ويهدد تغيّر الخصائص الديموغرافية للدول قدرتها على البقاء، باعتبار أن اليد العاملة المتمثلة في شريحة الشباب والبالغين هي المحرك الرئيس لأي قطاع حيوي.
ومع تخطي عدد سكان العالم 8 مليارات شخص عام 2022م، إلا أن الأرقام الصادرة عن عدد من مراكز الإحصاء، أشارت إلى أن قارتي آسيا وأوروبا شهدتا انخفاضا ملحوظا في عدد المواليد خلال العام الماضي.
هذا الأسبوع، حذر الرئيس التنفيذي لشركة تسلا، من تلاشي دولة إيطاليا، بسبب انخفاض معدلات الخصوبة.. وقال: “إيطاليا والعديد من الدول الأخرى تحتضر”.
كذلك، تشير تقارير صندوق النقد الدولي لعديد من الاقتصادات المتقدمة، بما فيها ألمانيا، أن الشيخوخة تمثل عامل قلق لتقدم هذه الاقتصادات، بسبب انخفاض العمالة الفتية وارتفاع الإنفاق على الرعاية الصحية وأجور المتقاعدين.
وكشف تقرير صادر عن مكتب الإحصاءات الأوروبي “يوروستات” (تابع للمفوضية) في يوليو/تموز الماضي، انخفاض جديد في عدد سكان دول الاتحاد الأوروبي في عام 2021م، بعد أول انخفاض في النمو السكاني عام 2020م بسبب تأثير جائحة كورونا.
وأرجع التقرير السبب إلى “التغير السلبي” في النمو السكاني والناتج عن ارتفاع عدد الوفيات مقارنة بأعداد المواليد.
وذكر أن عدد سكان دول الاتحاد لم يزد على مدار نحو 62 عاماً سوى بمقدار 92.3 مليون شخص، حيث ارتفع من 354.5 مليون في عام 1960م إلى 446.8 مليون في 1 يناير/كانون الثاني 2022 م.
وشكلت ألمانيا وفرنسا وإيطاليا معاً، ما يقرب من نصف (47 %) إجمالي سكان الاتحاد الأوروبي في 1 يناير 2022م.
شيخوخة سكانية أوروبية
ووفقا لتقارير رسمية، شهدت ثمانية بلدان يزيد عدد سكانها عن 10 ملايين نسمة انخفاضاً في عدد سكانها خلال العقد الماضي.
إلى جانب أوكرانيا التي انخفض عدد سكانها على خلفية الحرب الروسية، فإن عدد السكان في إيطاليا والبرتغال وبولندا ورومانيا واليونان آخذ أيضا في الانخفاض.
وانخفض عدد سكان إيطاليا خلال العامين الماضيين بنحو 230 ألف نسمة، إذ يبلغ بحلول الشهر الثاني من 2023، نحو 60 مليون و232 ألف نسمة مقارنة بـ60 مليون و461 ألف، وفق لتقدير الأمم المتحدة لعام 2020م.
وفي البرتغال هناك انخفاض بنحو 60 ألف نسمة، حيث يبلغ تعدادها السكاني حتى فبراير/ شباط 2023م نحو 10 ملايين و120 ألف، مقارنة بـ 10 ملايين و196 ألف في 2020م.
وأوضحت بيانات مكتب الإحصاء المركزي في بولندا أن عدد السكان انخفض بمقدار 141 ألفاً على مدار عام 2022م، وهو ما يعد أعلى انخفاض لعدد المواليد في البلاد لأدنى مستوى منذ الحرب العالمية الثانية.
ويبلغ عدد سكان بولندا حتى فبراير الجاري، 37 مليون و 739 ألف.
وتراجع عدد سكان رومانيا أيضا من 19 مليون و237 ألف نسمة في 2020، إلى 18 مليون و907 آلاف في 2023م.
وشهدت اليونان تراجعا بأكثر من مليون نسمة منذ العام 2000م، إذا بات عدد سكانها 10 ملايين و200 ألف شخص، مقارنة بنحو 11 مليون قبل أكثر من عقد.
واعتبرت تقارير أن السبب المشترك في تراجع نمو السكان بهذه البلدان هو “انخفاض معدلات الخصوبة” وهو ما يعني أن النساء ينجبن عددًا أقل من الأطفال في المتوسط، عن ذي قبل.
وذكر البنك الدولي أنه تم تسجيل معدلات الخصوبة بين 1.2 إلى 1.6 طفل لكل امرأة في دول جنوب وشرق أوروبا، بينما هناك حاجة إلى معدل خصوبة أكثر من 2 للحفاظ على استقرار النمو السكاني.
ويضاف إلى هذه الظاهرة، موجة النزوح الجماعي الضخمة التي اجتاحت بولندا ورومانيا واليونان، حيث يغادر عدد أكبر من الناس للذهاب والعيش خارج بلدانهم.
وفيات بالملايين
وخارج أوروبا، تشهد اليابان أيضا انخفاضا في نموها السكاني، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى معدل الخصوبة المنخفض، والبالغ 1.3 طفل لكل امرأة.
وفقدت اليابان أكثر من 3 ملايين شخص بين عامي 2011 و2021م، وفق المصدر ذاته.
وينطبق الوضع نفسه على سوريا، حيث تشهد البلاد انخفاضا في عدد سكانها على خلفية الحرب وفرار ملايين اللاجئين إلى البلدان المجاورة.
وحسب تقديرات المرصد السوري، قتل نحو 606 آلاف رجل وامرأة وطفل خلال سنوات الحرب في سوريا.
قرن بلا مواليد
وفي يناير المنصرم، كشفت الصين عن انخفاض عدد مواليدها خلال عام 2021م، إلى مستوى غير مسبوق منذ عام 1978م على الأقل.
وبلغ معدل الولادة فيها 7.52 ولادات لكل ألف شخص عام 2021م، وفقا للمكتب الوطني للإحصاء، فيما بلغ 8.52 في عام 2020م.
وتوقع تقرير الأمم المتحدة “التوقعات السكانية في العالم: 2022” أن تفقد الصين نحو نصف سكانها بحلول عام 2100م، لتنخفض من أكثر من 1.4 مليار إلى 771 مليون نسمة.
ووفقا لتوقعات الأمم المتحدة، فإن عدد الصينيين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و64 عاماً سينخفض بنسبة أكثر من 60 % هذا القرن.
وتأثرت الاتجاهات السكانية في الصين على مر السنين إلى حد كبير من خلال سياسة الطفل الواحد المثيرة للجدل، التي أقرت عام 1979م لإبطاء النمو السكاني، حيث فرضت غرامات على العائلات التي انتهكت القواعد وفي بعض الحالات فقدت وظائفها.
وألغت الصين تلك السياسة في العام 2016م وسمحت للأزواج بإنجاب طفلين، إلا أنه تبين أن زيادة معدلات المواليد أصعب بكثير من خفضها.
كما أشار التقرير ذاته أن 4 دول من بين الدول العشر التي تضم أكبر عدد من السكان سيكون لديها عدد أقل بحلول نهاية القرن مما هي عليه الآن، وهي الصين، والبرازيل، وروسيا، والمكسيك.
ولفت التقرير إلى أن روسيا ستستمر في التراجع على مستوى النمو السكاني، حيث ستنخفض من 145 مليونًا في عام 2022 إلى 133 مليونًا في عام 2050م، و112 مليونًا في عام 2100م.
بينما ستشهد المكسيك ارتفاعاً في عدد مواليدها إلى 144 مليونًا في عام 2050م، ثم تتراجع إلى 116 مليونًا في عام 2100م.
أما البرازيل التي يبلغ عدد سكانها حالياً 215 مليون نسمة، فسيرتفع عدد سكانها إلى 231 مليونًا في عام 2050م، لكنه سينخفض إلى 185 مليونًا بحلول نهاية القرن.
كما أحدثت كوريا الجنوبية مفاجأة في السنوات الأخيرة، بتسجيلها انخفاضا في معدل المواليد، حيث يبلغ الآن أقل من 0.9 طفل لكل امرأة، وهو أقل بكثير من أسوأ الحالات التي كان يمكن الإشارة إليها قبل بضعة سنوات.
ومن المتوقع في غضون عامين أن يكون خمس السكان في كوريا الجنوبية فوق سن 65 عاماً، وفقاً لوكالة الإحصاء الوطنية.