حادثتان إرهابيتان في زمن متقارب ومكان جغرافي واحد هو الغرب الأوروبي، الأولى (27 يونيو 2023م) قيام شرطي (مرور) فرنسي بإطلاق النار من مسافة صفر (متر تقريبًا) على شاب جزائري مسلم (17 عامًا) للاشتباه في كونه إرهابيًا (نائل المرزوقي) لمجرد أنه ذو ملامح عربية واضحة.
والحادثة الثانية في اليوم التالي مباشرة وفي أول أيام عيد الأضحى (28 يونيو 2023م)، وكانت حرق نسخة من المصحف الشريف أمام مسجد تجمع المسلمون فيه لأداء صلاة العيد، أما المكان فهو دولة السويد، وهو عمل متكرر في هذه الدولة وبشكل شبه منتظم، في كل عام أو في العام الواحد أكثر من مرة.
إن هاتين الحادثتين ليستا عشوائيتين، أو منفردتين، بل هما متكررتان وبصورة كثيفة في المجتمعات الغربية ضد الجاليات المسلمة، التي تعتبر جزءًا رئيسًا من مكونات المجتمع الغربي سواء بالميلاد أو النشأة، لكن يختلفون فقط في المعتقد الديني الذي هو بالتحديد الإسلام.
والحقيقة التي نسعى إلى بيانها أن تلك الحوادث وغيرها إنما هي ممنهجة وفق مؤسسات اجتماعية وتشريعية وسياسية يكمن في بنيتها الفكرية الكراهية للآخر؛ تحديدًا الإسلام، وكل من ينتمي إليه وكل مناسكه ومظاهره، حتى وإن كان من يحمل تلك الطقوس والمظاهر هو ابن أصيل في موطنه الغربي.
تشريعات عنصرية
سعت فرنسا في شرعنة التحيز والتمييز ضد المسلمين، فأصدرت قانوناً يحظر ارتداء الحجاب في المدارس والمعاهد التعليمية أو ما عرف بقانون «الرموز الدينية» عام 2004م الأشهر في التشريعات الفرنسية ضد المظاهر والفروض الدينية الإسلامية، «وكان العديد من مديري المدارس والمدرسين في فرنسا قد استخدموا حظر ارتداء الحجاب في المدارس العامة عام 2004م، كذريعة لمطاردة الفنيات المسلمات اللاتي يرتدين ملابس أشير لها أنها طويلة جدًا لتعتبر من الرموز الدينية»، «وقد التزمت وزيرة التعليم –آنذاك- بتأييد موقف موظفي المدرسة لتصرفهم «الحكيم» في النظرة للمسلمين كمواطنين من الدرجة الثانية وغير جديرين بحقوق الإنسان، ولا الحرية الدينية»، ومنذ بدء تطبيق القانون (حظر ارتداء الحجاب) مع بداية العام الدراسي 2004 – 2005م طردت نحو 40 طالبة مسلمة من مدارس حكومية فرنسية رفضن خلع حجابهن لدى دخولهن المدرسة»، بحسب وسائل الإعلام الفرنسية.
كما أنه وعقب الهجمات الإرهابية في باريس عام 2015م، انخرط اليمين واليسار الفرنسي في تنافس سياسي شديد على من سيكون الأكثر تشددًا والمسؤولين المباشرين وغير المباشرين في تعاونهم مع الإرهاب من المسلمين، حيث جاءت عبارة رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس (2014-2016م): «العدو بيننا»؛ لتجعل هذه من الإجراءات الأمنية ضرورة لا غنى عنها، وذلك بغية إقامة شبكة رصد ومراقبة ضخمة(1).
كما أصدرت محكمة النقض الفرنسية، في نوفمبر 2017م، قرارًا جديدًا رخصت فيه للشركات الخاصة بمنع موظفاتها من الحجاب، خاصة إن كن على اتصال مباشر بالعملاء، وهو ذاته قرار محكمة العدل الأوروبية في ذات القضية، وهي حالة المهندسة أسماء بوغناوي(2).
كذلك في تقريره الصادر عام 2020م، يسجّل «التجمع ضدّ الإسلاموفوبيا» في فرنسا ارتفاعًا بنسبة 77% في الاعتداءات على خلفية كراهية دينية، على مسلمين، بين عامي 2017 و2019م، ورصد التجمّع عام 2019م نحو 789 فعلًا يندرج تحت مظلّة كراهية المسلمين، يقول: إنّ 59% منها صدر عن مؤسسات حكومية.
هذا التجمّع أعلن بعد ذلك عن حلّ نفسه، ونقل أنشطته إلى خارج فرنسا، بعد أن اتهمه وزير الداخلية جيرار دارمانان بأنّه «بؤرة إسلاميّة»! ويضاف إلى ذلك وليس آخرًا موقف ماكرون، عام 2020م، من الرسوم المسيئة للنبوة وتأييده لها ووصفه الإسلام دين يمر بأزمة.
ألمانيا.. والتمييز ضد 5.5 ملايين مسلم
في تقرير حديث (29 يونيو 2023م)، قامت به مجموعة من الخبراء المستقلين حول «العداء ضد المسلمين في ألمانيا»، على مدار 3 سنوات للكشف عن موقف الألمان من المسلمين داخل ألمانيا الذين يبلغ عددهم حوالي 5.5 ملايين مسلم، خلص التقرير إلى أن ما لا يقل عن ثلث المسلمين في ألمانيا يعانون من العداء بسبب دينهم؛ ومع ذلك، أشار الخبراء إلى أن الأعداد الحقيقية من المرجح أن تكون أعلى بكثير، حيث يبدو أن 10% فقط من المسلمين يبلّغون عن جرائم العداء والكراهية التي ترتكب ضدهم.
وقالت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر، في بيان: «حياة المسلمين تنتمي إلى ألمانيا بطبيعة الحال، وهذا يجعل نتائج هذا التقرير الشامل الأول عن العداء للمسلمين في ألمانيا أكثر إثارة للمرارة»(3)، وأضافت: «يعاني المسلمون في ألمانيا من الإقصاء والتمييز في حياتهم اليومية إلى مستوى الكراهية والعنف، من المهم للغاية إلقاء الضوء على ذلك، وزيادة الوعي بالاستياء الذي لا يزال واسع الانتشار».
وقال الخبراء: إن المسلمين الألمان لا يتعرضون للعنصرية الصارخة فحسب، بل يتعرضون أيضاً للتنميط اليومي من أطفال رياض الأطفال حتى المسنين.
ووفقاً للتقرير، فإن أكثر الأشخاص عرضة لمعاداة المسلمين هم من يظهرون انتماءهم الديني سواء عبر الملابس أو عبر الانضمام لمؤسسات معينة.
وأضاف التقرير أن النساء اللاتي يرتدين الحجاب هن أكثر عرضة بشكل خاص لأشكال قاسية من العداء، أما بالنسبة للرجال فإنهم يواجهون اتهامات متزايدة بالعنف.
التقرير وضع تعريفًا لمعاداة المسلمين على أنها إلصاق صفات عامة وشاملة ومتحجرة وغير قابلة للتغيير، بالمسلمين، كما أشار إلى أن المخاوف العامة المعتمدة على نقص المعلومات والتمييز الممنهج من شأنه أن يؤدي إلى انقسام عدائي للمجتمع.
ووفقاً للتقرير، فإن التفكير المعادي للمسلمين ليس ظاهرة مقتصرة على اليمين فحسب، لكنها منتشرة في المجتمع.
ورصد التقرير، المكون من 400 صفحة، تعميم فكرة غياب قدرة المسلمات على اتخاذ قرارات بشأن حياتهن، في حين يقول الرجال: إنهم يواجهون لصق العدوانية والعنف بهم.
وأضاف التقرير أن مسألة معاداة المسلمين ليست غالباً مجرد وقائع فردية، ولكنها متكررة تشمل الإقصاء والتمييز، وتصل إلى حد العنف والكراهية.
مسؤولية الدول الإسلامية والهيئات والمؤسسات
لا يمكن إغفال الدور الغائب/ المفقود للدول العربية والإسلامية، والهيئات والمؤسسات والمنظمات الإسلامية الكبرى في العالم الإسلامي، التي يتركز موقفها دائمًا وبصورة ملاحظة في التنديد والشجب والاستنكار، مع استمرار تفاقهم الاضطهاد للمسلمين في الغرب، لا بد أن يتطور هذا الموقف للبحث في التشريعات والقوانين الغربية التي تؤسس لهذا الاضطهاد الغربي الممنهج ضد المسلمين، وتقديم تعديلات لتشريعات تلك القوانين، وممارسة الضغوط على الدول الغربية التي ترتبط مصالحها البترولية والطاقة والأسواق بالعالم العربي والإسلامي، وأن يتم تأسيس مراصد للخطاب الغربي يكون على تواصل مع مؤسسات صناعة القرار والأمن في البلدان الغربية، لوقف التجاوزات في الإعلام والخطاب والتشريعات لا سيما تلك التي يتفاقم فيها التحيز والكراهية والاعتداء على أرواح ومقدسات المسلمين.
لابد من تطوير الموقف الإسلامي وتشكيل جبهة سياسية وثقافية موحدة وذات تأثير، وبيان المآلات التي تعود على المسلمين والإسلام عامة والمجتمعات الغربية خاصة بتزايد العنف والعنف المضاد فيها، وتهيئة بيئة خصبة لنمو أفكار الكراهية ضد العرب والمسلمين، ودون ذلك فسوف تتكرر هذه الحوادث وتلك الاعتداءات على الأرواح المسلمة والمقدسات بصورة مستمرة ومتفاقمة.
_____________________
(1) هيئة التحرير: فرنسا القدوة السيئة تحويل العلمانية لسلاح ضد المسلمين، موقع إرم نيوز 18 أبريل 2016، تاريخ الزيارة، 30/8/2019،https://www.eremnews.com/news/world/473432.
(2) هيئة التحرير: طرد مهندسة من العمل بسبب الحجاب، المرصد الفرنسي لقضايا الإسلام، http://www.marsadlislam.fr/ تاريخ الزيارة، 30/ 8/ 2019.
(3) انظر حول هذا التقرير:
– تقرير: 5.5 ملايين مسلم في ألمانيا يتعرضون يومياً للعنصرية، سكاي نيوز عربية (com).
– تقرير لجنة خبراء: معاداة المسلمين منتشرة على نطاق واسع في ألمانيا (قناة DW العربية).