تأسست مجلة “المجتمع” الكويتية مطلع سبعينيات القرن الماضي؛ حيث صدر العدد الأول منها يوم الثلاثاء 17 مارس 1970م، ومنذ ذلك التاريخ بدأت “المجتمع” -باعتبارها مجلة إسلامية شاملة- نشر الثقافة المركبة الجامعة، وحرصت على التعريف بقضايا الإسلام والمسلمين في أنحاء العالم، فكان القراء يتلقَّفون أعدادها ويقرؤونها من الغلاف إلى الغلاف بكل شغف وسعادة.
والمتابع لتاريخ “المجتمع”، الممتدِّ عبر خمسة عقود، يلاحظ أنها لم تكن لسان دولة الكويت أو جمعية الإصلاح الاجتماعي فقط، بل كانت بصدق “مجلة المسلمين في أنحاء العالم”، ناطقة ومعبِّرة عن هموم المسلمين أينما كانوا؛ ففيها تُطالع الفتاوى الشرعية وأخبار الدعوة والدعاة والحركات الإسلامية والمقاومة في فلسطين، وتقرأ عن الفكر والأدب والحضارة والتاريخ والجغرافيا، وتتعرّف على واقع الأقليات المسلمة في أرجاء قارات الدنيا.
ولد صالح: “المجتمع” شكلت عامل ربط للمسلمين وقدَّمت ثقافة مُركّبة جامعة
ويبدو أن موريتانيا من بين الدول التي كانت تصلها “المجتمع” من خلال اشتراك بعض الجمعيات الثقافية بموريتانيا في المجلة، فنشأ هناك جيل من المثقفين الموريتانيين ينتظر صدور أعداد “المجتمع” ليقرأها بِنَهَمٍ من الغلاف إلى الغلاف، ومن ثم الاحتفاظ بها في مكتبته الخاصة.
وبمناسبة مرور 52 عاماً على التأسيس، سنسلط الضوء من خلال هذا التقرير على جوانب من ذكريات المثقفين الموريتانيين مع “المجتمع”، التي كانت تمثل لهم منبراً ثقافياً ينشط الفكر ويغذي العقل، ويُعرّف بقضايا الإسلام والمسلمين في أنحاء العالم، ويدعو إلى الخير والدعوة والإصلاح، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
مدرسة دعوية
يبدو أن د. الشاعر محمد الأمين بن الشيخ بن مزيد كان من أوائل المثقفين الموريتانيين الذين تعرفوا على المجلة؛ حيث قال، في تصريح لـ”المجتمع”: تعرفت إلى مجلة “المجتمع” عام 1976م عند ما التحقت بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، فقد كان معي طالب كويتي كان عنده الكثير من أعداد المجلة السابقة، فكنت آخذها منه وأقرؤها، ثم عرفت أين تباع، فكنت أشتريها كل ثلاثاء من مكتبة الثقافة لأحمد محمد نمنكاني، رحمه الله تعالى، في المدينة المنورة قرب المسجد النبوي.
ولد مزيد: “المجتمع” مدرسة دعوية سياسية جهادية وأمر بمعروف ونهي عن منكر
وأضاف: كانت “المجتمع” مجلة جهاد ومقاومة، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، حيث كانت تحمل إلى قرّائها كل ثلاثاء أخبار العالم الإسلامي طازجة في شريط الأخبار، من غير أن ينقص ذلك من متابعتها الدقيقة للشأن المحلي، وكانت تجري المقابلات مع قادة الرأي والعلم والفقه والفكر والجهاد في العالم الإسلامي، وكانت افتتاحيات د. إسماعيل الشطي ثائرة مثيرة، وكان التعليق الأسبوعي لبدر سليمان القصار الذي كان رئيس التحرير قبل الشطي كذلك، وكان غلاف “المجتمع” يحمل كل أسبوع أبرز القضايا، ولا أنسى صورة السادات مرفقة بـ”مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي”، لقد كانت “المجتمع” مدرسة دعوية سياسية جهادية.. حيّا الله تلك الأيام.
ولد الرَّجُل: “المجتمع” كانت وسيلة التثقيف الأهم من بين العديد من المجلات
مجلة للمسلمين
بدوره، قال د. محمد محمود ولد سييدي، وزير التعليم العالي سابقاً، في تصريح لـ”المجتمع”: تعرفت إلى “المجتمع” عام 1988م يوم كنت طالب دراسات عليا في جامعة محمد الخامس بالمغرب، وفي عام 1990 توطَّدت علاقتي بـ”المجتمع” أكثر عندما زرت مكتبة بالمغرب، وقبل عودتي إلى موريتانيا قمتُ بشراء كميات كبيرة من مجلات “المجتمع”، و”العربي”، و”الأمة”، ثم اشتركت في “المجتمع” تحديداً، وصارت تأتيني بشكل دوري عن طريق البريد.
وأضاف: في بداية النشاط الدعوي بموريتانيا، كانت “المجتمع” المصدر الأساسي بالنسبة لنا في المحاضرات والندوات التي كنا ننظمها في الجمعيات الثقافية والشبابية، وبما أننا نحصل على عدد واحد كنّا نقوم بتصوير المقالات والدراسات الموجودة بالمجلة ونوفرها للمهتمين بها، ومن كثرة تداول العدد الواحد بين مئات القراء الموريتانيين يصبح متهالكاً فيتساقط ورقة ورقة، وبعد فترة لا يبقى منه إلا صفحات نادرة.
ولد أحمد جدو: كنا ننتظر أعداد “المجتمع” كانتظار الظامئ الصادي للزلال العذب
وأكد ولد سييدي أن “المجتمع” كانت طمجلة المسلمين في أنحاء العالم”، وكانت مادتها متميزة جداً، ويظهر تميزها في خمسة مجالات، هي:
أولاً: نقل أخبار المقاومة الفلسطينية وأخبار أفغانستان والبوسنة والجاليات المسلمة في الغرب والأقليات المسلمة في البلاد الشيوعية.
ثانياً: التعريف بالمؤامرة على العالم الإسلامي من طرف الماسونية والجماعات الباطنية والحركات السرية التي تكيد للإسلام.
ثالثاً: تغطية حركة التنصير في أفريقيا والتعريف بأساليبها وشعاراتها ومناطق تدخلها وخطورة تأثيرها على المسلمين.
رابعاً: وضوح الرؤية في الفكر الإسلامي، فقد كانت “المجتمع” تنحت بشكل ممنهج ومؤصل خصوصية الفكر الإسلامي عن مختلف الخطابات الأيديولوجية -كالليبرالية والشيوعية- التي كانت تتصارع.
ولد سييدي: “المجتمع” نحتت بشكل ممنهج ومؤصّل خصوصية الفكر الإسلامي عن مختلف الخطابات الأيديولوجية
خامساً: الالتزام الفردي، فقد قدمت “المجتمع” لنا هدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم وعلاقته بزوجاته وأصحابه، وكانت بذلك تقدم للشباب المسلم منهجاً واضحاً يساعده على التميز في أخلاقه وعلاقته بالناس.
ثقافة مركبة
من جانبه، قال الشيخ ولد صالح، الأمين العام لهيئة كبار العلماء الموريتانيين، في تصريح لـ”المجتمع”: بدأت قراءة “المجتمع” الكويتية عام 1995، وقد شكّلت عامل ربط للمسلمين في جميع أنحاء العالم، فقد كانت تُقدِّم لنا الثقافة المركبة الجامعة بين ثوابت الشرع ونموذج التطبيق، كما كنا نتمتع بمتابعتها واقتناء ما جدّ من أعدادها.
من جهته، قال الداعية الشيخ أحمد ولد أحمد جدو: تعرفت إلى “المجتمع” في بداية التسعينيات عندما كنت طالباً في معهد العلوم الإسلامية والعربية في موريتانيا، لقد كانت “المجتمع” نادرة جداً، لذلك كنا ننتظر أعدادها كانتظار الظامئ الصادي للزلال العذب، ونذهب أحياناً إلى مكتبة بعيدة منا لأن صاحبها من مظانّ “المجتمع”، فنقوم باستعارتها لفترة قصيرة نظراً لشدة الزحام عليها، والحقيقة أن “المجتمع” كانت النافذة الوحيدة التي تزودنا بمستجدات قضايا الأمة الإسلامية بكل أنحاء العالم.
بنت النافع: تعرَّفتُ من خلال “المجتمع” على كتابات عدد من الكتَّاب العرب المميزين
وعن ذكرياته مع كتَّاب وأعمدة “المجتمع”، يضيف ولد أحمد جدو قائلاً: من الأعمدة التي كانت محببة إليّ عمود “نقوش على جدار الدعوة” الذي كان يكتبه جاسم مهلهل الياسمين، وعمود كان يكتبه سعيد الأصبحي عن “فن الابتسامة”، وعندما قدمت إلى الكويت كان من أول ما قمت به هو الاشتراك السنوي في “المجتمع”، فكان ساعي البريد يطرق باب منزلي كل أسبوع حاملاً تلك الهدية التي لا تقدر عندي بثمن (“المجتمع”)، وكان مما يزيدها قيمة عندي ما أعرفه من أهميتها عند المثقفين والقراء الموريتانيين الذين يوصونني دائماً بجلبها عندما أكون عائداً إلى موريتانيا.
وسيلة للتثقيف
أما إخليهن ولد الرَّجُل، باحث في المركز الموريتاني للدراسات والبحوث الإستراتيجية، فيبدو أنه تعرَّف إلى مجلة “المجتمع” عام 2001 في جمعية الحكمة الموريتانية فرع مدينة النعمة بالشرق الموريتاني، التي تبعد حوالي ألف كلم من العاصمة الموريتانية نواكشوط، الأمر الذي يؤكد انتشار مجلة “المجتمع” في موريتانيا على نطاق واسع.
وفي حديث عن ذكرياته، قال ولد الرَّجُل لـ”المجتمع”: مجلة “المجتمع” في فترة معينة كانت هي وسيلة التثقيف الأهم من بين العديد من المجلات، وكان يستهوينا فيها ما تنشره عن أخبار المقاومة في فلسطين، وجديد أخبار الحركات الإسلامية، كما أن كبار الدعاة الذين كانوا يكتبون في المجلة كالشيخ محمد الغزالي، والعلامة يوسف القرضاوي، والداعية فتحي يكن، وفهمي هويدي.. وغيرهم، وكانت مقالاتهم تستهوينا كشباب وتدفعنا إلى الاهتمام بالمجلة وقراءتها من الغلاف إلى الغلاف.
بنت أحمد سالم: “المجتمع” كانت تمثل بالنسبة لي شريان الحياة وكنت ألتهمها من الغلاف إلى الغلاف
وأضاف: هذا إضافة إلى ركن الفتاوى الذي كان يطرق القضايا الساخنة المطروحة في الساحة، وكان يفتي فيه في الغالب العلامة يوسف القرضاوي، والعلامة الكويتي عجيل النشمي، وكان ركن “معالم في الطريق” للداعية توفيق الواعي مميزاً ورائقاً، مؤكداً أن “المجتمع” لم تكن متوفرة في السوق للبيع، وكانوا يحصلون عليها من خلال الجمعيات التي كانت مشتركة فيها مثل جمعية الحكمة وغيرها.
شريان حياة
على مستوى موريتانيا، يبدو أن “المجتمع” لم تكن حكراً على الرجال، بل كان لها جيل نسائي يلتهمها التهاماً وينتظر صدروها من حين لآخر، من هذا الجيل: أم المؤمنين أحمد سالم، رئيسة سابقة للمنظمة النسائية لحزب تواصل الإسلامي، التي قالت في تصريح لـ”المجتمع”: “المجتمع” كانت بالنسبة لي تمثل شريان الحياة، وكنت ألتهمها التهاماً من الغلاف إلى الغلاف.
بدورها، قالت الأستاذة خداجة محمد سيديا: كنت من قراء “المجتمع” القدماء، وكنت أستمتع بالقراءة على الدوام لبعض كتَّابها مثل عبدالله النفيسي، وجاسم المهلهل وغيرهما، وقد كانت متميزة في تناولها وطرحها ومساهمة في إيضاح الصورة ونشر الوعي الثقافي والسياسي ولفت انتباه الشباب المسلم إلى ماضيهم المشرق، كما كانت مساهمة بشكل فعَّال فيما انتشر من صحوة ووعي تبلور فيما بعد في حركات وتوجهات تحمل مشعل تحرير وتوجيه الشعوب الإسلامية في كل الأقطار الإسلامية.
بنت محمد سيديا: “المجتمع” ساهمت في نشر الوعي الثقافي والسياسي ولفت الشباب المسلم إلى ماضيهم المشرق
زاوية مختلفة
أما توت بنت الطالب النافع، نائبة سابقة في البرلمان الموريتاني، فقالت: تعرفت إلى “المجتمع” في نهاية التسعينيات (1995-1996م)، ووقتها كنا في بادية بالشرق الموريتاني ووسيلة الإعلام الوحيدة المتاحة لنا كانت هي “BBC”، وأذكر أنني وجدت عدداً من “المجتمع” في يد أخي وهو يستعد لركوب سيارته متجهاً نحو مقاطعة الطينطان (تبعد حوالي 700 كلم من نواكشوط)، فطلبت منه أن يترك العدد عندي حتى يعود في المساء فوافق، فأخذت العدد وقرأته كله ثم أعدت قراءته ثانية، وقد أسرني تنوعه ما تيسر من أخبار العالم الإسلامي من زاوية مختلفة عن الإذاعة البريطانية، فقد رأيت في “المجتمع” تحليلات عميقة وأخباراً مفيدة ومتنوعة.
وأضافت: بعد ذلك صرت أطلب من أخي تزويدي بكل ما جدّ من “المجتمع”، وأظنه كان مشتركاً لأنه كان يعيرني العدد تلو العدد وأقرؤه وأعيده إليه، وأكثر شيء كان يستهويني في المجلة أخبار العالم الإسلامي وخاصة في دول القوقاز وأفغانستان، وملف العدد، وقد تعرّفت من خلال “المجتمع” إلى كتابات عدد من الكتَّاب أذكر منهم: فهمي هويدي، وأحمد منصور، والجميل حقيقة هو ما وفَّرته “المجتمع” للشباب العربي من المعرفة والمعلومة الصحيحة في زمن كان يتيه بين وسائل إعلام غربية تضلّله ومحلية تدجّنه، وبالتالي فأنا مدينة لـ”المجتمع” حقيقة، وأتقدم لها بالتهنئة بمناسبة الذكرى الـ52 لتأسيسها.