عندي بنت متزوجة، وقد جاءت عندنا هي وزوجها في شهر رمضان، وبعد أن صمنا أسبوعين من الشهر، ذهب زوج ابنتي مع زملائه إلى البر وخالطهم الشيطان فأكلوا وشربوا في نهار رمضان، وفي صباح اليوم التالي طلب زوج ابنتي من زوجته أن تصنع له طعاماً فأبت، فحلف عليها بالطلاق أن تصنع، فحلفت هي الأخرى ألا تصنع، وخروج من هذا الأمر، طلبت من زوجة ولدي أن تصنع له طعاماً فامتنعت، إلا أنني أرغمتها على ذلك، فصنعت له طعاماً وهي كارهة، فجلس يأكل وحده ولم نأكل معه، فهل نحن آثمون في ذلك؟ وما يلزمنا أن نفعل لنكفر عن هذا الإثم؟
– لا شك أن الإفطار في رمضان بدون عذر شرعي كبيرة من الكبائر، ومنكر من المنكرات العظيمة، أما إذا كان بعذر كالسفر وهو ما يعادل ثمانين أو سبعين كيلومتراً تقريباً، وهي مسافة ليلة بالمطايا والأقدام، فهذا يسمى سفرة، ولا حرج في الإفطار فيه، أما ما كان في البيت أو ضواحي البلد فلا يسمى سفرة، والإفطار فيه كبيرة من الكبائر، ومن يعين المفطر على إفطاره شاركه في الإثم، لأن الله سبحانه يقول: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ) (المائدة: 2)، فالذي يساعد من أفطر في رمضان بغير عذر بتقديم الطعام أو القهوة أو الشاي أو غير ذلك من الأشربة أو المطعومات آثم مشارك للمفطر في الإثم، لكن صومه صحيح لا يبطل بالمعاونة، ولكن يكون آثماً وعليه التوبة إلى الله.
وعلى هذا السائل الذي غصب ابنته أو زوجة ابنه على صنع الطعام أن يتوب إلى الله، فقد أخطأ حين أمرها بصنع الطعام له، أما هي فأحسنت وأصابت في عدم طاعته؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: “إنما الطاعة في المعروف”(1)، فإذا أمرها زوجها أن تقدم له طعاماً في نهار رمضان وليس له عذر يبيح له الفطر من مرض أو سفر فليس لها أن تعينه على ما حرم الله ولو غضب أو طلق؛ لأن طاعة الله مقدمة على طاعة الزوج وعلى طاعة الأب وعلى طاعة السلطان وعلى طاعة الأمير؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “إنما الطاعة في المعروف”، وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: “لا طاعة لمخلوق في معصية الله”(2).
ولا يعتبر هذا الرجل مسافراً لأنه جلس معهم أسبوعاً، والظاهر أنه كان عازماً على الإقامة أكثر من أربعة أيام، فهذا يلزمه الصوم على الصحيح من أقوال أهل العلم، وهو قول جمهور أهل العلم؛ أنهم إذا عزموا على الإقامة أكثر من أربعة أيام عند أصهارهم فإنهم يصومون معهم، أما أربعة أيام فأقل فلا يلزمهم الصوم إذا كانوا مسافرين، وإن صاموا فلا بأس ولا حرج، أما إذا كانوا قد أرادوا الإقامة عندهم أكثر من أربعة أيام فالذي ينبغي في هذه الحال هو الصوم خروجاً من خلاف العلماء، وعملاً بقول الأكثر، ولأن الأصل الصوم، وشُكَّ في إجازة الإفطار(3).
يقال عندنا: إن المرء إذا أراد أن يقضي الله حاجته فإنه يصوم؛ فما كيفية هذا الصوم؟
– الصيام لأجل قضاء الحاجات بدعة لا أصل لها، وإنما على الإنسان أن يتقرب إلى الله بنوافل العبادات؛ طاعة لله، وابتغاء ثوابه مخلصاً بذلك لله وحده لا لأجل مقاصد دنيوية، والثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن من بين الذين لا ترد دعوتهم: “الصائم حتى يفطر، وأن للصائم عند فطره دعوة لا ترد”(4).
أنا لا أصوم، هل سأعذب يوم القيامة؟
– صوم رمضان أحد الأركان التي بني عليها الإسلام؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان”(5).
قال الذهبي رحمه الله: “وعند المؤمنين مقرر أن من ترك صوم رمضان بلا مرض ولا عذر يبيح ذلك، أنه شر من الزاني، ومدمن الخمر، بل يشكون في إسلامه، ويظنون به الزندقة والانحلال”(6).
وقال ابن تيمية رحمه الله: “إذا أفطر في رمضان مستحلاً لذلك وهو عالم بتحريمه؛ استحلالاً له، وجب قتله، وإن كان فاسقاً عوقب عن فطره في رمضان”(7).
ومما صح من الوعيد على ترك الصوم: ما رواه أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان.. ثم انطلقا بي فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم، مشققة أشداقهم، تسيل أشداقهم دماً، قلت: من هؤلاء؟ قالا: هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم”(8).
وقال الألباني رحمه الله: هذه عقوبة من صام ثم أفطر عمداً قبل حلول وقت الإفطار، فكيف يكون حال من لا يصوم أصلاً؟! نسأل الله السلامة والعافية في الدنيا والآخرة(9).
فالنصيحة للأخ السائل: أن يتقي الله تعالى، ويحذر نقمته وغضبه وأليم عقابه، وليبادر إلى التوبة قبل أن يفاجئه هادم اللذات ومفرق الجماعات، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل، واعلم أن من تاب تاب الله عليه، ومن تقرب إلى الله شبراً تقرب إليه باعاً، فهو الكريم الحليم الرحيم سبحانه، ولو جربت الصوم وعلمت ما فيه من اليسر، والأنس، والراحة، والقرب من الله: ما تركته، وتأمل قول الله تعالى في ختام آيات الصوم: (يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (البقرة: 185)، وقوله: (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (البقرة: 185)؛ لتدرك أن الصوم نعمة تستحق الشكر، ولهذا كان جماعة من السلف يتمنون أن يكون العام كله رمضان، نسأل الله أن يوفقك، وأن يهديك، وأن يشرح صدرك لما فيه سعادتك في الدنيا والآخرة. والله أعلم(10).
___________________
(*) بتصرف من موقع “الإسلام سؤال وجواب”
(1) متفق عليه.
(2) رواه الإمام أحمد في (مسنده)، وروى البخاري ومسلم من حديث علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا طاعة لبشر في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف”
(3) فتاوى نور على الدرب لابن باز (1299/ 3).
(4) فتاوى اللجنة الدائمة، المجموعة الثانية (292/ 9).
(5) رواه البخاري (8)، ومسلم (19).
(6) الكبائر، ص64.
(7) مجموع الفتاوى (2/ 290).
(8) رواه ابن خزيمة (1986)، وابن حبان (7491)، وصححه الألباني في الصحيحة (3951).
(9) سلسلة الأحاديث الصحيحة (10/ 19)
(10) بتصرف من كتاب “الصيام سؤال وجواب”، ص32