يوافق اليوم 22/3/2004 ذكرى استشهاد الشيخ أحمد ياسين، مؤسس حركة حماس، إثر جريمة نكراء قام بها الكيان الصهيوني أثناء خروجه من صلاة الفجر، والشيخ أحمد ياسين هو أحد أبرز أعلام الدعوة والفكر في فلسطين، وقد تميز بموقع روحي وسياسي متميز في نفوس أبناء الشعب الفلسطيني ومقاومته، وترسخت صورته في الأذهان كواحدٍ من أبرز رموز التاريخ الفلسطيني، وبهذه المناسبة تعيد “المجتمع” نشر هذا الحوار الذي أجرته معه -يرحمه الله- وتم نشره في العدد 1271 بتاريخ 14/10/1997.
الشيخ ياسين العائد إلى غزة للمجتمع:
لم يشغلني في السـجن سوى الإسلام وقضايا المسلمين
عمَّان: المجتمع
كانت مفارقة أن ينتقل شيخ المجاهدين والمعتقلين أحمد ياسين مؤسس حركة المقاومة الإسلامية حماس خلال ساعات قليلة من زنزانة انفرادية في سجن الرملة الصهيوني إلى المقصورة الملكية في مدينة الحسين الطبية بعمّان، لكن دهشة الانتقال لم تنس الشيخ المقعد المريض حنينه الدائم للعودة إلى أهله ووطنه.
حين زرنا الشيخ ياسين (أبو محمد) كان يجلس على كرسيه وقد تناول العشاء بمساعدة مرافقه الشاب رائد بلبول الذي أصرَّ الشيخ على خروجه معه من المعتقل، لقد ظل الشيخ ياسين يفاوض إدارة السجن ثلاث ساعات على الشروط التي وضعها هو قبل موافقته على الخروج وهي إقرار مكتوب بخط يد قائد المنطقة الجنوبية الجنرال الصهيوني يوفتوف سميع وهو يهودي من أصل ليبي يكتب العربية بخبرة تلميذ في المرحلة الابتدائية!
وحكى لنا الشيخ بأن الجنرال الصهيوني أمر بتمزيق التعهد الأول لأنه لم يعجبه وكتابة تعهد آخر أرضت صيغته الشيخ ياسين وفيه إقرار بأن خروجه من السجن ليس إبعاداً، وإقرار بحق الشيخ في استعادة هوية المواطنة التي صودرت منه عند سجنه قبل ثماني سنوات مما يعني حقه في العودة إلى غزة وهو ما حدث.
كما أصرَّ الشيخ ياسين الذي كان قبل الإفراج عنه بيومين قد أعلن إضراباً مفتوحاً عن الطعام على أن يخرج برفقته الشاب رائد بلبول الذي كان يقوم مع معتقل آخر على خدمة الشيخ في زنزانته، سلطات الاحتلال رفضت الإفراج عن المعتقل الآخر الذي كان يقضي حكماً بالسجن 12 عاما بتهمة الانتماء لحماس وأطلقت سراح بلبول المحكوم عليه بثماني سنوات قضى منها خمسا، ويقول الشيخ ياسين إن سلطات الاحتلال كانت تغير طاقم مرافقيه كل بضعة شهور وأن رائد المفرج عنه يقوم على رعايته منذ ثمانية شهور.
يعاني الشيخ ياسين (60 عاما) من عدة أمراض مزمنة أضفت إلى شخصيته صفة المعجزة، فهو رجل مقعد يعاني من شلل رباعي في الساقين والذراعين وعضلات البطن والصدر ولذلك لا يتحرك فيه إلا رأسه وبصعوبة مما يستدعي ملازمة شخص أو أكثر له للقيام على خدمته ورعايته، وقد أدى شلل عضلات الصدر عند الشيخ إلى انتفاخ الرئتين ثم إلى التهابات مزمنة في الشعب الهوائية، أما شلل عضلات البطن فسبب له الإمساك المزمن الذي أدى إلى إصابة مزمنة بالبواسير، كما يعاني الشيخ من التهاب في العينين والأذنين، وهو لا يرى تقريبا بعينه اليمنى كما لا يسمع بأذنه اليمنى أيضا، أما أذنه اليسرى فلا يسمع بها إلا إذا صرخ محدثه فيها، لكنه عند وصوله إلى المستشفى في عمّان رُكبت له سماعة طبية في أذنه اليسرى ساعدته على السمع إلى حد ما.
الشيخ المجاهد أحمد ياسين الذي انتمى إلى حركة الإخوان المسلمين وهو فتى في مقتبل العمر رجل صابر محتسب دائم الذكر لله سبحانه وتعالى، وعلى الرغم من سنوات عمره الستين إلا أن فيه روح الشباب وهو خفيف الظل ذو شخصية مرحة ومتوقد الذكاء والذاكرة يحبه كل من يجالسه، وهو فوق ذلك مدرسة في الأخلاق والأدب، وحين زاره ياسر عرفات رئيس سلطة الحكم الذاتي في المستشفى برفقة الملك حسين زعم عرفات على مسمع من الحاضرين بأنه والشيخ ياسين أبناء مدرسة واحدة وصف واحد في غزة على الرغم من أن عرفات يكبره بثماني سنوات(!) ولم يلتق بعرفات قبل ذلك، لكن أدب الشيخ الجم منعه من إحراج خصم سياسي كان قبل أيام قد أصدر قراراً بإغلاق المجمع الإسلامي الذي أسسه الشيخ ياسين في غزة إضافة إلى إغلاق 15 مؤسسة غيرها تابعة لحماس، واكتفى بالرد بأننا أبناء تاريخ واحد!
المجتمع رغم الظروف الصعبة التي تمنع إجراء مقابلات صحفية مع الشيخ ياسين بسبب حالته الصحية ورغم مئات الزوار الذين يعودونه يوميا استطاعت التقاءه وكان لها معه هذا الحديث قبل عودته إلى غزة:
خشي البعض أن تكون خرجتَ من فلسطين مُبعداً؟
ـ أنا لم أخرج من السجن إلا بعد أن تأكدت من أن خروجي سيكون لفترة قصيرة وبعد أن حصلت على تعهدات وضمانات خطية من الحكومة الإسرائيلية بالعودة إلى أهلي وبلدي في الوقت الذي أريده، وسأعود بإذن الله إلى غزة قريبا بعد تلقي العلاج.. كما أنني حصلت على ضمانات أخرى من الملك حسين نقلها إليَّ الضابط الأردني الذي تولى عملية نقلي بالطائرة من سجني إلى عمان، كنت ومازلت أفضل الموت في السجن على الإبعاد عن وطني وقد رفضت عروضًا كثيرة سابقة لقاء الإفراج عني على الرغم من قهر السجن وعذابه، فقد جاءني أبي ناتان (داعية السلام الإسرائيلي) قبل عدة سنوات وعرض عليَّ الإفراج مقابل أن أدلهم على مكان جثة الجندي الإسرائيلي سعدون، وحين قلت له بأنني كنت في السجن وقت مقتله وأنني شخص مقعد لا أستطيع الحركة فكيف تريدونني أن أبحث لكم عنه، أصر على مطلبه زاعماً بأنني أعرف المسؤول العسكري الذي اختطفه، إلا أنني رفضت الخروج من السجن مقابل جثة خبيثة ثمنها خبيث! ومرة أخرى عرضوا عليَّ الإفراج مقابل التوقيع على إبعادي خارج وطني وإلى أي بلد أختاره، وعندما قلت لهم بأنني مقعد حاولوا إغرائي وقالوا بأنهم سيوفرون لي سيارة ومرافق في أي مكان في العالم، لكنني رفضت أيضا.
خلال سنوات اعتقالك حدثت تطورات كثيرة على الساحتين العربية والفلسطينية، فماذا تقول وقد كنت تتابع هذه التطورات في زنزانتك؟
ـ إنني أعتز وأفتخر بصمود شعبي ونضاله ضد الاحتلال الصهيوني وغطرسته، وإن صراعنا هو مع المعتدين الصهاينة الذين اغتصبوا أرضنا وبيوتنا ومقدساتنا ومادام هذا الاحتلال موجودا فإن شعبنا الفلسطيني متمسك بمقاومته، وعلى الرغم من السجن وظروفه إلا أننا كنا نتابع أخبار العالم وتطوراته أولا بأول، لم نكن غائبين عما يجري، وليس لنا في السجن من قضية تشغلنا إلا الإسلام وقضايا المسلمين.
وماذا تقول بشأن آلاف المعتقلين في سجون الاحتلال والسلطة؟
ـ أريد أن أحييهم على صبرهم في مواجهة الاحتلال وبذلهم للغالي والنفيس في سبيل الدفاع عن أراضيهم ومقدساتهم، كما أنه لابد من بذل جهود أكبر من قِبَلِ جميع المعنيين، وأما بالنسبة للمعتقلين في سجون السلطة فإنني أدعو السيد عرفات إلى ضرورة الإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين في سجونه وإلى رصّ الصفوف وعدم الاستجابة للضغوط الخارجية التي تهدف قبل كل شيء إلى بذر الفتنة في صفوف شعبنا الفلسطيني، كما أطالب السلطة الفلسطينية بالحفاظ على المؤسسات الخيرية الفلسطينية التي قامت لتقدم المساعدة للفقراء والمحتاجين من الشعب الفلسطيني، فهذه المؤسسات لم يستطع الاحتلال وهو الحاكم إغلاقها ، فكيف تجرؤ السلطة على فعل ذلك؟.