تعد التربية الإيجابية من العوامل المهمة التي تساعد على بناء شخصية الأبناء في المستقبل وتنمية مهاراتهم العقلية والاجتماعية.
ولا شك أن دور الأبوين في التربية حيوي وأساسي لتطوير شخصية الأبناء وتعزيز السلوكيات الإيجابية لديهم، والتعاون بين الوالدين الأساس للنجاح.
لكن الخطأ الذي يقع فيه معظم الآباء هو إلقاء مسؤولية التربية على الأم بمفردها، وغياب الأب عن ذلك الدور الحيوي ليتحول لممول فقط يقدم الدعم المادي دون المعنوي، وهذا ما يؤثر بالسلب على شخصية الأبناء.
لذا، فإننا نتطرق لذلك الأمر في هذا المقال، ونسلط الضوء على الدور التربوي للأب ومدى تأثيره الإيجابي في تكوين الشخصية السوية للطفل.
الأب القدوة
يعتبر الأبناء هم صور مصغرة للآباء، ليس شكلاً فحسب، بل سلوكاً وأفعالاً كذلك، لذا فمن الضروري أن يحرص الآباء على أن يكونوا القدوة الحسنة للأبناء في الأخلاق والسلوك، وأن يهتموا بتطبيق ما يعلمونه لأولادهم على أنفسهم قبل أن يوجهوهم إليه، فلا يصح أن ينصح الأب ابنه بسلوك ويأتي بنقيضه.
وهذا ما أشار إليه الإمام ابن القيم في قوله: «أكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء، وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغاراً، فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوهم كباراً».
الداعم والسند
يعد الأب الداعم الأول والأقوى للأبناء، والحصن المنيع الذي يحتمون به كلما اضطربت بهم أمواج الحياة، وتفعيل الأب لذلك الدور يمنح الأبناء القوة النفسية التي تعينهم على مواجهة صعوبات الحياة.
والمؤكد أن الدعم الحقيقي يكون في كل المواضع وخاصة مواضع الضعف والاضطراب؛ أي أن الأب يدعم ابنه وقت الخطأ، وذلك بالتقويم والعلاج وعدم تركه فريسة ضعيفة للمغريات والأهواء تفتك به، حيث يستمد الأبناء من آبائهم القوة التي تصلب ظهورهم ما بقي من العمر.
الأب الملهم
لا يغيب عن الأب دوره الملهم في تربية الأبناء، فهو من يكتشف مواهبهم مبكراً، ويفتح لهم آفاقاً جديدة قد تكون غائبة عنهم، ويعزز لديهم ثقتهم بأنفسهم وبقدراتهم على تحقيق ما يطمحون إليه، وهو الذي يساعدهم على التحدي واكتشاف الجوانب الإيجابية في شخصياتهم.
فدور الأب الملهم هو ما يساعد على تنمية الإبداع لدى الأبناء والخروج بهم من النمطية إلى آفاق الكون الرحبة ليحققوا التميز المأمول.
المربي لا الممول
رسالة الأب في الحياة لا تتجسد في توفير وسائل المعيشة للأبناء فحسب، بل رسالته تتخطى ذلك بكثير، فهو المربي الأول لهم، وهو المسؤول عن تعليمهم فرائض دينهم، وغرس القيم والأخلاق بداخلهم، وهو المسؤول كذلك عن تقويم أي اعوجاج يطال أياً منهم والعبور بهم لبر الأمان، يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً) (التحريم: 6).
فدور الأب أن يجنّب نفسه وأبناءه النار، وأن يمهد لهم طريق الجنة.
القائد المسؤول
يتعلم الابن القيادة والإقدام من والده، فالأب المسؤول هو من يتحمل مسؤوليات قيادة الأسرة واتخاذ القرارات الصعبة والمصيرية بكل شجاعة، فيتعلم الأبناء منه تحمل المسؤولية ومواجهة صعوبات الحياة.
كما أنه مسؤول عن توفير البيئة الآمنة والمستقرة للأبناء، ولكن المؤسف أننا قد نرى صوراً لتملص الأب من مسؤولياته الجسيمة تجاه أسرته، وهذا ينعكس بالسلب على الأبناء؛ حيث يفقدون الثقة بأنفسهم، بل وبالمجتمع ككل، وتتولد لديهم الكثير من الأمراض النفسية التي تهدد مستقبلهم بأكمله؛ لذا فمن الضروري أن يحرص الأب على دوره كقائد للأسرة ومسؤول عنها مسؤولية كاملة ليضمن سلامة الأسرة والأبناء، امتثالاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّتِه، والأمير راعٍ، والرجل راعٍ على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولدِه، فكلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤول عن رعيَّتِه» (متفق عليه).
الغرس الطيب والنبت الصالح
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت».
دور الآباء عظيم في تربية الأبناء والتخلي عن ذلك الدور هو أكبر الآثام، فأبناؤنا هم غراسنا التي تنمو وتزهر لتصبح امتداداً لأعمارنا وأعمالنا، فلنغرس غرساً طيباً لنحصد الخير والثواب في الدنيا والآخرة.
قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ: إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» (رواه مسلم).
يموت الإنسان وتنقطع صلته بالحياة وتنقطع أعماله، ولكن يبقى الابن الصالح العمل الممتد الذي لا ينقطع خيره في الدنيا ولا الآخرة، فربوا أبناءكم ليكون زادكم للآخرة وعملكم الباقي بعد أن تغادروا الحياة، ولتعلموا أن صلاحكم نجاة لأبنائكم كما علمنا الله في قصة الغلامين اليتيمين مع نبي الله موسى والرجل الصالح؛ (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً) (الكهف: 82).
ومن أقوال العلامة السعدي رحمة الله عليه: صلاح الوالدين بالعلم والعمل من أعظم الأسباب لصلاح أولادهم.