بات إيقاع حياة البريطانيين مرتبطا بموجة الإضرابات التي تعم البلاد وتضرب أهم القطاعات فيها، من النقل إلى الصحة. وكما انتهت سنة 2022 على إيقاع الإضرابات، جاءت بداية العام الجديدة مليئة بالإضرابات التي جعلت من التنقل أو الحصول على موعد في المستشفى أمرا بالغ الصعوبة.
ومع بداية الأسبوع، انطلقت حملة جديدة من الإضرابات في كل من قطاع السكك الحديدية، والنقل البحري، والعاملين في الطريق السيار من فرق الإسعاف والتدخل في حال وقوع الحوادث، ومنظمي حركة السير في مختلف الطرق البريطانية، إضافة لأساتذة اختبار الحصول على رخصة السياقة.
ولن تتوقف موجة الإضراب عند هذا الحد، بل ستتواصل خلال الأسبوعين المقبلين بعودة الممرضين للإضراب في أكبر إضراب يعرفه قطاع الصحة في تاريخ البلاد، إضافة لسائقي الحافلات، وسائقي سيارات الإسعاف، والمعلمين في أسكتلندا.
وتحولت حياة البريطانيين إلى معاناة حقيقية مع وسائل النقل مع الإضرابات المستمرة والمفتوحة والتي من المتوقع أن تستمر حتى الشهر المقبل، أما قطاع الصحة فالوضع فيه بلغ مستوى كارثيا، وسط رفض حكومي لمنح المضربين الزيادات التي يطالبون بها، وإصرار من النقابات على مواصلة الإضراب إلى حين الاستجابة لمطالبهم.
معركة كسر عظم
وتخوض الحكومة البريطانية معركة كسر عظام مع النقابات البريطانية، وخصوصا مع هيئة “كونغرس الاتحادات النقابية” (TUC) التي تعتبر المظلة الجامعة لكل النقابات البريطانية، وترفض الحكومة أي مفاوضات حول الزيادة في الأجور تتعدى نسبتها ما بين 2% و3%.
وتقول الحكومة إن أي زيادة في الأجور بنسبة 10% ستعني زيادة حجم الإنفاق الحكومي، وبالتالي ارتفاع نسبة المديونية، وهو ما سيؤدي إلى استمرار ارتفاع نسبة التضخم، والنتيجة هي زيادة نسبة الفقر، مما يعني حلقة مفرغة لا خروج منها.
وتستند الحكومة في موقفها على توصيات البنك المركزي البريطاني، الذي حذر الحكومة أكثر من مرة من مغبة الزيادة في الأجور لأنها ستساهم في ارتفاع نسبة التضخم التي وصلت إلى 11%، وسيكون حينها البنك المركزي مضطرا للرفع من معدل الفائدة إلى حين عودة نسبة التضخم إلى حدود 3%.
في المقابل كشف مايك لانش الأمين العالم لنقابة العاملين في السكك الحديدية والنقل البحري، أن الحكومة لم تعقد أي اجتماع معهم منذ منتصف شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، وهو ما “سبب لنا حالة من الإحباط”.
وأكد المسؤول النقابي أن التوصل إلى اتفاق مع الحكومة أمر ممكن، “إلا أن الحكومة صامتة ولا تتفاعل معنا منذ أسابيع”.
من جهته، قال “كونغرس النقابات العمالية” في بريطانيا إن الحكومة ترفض التفاوض للوصول إلى حل لمشكلة الأجور”.
ولا يبدو أن حلا قريبا سيعالج مشكلة الإضرابات في بريطانيا، بعد أن أعلن رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك أن سنة 2023 لن تشهد حلا للمشاكل التي تعاني منها البلاد.
تضرر الجميع
وقد تسببت إضرابات القطارات في إلغاء عشرات الآلاف من الرحلات اليومية، وتضرر الملايين من البريطانيين، خصوصا في فترة أعياد الميلاد وكذلك العودة من عطلة نهاية العام.
وأعلن قطاع الفنادق والمطاعم أنه تكبد خسائر بقيمة 1.5 مليار جنيه إسترليني خلال فترة أعياد الميلاد، بسبب الإلغاءات الكبيرة للحجوزات لعدم قدرة الناس على التنقل.
أما في القطاع الصحي، فالوضع أسوأ بكثير، وربما هو الأسوأ منذ عقود، فبسبب إضرابات الممرضين وسائقي سيارات الإسعاف، وارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا والإنفلونزا الموسمية، زادت مدة انتظار سيارات الإسعاف أمام أقسام المستعجلات بشكل قياسي.
وخلال الشهر الماضي، اضطرت سيارات الإسعاف للانتظار لحوالي 12 ساعة في بعض الحالات قبل أن يتم السماح لها بتسليم المرضى لقسم المستعجلات (الطوارئ)، وكان على 37 ألف مريض الانتظار أكثر من 10 ساعات قبل أن يتم التعامل معهم في المستشفيات بزيادة نسبتها 355% مقارنة بشهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وتعد هذه الأرقام صادمة للقائمين على القطاع الصحي البريطاني، ذلك لأن المعدل الذي تضعه هيئة الصحة البريطانية (nhs) لمدة الانتظار قبل دخول أقسام المستعجلات هو 30 دقيقة إلى ساعة على أكثر تقدير.
وحذرت الجامعة الملكية من أن الوضع يسير نحو الانهيار والخروج عن السيطرة.
ورغم ذلك، تؤكد نقابة الممرضين والعاملين في سيارات الإسعاف أن عرض الحكومة زيادة الأجور بنسبة 2% مرفوض، مطالبين بزيادة 5% على الأقل، محذرة من تواصل موجة الإضرابات.