أدلى البوسنيون، أمس الأحد، بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المتزامنة، تأكيداً لحقهم في الاختيار، وأملاً في مستقبل أفضل، رغم قتامة الوضع السياسي والاقتصادي في ظل مخلفات جائحة كورونا، وإصرار القوميين الصرب والكروات بناء دولة المواطنة في البوسنة لصالح مشاريع قومية هي أقرب للأرثوذكسية بالنسبة للصرب، والكاثوليكية للكروات، فبعض سكان البوسنة من الطائفتين ليسوا صرباً وليسوا كرواتاً، وإنما من دول شرقية أخرى جاؤوا إليها خلال الحروب التي عرفتها المنطقة واستقروا بها وحملوا القومية التي تدين سواء بالأرثوذكسية أو الكاثوليكية.
وقال زعيم المسلمين المرشح الأكثر حظاً بالفوز بكر بيجوفيتش، نجل الزعيم البوسني علي عزت بيجوفيتش، على موقعه بـ”فيسبوك”: رسالتنا واحدة؛ هي انتشال شعبنا من الأزمات والعمل على دولة المواطنة التي يعيش فيها الجميع بحقوق متساوية، وتحقيق أولويات شعبنا بأعراقه المختلفة.
وتابع: نحن ذاهبون إلى النصر الذي سيفتح الطريق للاستقرار النهائي للبوسنة والهرسك، نحن ذاهبون إلى نصرة أولئك الذين عاشوا وماتوا من أجل هذه الدولة.
بكر بيجوفيتش خلال خطاب أمام أنصاره
وفي خطاب ألقاء أمام أنصاره عشية الانتخابات، شدد بيجوفيتش على أن جميع ذوي النوايا الحسنة في البوسنة والهرسك هم أهلنا، كل البوشناق، كل الصرب، كل الكروات، اليهود، الروما، الغجر.. كل من يحب هذا البلد ويحترم جيرانه، نحن نعمل من أجلهم، ومن أجلهم نقاتل، وعندما يدركون ذلك، سنكوّن شعب البوسنة والهرسك.
ودعا جميع الحاضرين للتحدث مع جيرانهم وأصدقائهم وأقاربهم ومعارفهم؛ دعونا نسألهم إذا كانوا يتذكرون الولاية التي لم يكن فيها حزب العمل الديمقراطي جزءاً من الحكومة، هل يتذكرون ما الركود الذي أدى إليه هذا؟ عام 2014 انتهى بأعمال الشغب والحرق المتعمد، سنوات، هل يعرفون كيف في الانتداب الأخير، في الكانتونات (المحافظات) التي لا يكون فيها حزب العمل الديمقراطي جزءاً من الحكومة، عاشوا وحكموا؟ هل يعرفون كيف يتم إنفاق أموال دافعي الضرائب؟ كيف تم التنازل عن الوظائف ولأي شركات؟
بيجوفيتش: رسالتنا انتشال شعبنا من الأزمات والعمل على دولة المواطنة
وأكد أن حزب العمل الديمقراطي، بعون الله تعالى، ثم بدعم من الناس الطيبين الواعين، سيذهب إلى انتصار جديد.
وقال: لننتصر بذكرى كل الطيبين الذين عاشوا وماتوا من أجل شعبهم ووطنهم، بذكرى الشهداء، بذكرى علي (والده) ورفاقه السياسيين، بذكرى الكلمات التي قالها منذ زمن بعيد، أي ما زالوا على قيد الحياة اليوم: دعونا نرفع أعلامنا عالياً، دعونا نرمي مخاوفنا وشكوكنا، بل نعمل بجد، مدركين أن حياتنا ومماتنا حتى مصيرنا ليس بيدهم، بل بيد الله، هذا الإيمان هو حريتنا وقوتنا، وبإذن الله هو انتصارنا.
وقال زعيم صرب البوسنة ميلوراد دوديك، أثناء الإدلاء بصوته، للصحفيين، وفق موقع صحيفة “دنيفني أفاز” البوسنية: الناخبون صوتوا اليوم من أجل الاستقرار والسلام وضمانات العيش الكريم، على حد قوله.
فيما قال المرشح الكرواتي جيلكو كومشيتش: إنه يتفهم مخاوف البعض ممن يرفض تمثيله لهم في مجلس الرئاسة البوسنوي، مؤكداً أن دخول البوسنة للاتحاد الأوروبي سيمتص الكثير من المشاعر القومية، على حد تعبيره.
وحسب هيئة الانتخابات البوسنية، يحق لـ3.4 ملايين ناخب المشاركة في الانتخابات، وتكلف الانتخابات خزينة البلاد 12.228.000 مارك بوسنوي (المارك يساوي 3 دولارات تقريباً).
وتتكون البوسنة من 6 ملايين نسمة، أكثر من نصفهم تقريباً من المسلمين، و32% من الصرب، و16% من الكروات.
وشهدت مراكز الاقتراع حضوراً كبيراً سواء داخل البوسنة أو في الخارج، حيث يوجد البوسنيون بكثافة في الدول الأوروبية منذ بداية الحرب (1992 – 1995م) رغم إمكانية التصويت عن بُعد بنظام “إس إم إس”.
الحاجة للتعايش
ويتنافس على مجلس الرئاسة المكوّن من 3 أعضاء 10 مرشحين، أبرزهم بكر علي عزت بيجوفيتش عن المسلمين، وميلوراد دوديك عن صرب البوسنة، وجيلكو كومجيتش عن الكروات، وهناك اختلافات ومنافسات شديدة داخل كل طائفة على من يمثلها داخل المجلس الرئاسي وإمكانية حدوث مفاجآت في جميعها أو بعضها ممكنة.
وصوّت البوسنيون لاختيار 518 نائباً للبرلمان المركزي والبرلمان الفيدرالي البوشناقي الكرواتي، وفي برلمان جمهورية صربسكا التي تقطنها الطوائف الثلاث الصربية والكرواتية والبوشناقية، ويتكون برلمان البوسنة وفق اللائحة التي أعدتها هيئة الانتخابات واطلعت عليها “المجتمع” من موقع الهيئة على الإنترنت من 42 نائباً، منهم 28 نائباً من الفيدرالية، و14 نائباً من جمهورية صربسكا.
فيما يتكون البرلمان الفيدرالي من 98 نائباً، وبرلمان صربسكا من 83 نائباً فقط، وهناك 10 كنتونات داخل البوسنة أو محافظات تنتخب هي أخرى ممثليها داخل هذه الأقاليم، وتتراوح المقاعد داخلها بين 21 و35 مقعداً، حسب كل إقليم.
وتأتي هذه الانتخابات والبوسنة على حالها، حيث يعلن الصرب جهاراً نهاراً تأييدهم لروسيا ورغبتهم في الانضمام لصربيا، بينما لا يزال الكروات يحلمون بالانضمام إلى كرواتيا، وما يجمع الجميع سوى الحاجة للتعايش التي يدعو إليها المسلمون، فهناك مشتركات كثيرة كما قال علي عزت بيجوفيتش بينهم؛ وهي الفقر والخصاصة والحاجة للتنمية ومحاربة الفساد والعنصرية.