ردت الصين بشدة على تقرير للأمم المتحدة حول انتهاكات حقوق الإنسان في تركستان الشرقية شمال غرب الصين التي تستهدف الإيغور والأقليات العرقية المسلمة الأخرى.
كان التقرير قيد العمل منذ سنوات وتم إصداره على الرغم من الجهود الصينية لتأجيله أو منعه، مدركةً كيف يمكنه التحقق من صحة الادعاءات بأن أكثر من مليون من أفراد الأقليات العرقية قد تم إرسالهم قسراً إلى مراكز تقول: إنها مخصصة للتدريب المهني.
ويصف المحتجزون وأقاربهم وجماعات المراقبة هذه المراكز بأنها مراكز إعادة تأهيل شبيهة بالسجون حيث أُجبر النزلاء على التنديد بدينهم الإسلام وبثقافتهم التقليدية، بينما يقسمون على الولاء للحزب الشيوعي الصيني الحاكم.
كانت المعسكرات وما زالت جزءًا من حملة قمع واسعة النطاق في تركستان الشرقية، تشمل التعقيم القسري للنساء، والعمل القسري، وهدم المساجد والمواقع الدينية الأخرى، وفصل الأطفال المسلمين عن عائلاتهم، ومضايقة أفراد الأقليات الذين يعيشون في الخارج.
أين تركستان الشرقية؟ ولماذا مهمة للصين؟
تركستان الشرقية منطقة شاسعة ولكنها قليلة السكان من الجبال والغابات والصحاري في أقصى شمال غرب الصين على الحدود مع روسيا وباكستان والعديد من دول آسيا الوسطى، وقد كان طريق الحرير القديم يمر عبر أجزاء منها وسيطرت مختلف الجنسيات والإمبراطوريات الصينية على مدنها وواحاتها على مر القرون، حتى جاءت سيطرة الحزب الشيوعي عليها بالكامل بعد انتصاره عام 1949 في الحرب الأهلية الصينية.
تحتوي المنطقة على ثروة من الموارد الطبيعية، من بينها النفط والغاز والمعادن الأرضية النادرة، ولكن ربما تكون أهم قيمة لها هي كونها حاجزًا إستراتيجيًا يوسع نفوذ الصين غربًا، وعندما قامت الصين وروسيا بمواءمة سياساتهما الخارجية إلى حد كبير في السنوات الأخيرة، كانت تركستان الشرقية على خط المواجهة في تنافسهما في الحرب الباردة ولا تزال مهمة كتأكيد على النفوذ الصيني في الفناء الخلفي لموسكو.
ما الذي دفع الصين إلى قمع الأقليات؟
الإيغور في تركستان الشرقية، إلى جانب القازاق والقرغيز المرتبطين ارتباطًا وثيقًا، هم في الغالب من المسلمين الترك الذين يختلفون ثقافيًا ودينيًا ولغويًا عن مجموعة الهان العرقية المهيمنة في الصين، وقد أثار القمع في ظل الحكم الشيوعي، لا سيما أثناء الثورة الثقافية العنيفة وكراهية الأجانب من عام 1966 إلى 1976، عداءً عميقًا في تركستان الشرقية تجاه الحكومة، وتفاقم بسبب هجرة الهان إلى المنطقة وسيطرتهم على الحياة السياسية والاقتصادية.
حكومات ما قبل الاحتلال
أسس الإيغور حكومتين مستقلتين قصيرتي العمر في تركستان الشرقية قبل استيلاء الحزب الشيوعي على السلطة، واستمرت الرغبة في الحكم الذاتي وتغذت بالاستياء من الحكم الصيني القاسي، بدأت حركة احتجاجية في التسعينيات وظلت عند مستوى منخفض نسبيًا حتى تفجر الغضب في مظاهرات عارمة وأعمال عنف عام 2009 في العاصمة الإقليمية أورومتشي، خلفت ما يقدر بنحو 200 قتيل، تلى ذلك مزيد من العنف داخل تركستان الشرقية وبعيدًا مثل بكين، مما دفع الزعيم الصيني شي جين بينغ إلى إصدار أمر بشن حملة قمع واسعة النطاق بدأت في عام 2014.
الأساس الذي بنت عليه الأمم المتحدة اتهاماتها للصين
بمباركة الرئيس الصيني شي، بدأ حاكم تركستان الصيني المتشدد تشين تشوانجو، الذي تولى منصبه في عام 2016، بإرسال الإيغور وآخرين إلى شبكة واسعة من المعسكرات المحصنة دون مراعاة الأصول القانونية، ولا يزال من غير الواضح ما المعايير التي تم استخدامها لتحديد ما إذا كان الشخص بحاجة إلى إرساله إلى ما وصفته السلطات بإعادة التدريب أو إزالة التطرف، لكن أولئك الذين أظهروا ميولًا دينية، والمتعلمين جيدًا وأي شخص لديه صلات أجنبية كانوا عرضة للتنكيل بشكل خاص.
إبادة جماعية
وُصِفت الظروف في المعسكرات بأنها مكتظة وغير صحية، حيث أُجبر من بداخلها على التخلي عن دينهم وثقافتهم ومدح الرئيس الصيني شي والحزب الشيوعي، وتم فرض عقوبات قاسية على أولئك الذين رفضوا الامتثال وكانت مدة الأحكام غير محدودة، وبينما تقول الصين: إنها أغلقت المعسكرات، تلقى العديد من المحتجزين منذ ذلك الحين أحكامًا بالسجن لفترات طويلة ضمن نظام لا يزال غامضًا إلى حد كبير، وقد وصفت الولايات المتحدة وغيرها سياسات الصين ضد أقليات تركستان الشرقية بأنها “إبادة جماعية”.
ماذا كان رد الصين؟
نفت الصين دائمًا استهداف الإيغور أو غيرهم بسبب دينهم وثقافتهم، ونددت بالاتهامات ووصفتها بأنها محض أكاذيب من جانب الغرب، وقالت: إن حملتها القمعية تهدف إلى قمع الانفصالية والإرهاب والتطرف الديني، وقالت: إن الحضور إلى المعسكر كان طوعيًا ولم يتم انتهاك حقوق الإنسان، على الرغم من أن الوثائق الصينية الداخلية تناقض هذه المزاعم.
كما استشهدت بكين بالزيارات المصممة بعناية للصحفيين والدبلوماسيين، ومؤخراً، أكدت المفوضة السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان ميشيل باشليت، صحة الاتهامات، ويقول بعض المراقبين: إن موجة الانتقادات ربما تكون قد دفعت بكين إلى إنهاء الاعتقالات في وقت أبكر مما كان مخططاً له لإنقاذ سمعتها بين الدول الإسلامية وفي العالم النامي.
في مذكرة مرفقة بتقرير الأمم المتحدة، سجلت البعثة الدبلوماسية الصينية في جنيف معارضتها الشديدة للنتائج، التي قالت: إنها تتجاهل إنجازات حقوق الإنسان في تركستان الغربية والأضرار التي يسببها الإرهاب والتطرف على السكان.
وجاء في المذكرة: استناداً إلى المعلومات المضللة والأكاذيب التي اختلقتها القوى المناهضة للصين وانطلاقاً من افتراض الجرم، فإن ما يسمى بـ”التقييم” يشوه قوانين الصين، ويشوه سمعتها ويفتري عليها، ويتدخل في الشؤون الداخلية للصين.
كيف سيكون رد فعل الصين؟
تحدى القادة الاستبداديون الصينيون انتقادات سياساتهم في تركستان الشرقية ظاهريًا، لكنهم لم ينجحوا في إحباط العقوبات الدولية على المسؤولين الذين تورطوا وتم حظر تصدير القطن والسلع الأخرى من المنطقة، وقد صدر التقرير على الرغم من نفوذ الصين المتزايد داخل الأمم المتحدة وحملتها للضغط على منتقديها في مجتمع حقوق الإنسان.
ولكن الصين حافظت على تحديها ويبدو أنها تعتقد أن سياساتها كانت فعالة ويجب أن تستمر، على الرغم من أي تكاليف على سمعتها الدولية، يوم الخميس الماضي، استهزأت وزارة خارجيتها بتقرير الأمم المتحدة، قائلة: إنه تم تنظيمه وإنتاجه من قبل الولايات المتحدة وبعض القوات الغربية وهو غير قانوني وباطل تماماً.
وقال وانج وينبين، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية: إنه خليط من المعلومات الكاذبة التي تستخدم كأداة سياسية للولايات المتحدة ودول غربية أخرى لاستخدام تركستان الشرقية بشكل إستراتيجي لاحتواء الصين.
______________________
المصدر: “أسوشيتد برس”.