تصدر خبر منع مجندات بالجيش الصهيوني من الغناء؛ بسبب تواجد جنود متدينين، «تريند» الأخبار داخل الكيان، وسط استمرار الجدال داخل حكومة نتنياهو بشأن قانون «تجنيد الحريديم».
نشرت القناة العبرية الـ«12»، تقريرًا مصورًا، قبل أيام، أكدت من خلاله منع مجندات من الغناء وعزف الموسيقى وترديدها أو غنائهن أثناء أداء خدماتهن داخل مطبخ بقاعدة عسكرية وسط الكيان، بدعوى وجود جنود من «الحريديم» (المتدينين المتشددين) داخل قاعة الاحتفال، حيث يعتبرون هذا التصرف سلوكًا غير محتشم.
فتح تحقيق عسكري عاجل
مما حدا بالجيش الصهيوني إلى فتح تحقيق عسكري عاجل في الواقعة، مدعيًا أنه يكرم ويحترم من يخدم بقواته العسكرية، ليأتي تأكيدًا على استمرار أزمة خانقة داخل الكيان، ممثلة في الهوة الكبيرة بين العلمانيين والمتدينين الصهاينة، فضلاً عن حالة التمييز الديني الواضحة ضد المرأة، رغم كثرة الحديث عن المساواة في العبء، ليُفتح الباب، مجددًا، حول مدى تجنيد الحريديم وتطبيق الخدمة الإلزامية عليهم.
الجدل داخل ائتلاف نتنياهو يتصاعد.. والخلاف بين العلمانيين والمتدينين الصهاينة يزداد شراسة
رغم توجيه حكومة نتنياهو بعدم تطبيق الخدمة الإلزامية على الحريديم، حتى التوصل إلى حل مرضٍ، فإن هناك نارًا مشتعلة تحت الرماد، تظهر بين ساعة وأخرى، خاصة مع استمرار المظاهرات الصهيونية ضد التعديلات القضائية التي يحاول نتنياهو تمريرها لإصلاح القضاء، في ظل سعي قوي للأحزاب الدينية لسَّن قانون جديد في دورة الكنيست الشتوية المقبلة (من المفترض أن تبدأ في أكتوبر القادم) يكون محميًّا بدوره، حتى لا يمكن للمحكمة العليا إلغاؤه، وهو ما يرفضه العلمانيون داخل الكيان الصهيوني.
تصاعد الجدل داخل ائتلاف نتنياهو
والثابت أن سريان قانون إعفاء الحريديم من الخدمة الإلزامية في الجيش الصهيوني قد انتهت في يوليو الماضي، لكن يتصاعد الجدل داخل ائتلاف نتنياهو، حول هذا القانون، الذي من الممكن أن يسبب صداعًا مستقبليًّا له خلال الأسابيع القليلة القادمة.
الخلاف بين العلمانيين والمتدينين الصهاينة (اليهود الأرثوذكس المتشددين) يزداد شراسة، ويضع لبنة فوق أخرى في جدار العزل الاختياري الداخلي بينهما، خاصة إذا رأينا تداول وسائل التواصل الاجتماعي الصهيونية لشريط فيديو يظهر فيه مجموعة من السيدات يغنين داخل طائرة، في حالة من الغيظ المكتوم، في ظل تواجد رجل من الحريديم يصم أذنيه عن سماع أغانيهن؛ إضافة إلى طلب جلوس فتيات أو نساء من العلمانيين في الجزء الخلفي من الحافلات داخل مدينة القدس المحتلة؛ بسبب حساسية الركاب من الذكور المتدينين.
الدمج بين تعلم التوراة والالتحاق بالخدمة العسكرية
والواضح أن دعوة نتنياهو لمعاقبة أي شخص يمارس التمييز ضد الركاب في وسائل النقل العامة داخل الكيان الصهيوني، يثبت أن الكيان ليس دولة حرة أو ديمقراطية كما يزعم، بل دولة فصل عنصري حتى بين أبنائه، خاصة وأن التعداد السكاني للحريديم 1.28 مليون شخص، من أصل 9 ملايين و727 ألف «إسرائيلي» في العام 2023م (21% منهم من العرب)؛ ما يعني أنهم يمثلون نسبة كبيرة داخل الكيان، ويدعون الحرص على تطبيق التفاصيل الدقيقة للشريعة اليهودية وطقوسها الدينية، رافضين للخدمة العسكرية في الجيش، في وقت تنادي الأحزاب السياسية العلمانية في الكيان بالدمج بين تعلم التوراة والالتحاق بالخدمة العسكرية.
«الحريديم» يمثلون نسبة كبيرة داخل الكيان بتعداد يصل إلى 1.28 مليون شخص
يجنح الكيان الصهيوني أكثر فأكثر نحو الدولة الدينية في تزايد أعداد المتدينين ومحاولة السلطات الصهيونية ترضيتهم بأي شكل، سواء بتدشين بلدات كاملة خاصة بهم، أحدها في جنوب البلاد بصحراء النقب، وأخرى في الجليل الأعلى شمالي فلسطين المحتلة، أو بسَّن قوانين لضم وقضم المزيد من الأراضي الفلسطينية، في الضفة الغربية والقدس المحتلتين.
العزلة الاختيارية
ورغم رفضهم الالتحاق بالخدمة العسكرية، فإن دخول عدد محدود من الحريديم للتجنيد الإجباري، يعني محاولتهم الدمج بين الحفاظ على التوراة والخدمة في جيش بلدهم الصهيوني، وهو حل وسط لترضية الطرفين (العلمانيين والمتدينين)، خاصة إذا قلنا: إن اختيار بعض اليهود المتشددين لهذا الحل يرمي إلى محاولة حقيقية للخروج من بوتقة أو عزلة اختيارية للانخراط في المجتمع الصهيوني، باعتبار أن الجيش أو الخدمة الوطنية الإلزامية باتت حلولاً أساسية لهذا الدمج.
دمج الحريديم في المجتمع الصهيوني من الممكن أن يصبح إجباريًّا بمرور الوقت، في ظل الحديث عن زيادة ملحوظة في مواليد المتدينين، حيث سيكون 49% من الأطفال المولودين داخل الكيان في العام 2065م من المتدينين أنفسهم، إلا أنه مع زيادة هذا العدد ربما تدفع بالكيان نحو هاوية رفض تجنيدهم إلزاميًا، وتلبية مطالبهم المتزايدة، في ظل تردد الصهاينة للحديث عن توليهم مقاليد الأمور، مستقبليًّا، باعتباره سيكون أمرًا واقعًا.