يمثل الأربعاء 15 مارس 2023 أول يوم عالمي لمكافحة «الإسلاموفوبيا»، بعد أن أقرته الأمم المتحدة قبل عام، ليكون يوماً يهدف إلى زيادة الوعي بتلك الظاهرة، التي باتت متنامية بصورة كبيرة خلال الأعوام الماضية، خاصة في المجتمعات الغربية، وساهمت عدة عوامل في زيادتها وتأجيجها.
وكان أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة، البالغ عددهم 193 عضواً، قد تبنوا، في 15 مارس 2022، قراراً اقترحته باكستان يجعل 15 مارس من كل عام يوماً لمحاربة «الإسلاموفوبيا»، ويدعو نص القرار الذي صدر حينئذ إلى توسيع الجهود الدولية لخلق حوار عالمي، من شأنه أن يشجع التسامح والسلام، ويركز على احترام حقوق الإنسان وتنوع الأديان والمعتقدات.
تعريف الأمم المتحدة
وبحلول اليوم العالمي الأول لمكافحة «الإسلاموفوبيا»، يقول موقع الأمم المتحدة على الإنترنت، في معرض تعريفه للظاهرة: إن كره الإسلام أو كراهية الإسلام أو ما يعرف بـ «”الإسلاموفوبيا» هو الخوف من المسلمين والتحيز ضدهم، والتحامل عليهم، بما يؤدي إلى الاستفزاز والعداء، والتعصب بالتهديد وبالمضايقة، وبالإساءة وبالتحريض، وبالترهيب للمسلمين ولغير المسلمين، سواء في أرض الواقع أو على الإنترنت، وتستهدف تلك الكراهية -بدافع من العداء المؤسسي والأيديولوجي والسياسي والديني الذي يتجاوز تلك الأطر إلى عنصرية بنيوية وثقافية- الرموز والعلامات الدالة على أن الفرد المستهدف مسلم.
ووفقاً لموقع الأمم المتحدة أيضاً، فإن تقريراً صدر مؤخراً عن المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحرية الدين أو المعتقد، أشار إلى أن الشك والتمييز والكراهية الصريحة تجاه المسلمين وصلت إلى أبعاد وبائية.
ويشير الموقع إلى أنه وفي الدول التي يمثل فيها المسلمون أقلية، فإنهم غالباً ما يتعرضون للتمييز في الحصول على السلع والخدمات، وفي العثور على عمل وفي التعليم، كما أنهم يحرمون في بعض الدول من الجنسية، أو من وضع الهجرة القانوني، بسبب تصورات معادية للأجانب، تفيد بأن المسلمين يمثلون تهديدات للأمن القومي والإرهاب، بينما تتعرض النساء المسلمات إلى الجانب الأكبر من جرائم الكراهية في تلك المجتمعات، بفعل لباسهن الذي يشير إلى عقيدتهن، وفق ما تقوله المادة المنشورة على موقع الأمم المتحدة.
جوتيريش يصفها بالسُّم
ويوم الجمعة الماضي 10 مارس، وخلال فعالية للجمعية العامة للأمم المتحدة، لإحياء «اليوم العالمي الأول لمكافحة الإسلاموفوبيا»، وصف أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للمنظمة الدولية، كراهية الإسلام بأنها سُم، وقال: إن مسلمي العالم، الذين يبلغ عددهم نحو ملياري نسمة، هم تجسيد للإنسانية بكل تنوعها، مشيراً إلى أنهم ينحدرون من كل ركن من أركان المعمورة، لكنهم يواجهون في كثير من الأحيان تعصباً وتحيزاً لا لسبب سوى عقيدتهم.
وأضاف غوتيريش أن رسالة السلام والتعاطف والتراحم التي جاء بها الإسلام، منذ أكثر من 1400 عام، تشكل إلهاماً للناس حول العالم، مشيراً إلى أن كلمة إسلام ذاتها مشتقة من الجذر نفسه لكلمة سلام.
من جانبه، أكد الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي حسين إبراهيم طه، في كلمة له عبر الفيديو لفعالية الجمعية العامة للأمم المتحدة، ضرورة عدم إفساح أي مجال للكراهية الدينية بالمجتمعات، داعياً جميع البلدان والمنظمات الدولية والإقليمية إلى الاحتفال بيوم 15 مارس يوماً عالمياً لمكافحة «الإسلاموفوبيا».
تساؤل قائم وحالة متصاعدة
ويبقى التساؤل قائماً، بعد بدء الاحتفال بهذا اليوم العالمي لمكافحة «الإسلاموفوبيا»، عن إمكانية أن يسهم اليوم في رفع وعي شعوب العالم خاصة الغربية منها، بالجوانب المضيئة للإسلام، في وقت تبدو فيه الظاهرة في ازدياد وفق ما كشفت عنه تنسيقية محاربة «الإسلاموفوبيا» في أوروبا، مؤخراً، إذ تحدثت عن أرقام صادمة، في تقريرها السنوي الذي يتعلق بانتشار ظاهرة كراهية الإسلام في مختلف الدول الأوروبية عامة وفرنسا خاصة.
وكان السياسي السويدي الدنماركي المتطرف راسموس بالودان، قد أعاد قضية «الإسلاموفوبيا» في أوروبا إلى الواجهة وبقوة، وأثار مخاوف الجاليات العربية والمسلمة في السويد، وفي أوروبا بشكل عام، عندما أقدم مجدداً على حرق نسخة من القرآن الكريم يوم السبت 21 يناير الماضي، أمام السفارة التركية، بالعاصمة السويدية ستوكهولم؛ وهو ما أدى إلى موجة غضب من قبل العديد من المسلمين في أنحاء العالم ومن العديد من الناشطين من غير المسلمين في أوروبا على حد سواء.
ويعتبر العديد من المراقبين أن قوى اليمين المتطرف في أوروبا، التي شهدت صعوداً سياسياً على مدى السنوات الماضية تعمل على تغذية نزعة الخوف من المسلمين والإسلام في المجتمعات الأوروبية، بهدف الحصول على مكاسب سياسية، تتمثل في زيادة عدد الأصوات التي تحصدها عبر صناديق الانتخاب، في طريق وصولها للسلطة، وهي تستغل في خطابها الشعبوي ذلك، حالة الركود الاقتصادي، والأزمات التي تعاني منها العديد من الدول الأوروبية، بما يكسب خطابها زخماً لدى فئات واسعة في المجتمع.
«التعاون الإسلامي»: بذل الجهود لمكافحة «الإسلاموفوبيا» والتعصب الديني
وأوضح الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، حسين إبراهيم طه، الانعكاسات السلبية للعنف على أساس الدين أو المعتقد، مؤكداً ضرورة عدم فسح أي مجال للكراهية الدينية وعدم التسامح في مجتمعاتنا.
جاء ذلك في الخطاب الذي ألقاه الأمين العام في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك ضمن فعالية الاحتفال بـ«اليوم العالمي لمكافحة الإسلاموفوبيا»، الذي دعا خلاله جميع البلدان والمنظمات الدولية والإقليمية إلى الاحتفال بيوم 15 مارس يوماً عالمياً لمكافحة «الإسلاموفوبيا»، في إطار جهودها الجماعية لمكافحة التحريض على الكراهية والتعصب على أساس الدين أو المعتقد وتعزيز الحوار والتفاهم.
وقدم ممثلو الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وبعض المنظمات الدولية مداخلاتهم، حيث أعربوا عن التزاماتهم ودعمهم للجهود التي تبذلها الأطراف المعنية بمكافحة «الإسلاموفوبيا» والتمييز والكراهية على أساس المعتقد الديني.
يشار إلى أن هذه الفعالية عقدت بالاشتراك بين رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة ووزير خارجية باكستان وبالتنسيق مع الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي.
وفي موازاة الاحتفال بـ«اليوم العالمي لمكافحة الإسلاموفوبيا»، يشارك د. محمد بشاري، أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، في مؤتمر دولي للتصدي لتلك الظاهرة.
ويعقد المؤتمر في العاصمة الأذربيجانية باكو، خلال يومي 15 و16 مارس الجاري، تحت عنوان «الإسلاموفوبيا كشكل محدد من أشكال العنصرية والتمييز: تحديات عالمية وعابرة للحدود».
المؤتمر ينظمه مركز التعددية الثقافي الدولي في باكو، ومركز تحليل العلاقات الدولية، ومنتدى مجموعة العشرين للحوار بين الأديان.
ويهدف المؤتمر إلى إنشاء منصة أكاديمية لمناقشة الاتجاهات المثيرة التي تستهدف الدول المسلمة، والدول ذات الأغلبية المسلمة، على الصعيدين الدولي والوطني.
ويشهد المؤتمر مشاركة علماء من 32 دولة، وعلى رأسها الدول العربية، وخبراء من المنظمات الدولية، وشخصيات دينية وممثلون عن منظمات غير حكومية.
ويناقش المشاركون، خلال المؤتمر، المناهج المختلفة في مكافحة «الإسلاموفوبيا»، ومظاهر «الإسلاموفوبيا» في بعض الدول الأوروبية، و«الإسلاموفوبيا» في وسائل الإعلام العالمية.