توالت ردود الفعل العربية والإسلامية التي تدين اقتحام وزير الأمن القومي “الإسرائيلي” إيتمار بن غفير ومجموعة من المستوطنين -صباح اليوم الثلاثاء- باحات المسجد الأقصى الشريف، كما أكدت واشنطن أنها تعارض الإضرار بالوضع القائم في القدس، وعبرت بريطانيا عن قلقها من الاقتحام، في حين أكد مكتب رئيس الوزراء “الإسرائيلي” أن بنيامين نتنياهو “ملتزم” بالحفاظ على الوضع القائم في المسجد الأقصى.
وهذه أول عملية اقتحام لبن غفير زعيم الصهيونية الدينية المتطرفة بعد توليه حقيبة الأمن القومي، كما قال في تغريدة على تويتر إن “جبل الهيكل مفتوح للجميع”، مستخدما الاسم اليهودي للإشارة إلى مجمع المسجد الأقصى. وأظهر مقطع فيديو بن غفير وهو يتجول في محيط المجمع محاطا بحراسة أمنية مكثفة وبرفقته يهودي متدين آخر.
الرد الأميركي والبريطاني
وفي أول رد فعل دولي على هذا الاقتحام، قال متحدث باسم مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض اليوم الثلاثاء إن “الولايات المتحدة تؤيد بقوة الحفاظ على الوضع القائم فيما يتعلق بالأماكن المقدسة في القدس. وأي عمل أحادي يقوض الوضع الراهن غير مقبول”، مضيفا أن الولايات المتحدة تدعو رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للحفاظ على التزامه تجاه الوضع القائم للمواقع المقدسة.
وكان السفير الأميركي بإسرائيل توم نايدس قال إن إدارة الرئيس جو بايدن أوضحت للحكومة الإسرائيلية أنها تعارض أي خطوات من شأنها الإضرار بالوضع الراهن في الأماكن المقدسة، وأكد أن واشنطن تريد الحفاظ على الوضع الراهن، وأن الإجراءات التي تمنع ذلك غير مقبولة.
من جهتها، قالت القنصلية البريطانية بالقدس إن من المهم على الجميع تجنب كل الأنشطة التي تؤجج التوترات وتقوض فرص السلام، وعبرت عن قلقها من اقتحام بن غفير للحرم الشريف.
إدانات إسلامية
على الصعيد الإسلامي، دانت الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي “اقتحام بن غفير للمسجد الأقصى بحماية قوات الأمن “الإسرائيلية”، معتبرة ذلك “استفزازا لمشاعر المسلمين جميعا وانتهاكا صارخا للقرارات الدولية ذات الصلة”.
كما دانت تركيا اقتحام بن غفير لباحات المسجد الأقصى، وأعربت عن قلقها من هذا الأمر، وقالت الخارجية التركية في بيان إنها تدين وتشعر بالقلق جراء التصرف الاستفزازي المتمثل في اقتحام بن غفير المسجد الأقصى تحت حماية الشرطة “الإسرائيلية.”
ودعا البيان “إسرائيل” إلى التصرف بمسؤولية لمنع مثل هذه الاستفزازات التي تنتهك مكانة وحرمة الأماكن الدينية في القدس، والتي من شأنها أن تؤدي لزيادة التصعيد في المنطقة.
وفي أحدث ردود الفعل العربية على هذا الاقتحام، قال مسؤول أردني إن المملكة استدعت السفير الإسرائيلي احتجاجا على اقتحام وزير الأمن القومي “الإسرائيلي” اليميني المتطرف إيتمار بن غفير اليوم الثلاثاء للمسجد الأقصى.
وأكدت هيئة البث “الإسرائيلية” استدعاء الأردن السفير الإسرائيلي لديه للاحتجاج على دخول بن غفير إلى الأقصى، وأضافت أن السفير “الإسرائيلي” لدى عمان أبلغ السلطات الأردنية أنه لا تغيير في الوضع الراهن في القدس.
وسبق أن دانت الخارجية الأردنية بأشد العبارات إقدام وزير الأمن القومي “الإسرائيلي” على اقتحام المسجد الأقصى المبارك تحت حراسة وحماية قوات الاحتلال، وحملت الخارجية -في بيان- إسرائيل كامل المسؤولية عن التبعات “الخطيرة” لاقتحام بن غفير للمسجد الأقصى، قائلة إن قيام أحد وزراء الحكومة الإسرائيلية باقتحام الأقصى وانتهاك حرمته خطوة استفزازية مُدانة.
كما دانت الجامعة العربية، في بيان، بأشد العبارات هذا الاقتحام، واصفة ذلك بأنه “استباحة للحرم القدسي وعدوان على القبلة الأولى للمسلمين”.
وشددت على أن “حكومة نتنياهو تتحمل المسؤولية الكاملة عن اقتحام بن غفير وعن هذه المخططات اليمينية المتطرفة وتداعياتها على فلسطين والمنطقة والسلم العالمي، وما تنطوي عليه من احتمالات إشعال حرب دينية”.
من جهتها، دانت الخارجية القطرية بشدة اقتحام وزير الأمن القومي “الإسرائيلي” باحات المسجد الأقصى واعتبرته انتهاكا سافرا للقانون الدولي، وحذرت من السياسة التصعيدية التي تتبناها الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
كما دانت الكويت، في بيان للخارجية، اقتحام من سمته “الوزير المتطرف” في حكومة الاحتلال باحات المسجد الأقصى، واعتبرته استفزازا لمشاعر المسلمين وانتهاكا لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.
وأعربت الخارجية السعودية عن تنديدها وإدانتها للممارسات “الاستفزازية” التي قام بها أحد المسؤولين الإسرائيليين باقتحام باحات المسجد الأقصى الشريف.
كما دانت الخارجية الإماراتية بشدة اقتحام الوزير “الإسرائيلي” للمسجد الأقصى، مؤكدة في بيان “موقف بلادها الثابت بضرورة توفير الحماية الكاملة للمسجد الأقصى ووقف الانتهاكات الخطيرة والاستفزازية فيه”.
بدورها، أعربت الخارجية المصرية عن أسفها لاقتحام مسؤول “إسرائيلي” رسمي المسجد الأقصى، وأكدت رفضها لأي إجراءات “أحادية” مخالفة للوضع القانوني والتاريخي القائم في القدس.
الموقف الفلسطيني
على الجانب الفلسطيني دعا رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية الفلسطينيين إلى “التصدي لمثل هذه الاقتحامات في المسجد الأقصى”، متهما بن غفير بترتيب الزيارة في إطار استهداف تحويل المسجد الأقصى إلى “معبد يهودي”.
وحذر الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة من مغبة هذه الخطوة، معتبرا أن “استمرار هذه الاستفزازات بحق مقدساتنا الإسلامية والمسيحية سيؤدي إلى المزيد من التوتر والعنف وتفجر الأوضاع”.
وحمل “الحكومة “الإسرائيليةط المتطرفة المسؤولية عن أية نتائج أو تداعيات حيال ما تتخذه من سياسات عنصرية بحق أبناء شعبنا ومقدساته”.
من جانبه، اعتبر الناطق باسم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) حازم قاسم “اقتحام الفاشي بن غفير جريمة”، وتعهد بأن الأقصى “سيبقى فلسطينيا وعربيا وإسلاميا”، مضيفا أن “شعبنا الفلسطيني سيواصل دفاعه عن مقدساته ومسجده الأقصى وقتاله من أجل تطهيره من دنس الاحتلال”.
وأصدرت الفصائل الفلسطينية في غزة بيانا اعتبرت فيه أن اقتحام بن غفير للأقصى تصعيد خطير واستفزاز للشعب الفلسطيني، وأنه ينذر أيضا بحرب دينية في المنطقة، حسب وصفها.
وأضافت الفصائل “ندعو أهلنا في الضفة المحتلة لتصعيد الاشتباك والمواجهة مع الاحتلال الصهيوني دفاعا عن الأقصى… وندعو السلطة الفلسطينية لوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال”.
الموقف الإسرائيلي
على الصعيد الإسرائيلي وفي أعقاب توالي الإدانات لاقتحام بن غفير للمسجد الأقصى، قال مسؤول بمكتب نتنياهو اليوم إن رئيس الوزراء “الإسرائيلي” ملتزم “بالحفاظ بصرامة على الوضع القائم” بمجمع المسجد الأقصى”.
وأضاف المسؤول أن “الوزراء زاروا المجمع في الماضي بما لا يخرق الوضع القائم الذي يسمح للمسلمين بممارسة شعائرهم في الموقع المقدس بينما لا يسمح لغيرهم سوى بالزيارة”.
من جهته، اعتبر رئيس الوزراء “الإسرائيلي” السابق، زعيم المعارضة، يائير لبيد، أن اقتحام بن غفير للمسجد الأقصى وضع إسرائيل في “خلاف” مع نصف العالم.
وأضاف لبيد في تغريدة على تويتر إن “هذا ما يحدث عندما يضطر رئيس وزراء ضعيف لتسليم المسؤولية لأكثر شخص غير مسؤول في الشرق الأوسط وفي أكثر مكان متفجر في المنطقة”، معتبرا أن هذا يمثل “عدم مسؤولية سياسية وضعفا لا يصدق من جانب نتنياهو أمام وزرائه”.
وصف رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد ناصر الهدمي، اقتحام وزير “الأمن القومي” الإسرائيلي المتطرّف ايتمار بن غفير، لباحات المسجد الأقصى صباح اليوم الثلاثاء بـ “الخطير” ويحمل عدة دلالات، مؤكدًا أنه كلما تأخر الرد عليه، زادت جرأة التعدي على المقدسات.
وقال “الهدمي” إن اقتحام “بن غفير” كان خاطفًا وفي وقتٍ مبكر بعد ساعات من إعلان التراجع عنه مؤقتًا، وذلك بهدف إضفاء نوع من الضبابية حول الموضوع.
وأشار إلى أنّ الاقتحام تمّ بصفة “بن غفير” وزيرًا في الحكومة وليس بصفته الشخصية، ودليل ذلك مكالمته الهاتفية ليلة أمس مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حول توقيت الاقتحام، مبينًا أن ذلك يعكس توجه حكومة الاحتلال لدعم رؤية وسياسة المتطرفين تجاه “الأقصى”
ورأى “الهدمي” أنّ دعم وتبني حكومة الاحتلال لمثل هذه الأفعال من “بن غفير” وبقية المتطرفين، يشكل خطورة وهو بمثابة إعلان حرب على الشعب الفلسطيني ومقدساته.
وتابع: “أنّ الاقتحام جاء باتفاق بين بن غفير ونتنياهو، ليُظهر بأن الحكومة الجديدة لا تتأثر بتهديدات المقاومة الفلسطينية وأنها تفعل ما تريد وفق رؤيتها وإدارتها ولا تتأثر بأي التهديدات”.
مقابل ذلك كله، لفت “الهدمي” إلى أنّ الاقتحام أظهر الخوف الكبير لدى “نتنياهو” و”بن غفير” من ردة فعل الفلسطينيين، حيث تمّ في ساعات مبكرة وبعد تضليل إعلامي بتأجيله مؤقتًا، وسط حراسة أمنية مشددة.
ونبّه “الهدمي” أن “مصداقية التهديدات الفلسطينية اليوم على المحك، فالجميع ينتظر طبيعة الرد على هذا الاقتحام”.
وأكمل: “بن غفير سيستمر في محاولاته لإظهار بأنه قادر على تنفيذ وعوداته لناخبيه وسيواصل انتهاكاته لحرمة المسجد الأقصى (..) وكلما تأخر الرد على الاقتحام السافر، زادت الجرأة على التعدي على مقدسات الشعب الفلسطيني”.
الباحث المقدسي فخري أبو دياب قال: “اقتحام بن غفير ينذر بأن جماعات الهيكل ومن خلفها الحكومة الإسرائيلية عازمون على تنفيذ وترجمة أقوالهم إلى أفعال بالنسبة لفرض الأمر الواقع في الأقصى؛ لتحقيق آمال وغايات وأطماع الصهيونية العالمية بالمسجد”.
وفي ضوء الاقتحام الذي جرى بعد ساعات من إعلان التراجع عنه مؤقتًا، رأى “أبو دياب” في حديثٍ مع “وكالة سند للأنباء” أنّ “استعمال التضليل والمرواغة الإعلامية لتنفيذ الاقتحام يُدلل أن حكومة الاحتلال تحسب الحساب للتواجد والحشد في الأقصى”.
وأشار إلى أنّ ما حدث “بالون اختبار للفلسطينيين، وجس نبض لما ستكون عليه الأمور في المستقبل القريب”، مستطردًا “إن كان هناك ردة فعل من الشارع المقدسي والفلسطيني والعربي والإسلامي على المستويين الرسمي والشعبي فالأمور ستتغير وسيكون هناك حد لغطرسة الاحتلال”.
لكن مرور هذا الاقتحام دون أي ردة فعل يعني أن القادم _بوجهة نظر أبو دياب _ سيكون المزيد من الانتهاكات والضغط على المسجد الأقصى، إضافة لفرض لوقائع تهويدية، وتنفيذ مخططات جماعات الهيكل هناك.
يُشار إلى أنّ الاقتحام هو الانتهاك الأول لحرمة المسجد من قبل “بن غفير” منذ توليه المنصب الجديد كوزير في حكومة بنيامين نتنياهو التي أدت اليمين الدستوري أمام الكنيست يوم الخميس الماضي.
من جانبه، قال الباحث والمختص في شؤون القدس زياد ابحيص، إن اقتحام “بن غفير” يمكن قراءته من جانبين مهمين، الأول هو تمكن “بن غفير” و”نتنياهو” من التضليل الإعلامي للمرة الثانية، حيث كانت الأولى في 11 أيلول/ سبتمبر عام 2019، حين أقدموا على تضليل مشابه وادّعوا أن الاقتحام قد ألغي.
وأضاف “ابحيص”: “جرى هذا التضليل بعد أن أوهم “بن غفير” الجميع بأنه لن يقتحم الأقصى؛ حتى يرتاح الشارع الفلسطيني ويركن على أن النصر قريب وسهل، ثم يقتحم لتصدير صورة نصر كان يمكن تجنبها بكل سهولة”.
ومن جهة أخرى، رأى “ابحيص” أن طبيعة اقتحام “بن غفير” للمسجد وهو خائف وسط حراسة 50 شرطيًا إسرائيليًا ومكوث 13 دقيقة مُنع خلالها التصوير، تأكيد على أنه كان يبحث عن صورة نصر، لكنه كرّس في اقتحامه هذا، أن لديه ما يخشاه”.