعة للملك فيصل، وكنت قد أقمت هذا الوقف قبل 15 عاماً في بنك فيصل، وكان بصحبتي د. علي جمعة، مفتي الديار المصرية في ذاك الوقت، والناس تظن أن البر مقصور على الأيتام والفقراء ونحوهم وهذا حق، ولكن هناك ما هو أوسع من هذا، ومنه رعاية الباحثين وطلاب العلم وتنمية البحث العلمي.
وقد أقيمت منذ بداية الوقف مكتبة عامة في مدخل الأزهر الشريف، ونسعى لإتمام تدشين مركز للدراسات والبحوث الإسلامية خاصة في أصول الدين والفقه، ويوجد مجلة لكن لم يصدر أول أعدادها بعدُ رغم حصولنا على الترخيص، ونذرت لله تعالى ثواب هذا التبرع لروح الملك فيصل؛ لاعتقادي أن هذا الرجل لم يكن حاكماً متميزاً أو ملكاً مرموقاً فقط، لكنه كان ولياً من أولياء الله عز وجل، والله أعلم به وهو وحده حسيبه.
كيف نحمي القيم والمجتمع في هذا العصر؟
– حماية المجتمع وخدمته لها جانبان؛ الأول: جانب اجتماعي واقتصادي، وهو تتكفل به خطط التنمية؛ فإنها تخلق أماكن العمل ووجوهه، وتعطي للشباب فرصة أن يحقق وجوده وآماله، الثاني: الجانب العلمي من أجل حماية المعتقدات والمضمون الفكري والبر والمعروف وتيسير طريقة الحياة وفق ما يرضي الله تعالى، وهذا ما يعمل عليه الوقف الذي أسسته، من أجل خدمة الإسلام.
وحتى نحمي القيم والمجتمع فلا بد من اجتماع الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والعلمية عبر خطط تنموية على أساس من الإسلام وقانونه في الزكاة وغيرها من وسائل الكفاية والرعاية الاجتماعية للمسلمين، خاصة للشباب والمعوزين، بالإضافة إلى حسن التوجيه والتكوين وحمايتهم من التحلل والإلحاد أو التطرف والتشدد.
لحماية المجتمع يجب اجتماع الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والعلمية عبر خطط تنموية إسلامية
ورُوِي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلْفٍ (كل جيل) عُدُولُهُ (أفضل أهله)، يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ (الغلو)، وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ (الابتداع)، وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ”، ومن أخطر ما يواجه المجتمع الآن أيضاً دخول غير أهل العلم على العلم؛ ما أوجد فئة متشددة ومتطرفة لا تراعي قوانين الشرع الإسلامي في فهم الدين.
لفضيلتكم رحلة طويلة في مسار العلم والحياة، ما أبرز خلاصات هذه الرحلة؟
– الخلاصة من هذه السيرة المتواضعة التي يمثلها العبد الفقير إلى ربه حسن الشافعي جانبان؛ جانب في خدمة العلم، وجانب في خدمة الخلق؛ فنحن مطالبون بخدمة الخلق جميعاً، سواء كانوا مسلمين أم غير مسلمين، ونحن حين نخدمهم نتمنى لهم أشرف شيء وأعز مكانة في حياتنا.
وقد مكنني عملي في جامعات باكستان ومعظم البلدان العربية تقريباً؛ مكنني بشكل أو بآخر من خدمة المجتمعات من خلال بناء مناهج علمية أو تحكيم أو زيارة لمتابعة تنفيذ تأسيس الأقسام العلمية غرباً وشرقاً تقريباً، وأنا أعتبر هذه الخدمات هي أحد الجوانب العملية المطلوبة من الإسلاميين في خدمة الخلق.
وكان يأتينا في الجامعة الإسلامية بباكستان بشر من أقطار شتى لا تعرف اللغة العربية ولا يعرفون من الإسلام إلا الاسم، ولا يعرفون حتى حرمة الخمر، ووفقنا الله أن تكون هذه الجامعة منارة في هذا المنطقة، ووفقنا الله كذلك أن توغلت العربية والإسلام في قلب الوافدين.
وقد عانيت أنا وغيري كثيراً من المتطرفين، رغم ما كنا نقوم به في خدمة الدين؛ حتى كان بعضهم لا يلقي علينا السلام، مظنة أننا من علماء السلطة وأتباع الشرطة، ويعلم الله تعالى أننا لم نكن ولن نكون لا هذا ولا ذاك، نحن أولياء للدين وللمسلمين ونخدم خلق الله أجمعين.
اجعل ثقتك بما في يد الله أوثق مما في يدك تعش كريماً عزيزاً
وفي الجانب العلمي، أسست مدرسة علمية ووضعت البذرة في علم القواعد الاعتقادية الشرعية، ولي بعض الجهود في إحياء علم الكلام وأصول الدين، وتخريج عدد كبير من الباحثين، ولي بعض الإصدارات، منها ما صدر مؤخراً، مثل: “حاشية الحسن على اللمع للإمام أبي الحسن الأشعري”، وهو إصدار كان في معرض القاهرة الدولي للكتاب الذي أقيم الشهر الماضي.
وسأقوم، بإذن الله تعالى، على بيان المقومات والخصائص لعلم القواعد الاعتقادية الشرعية من الكتاب والسُّنة وكتب الكلام والفقه وأصوله، حتى يدخل في الدراسات العربية والإسلامية.
في الختام، ما وصية فضيلتكم للأمة وللأجيال الصاعدة؟
– سأعطيكم وصيتين لا واحدة؛ أما الأولى فهي الثقة بالله عز وجل؛ فلتكن ثقتك بما في يد الله أوثق بما في يدك تعش كريماً عزيزاً وتمضِ إليه على خير حال، والثانية حفظ الوقت والعمر، فكل شيء يُعوَّض إلا الوقت، فإنه إذا فات لا يُعوَّض، وأقول للجميع: ثقوا بالله سبحانه ولا تضيعوا أعماركم تسعدوا دائماً.