عندما تصاعد العداء بين الدول العربية و«إسرائيل» في أول مايو 1967م، وتبع ذلك تجهيزات عسكرية على الحدود، وظل الوضع في توتر حتى أعلن الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، في 23 مايو 1967م، إغلاق مضيق تيران أمام السفن «الإسرائيلية» والسفن المتجهة إليها، وأيدت الدول العربية هذا القرار، بينما اعتبرته «إسرائيل» أنه عمل حربي وعدائي يجب الرد عليه، واستمرت الحشود العسكرية والتعبئة العامة في الدول العربية و«إسرائيل»؛ ما يؤكد قرب اندلاع الحرب في أي وقت.
القوات الكويتية في حرب يونيو1967م
أدركت الكويت خطورة الوضع، وضرورة تقديم الدعم الكامل للقوات المصرية؛ فأمر أمير الكويت الشيخ صباح السالم الصباح بإرسال قوات من الجيش الكويتي لدعم الجيش المصري ضد أي عدوان محتمل؛ فتم تجهيز «لواء اليرموك» الذي يمثل ثلث الجيش الكويتي في ذلك الوقت بكامل أسلحته وعتاده من موازنة الدولة، وعدده ألف مقاتل، ويتكون من 4 كتائب، هي: كتيبة الدبابات، وكتيبة الصواريخ، وكتيبة المغاوير، وكتيبة المشاة، ومعهم الفنيون، وعُين العميد صالح محمد الصباح قائداً له، ونائب رئيس الأركان العميد عبدالله الفراج الغانم نائبًا له، والمقدم محمد عبدالعزيز البدر رئيسًا للعمليات، والمقدم سعدي مطلق قائدًا للدروع، والرائد عمر زعيتر قائدًا للمدفعية، وجاسم شهاب قائدًا لوحدة الصواريخ.
وفي 28 مايو 1967م، أقيم احتفال وعرض عسكري كبير في مدرسة تدريب المشاة بالكويت لتوديع «لواء اليرموك» حضره أمير الكويت الشيخ صباح السالم الصباح، وولي عهده الشيخ جابر الأحمد الصباح، ووزير الدفاع الفريق سعد العبدالله الصباح، ورئيس الأركان الفريق مبارك العبدالله الجابر الصباح، والوزراء وأعضاء مجلس الأمة، وخاطب أمير الكويت الشيخ صباح السالم الصباح جنود «لواء اليرموك» بقوله: «لقد قررت أمتنا حسم هذا الأمر وقبول التحديات «الإسرائيلية»، وخوض المعركة متى نشبت إلى نهايتها»، ثم قال: «كم كان محببًا لديّ أن أكون معكم، كواحد منكم أشارككم الأخطار والمصير في السراء والضراء».
وتصدرت صور أبطال الكويت الصحف أثناء تجمعهم للانتقال إلى مصر، وقامت طائرات الخطوط الجوية الكويتية بنقلهم، وطائرات أخرى لنقل المعدات العسكرية، وتم نقل معدات أخرى عن طريق البر.
وصل «لواء اليرموك» الكويتي إلى مطارات القاهرة وفايد وكبريت، في 2 يونيو 1967م، تمهيدًا لنقلهم إلى الفرقة السابعة المصرية في رفح ضمن قطاع منطقة عمليات العريش، وتم إعداد مقر لقيادة اللواء في نادي ضباط قاعدة فايد، واستخدمت إحدى المدارس كقاعدة للمشاة الكويتيين لحين إرسالهم للجبهة، وبذلك تصبح الكويت أول دولة عربية ترسل قواتها إلى الجبهة المصرية.
وفي يوم 4 يونيو 1967م، طلبت القيادة المصرية من القوات الكويتية بقيادة العقيد عبدالله فراج الغانم أن تنتقل إلى العريش، ومنها إلى رفح، وقد استقبلت قوات الكويت بحفاوة بالغة من أهل العريش مرددين هتافات «صباح يا حبيب بكرة نخطب في تل أبيب»، وأُعد قطار لنقلهم إلى رفح، وآخر لحمل المعدات الثقيلة والمدافع الكويتية، وبينما القوة الكويتية في طريقها إلى رفح يوم 5 يونيو 1967م؛ فإذا بالعدوان الصهيوني قد بدأ على جبهات القتال ما أدى إلى عودة القوة الكويتية وتحصنها في العريش.
واستطاعت القوات «الإسرائيلية» تدمير الفرق المصرية القريبة من الحدود، ومنها الفرقة السابعة في رفح واستشهد قائدها اللواء عبدالعزيز سليمان التي كان مقررًا للقوة الكويتية الانضمام إليها ما جعلها تنسحب إلى مواقع أخرى، وأصبح الطريق مفتوحًا إلى العريش كبرى حواضر سيناء، وظهرت أول دبابة صهيونية أمام النصب التذكاري في مدخل العريش مساء 5 يونيو وسط ذهول الجميع؛ حيث لم يبق إلا المقاومة الشعبية ووحدات الحرس الوطني، وتم توزيع الأسلحة على المواطنين للدفاع عن الأماكن الحيوية في المدينة، لكن لم تجدِ المقاومة؛ فسقطت المدينة في اليوم الثاني من الحرب.
وأصدرت القيادة المصرية الأوامر بالانسحاب، فانسحبت القوة الكويتية إلى البحر في الشاليهات تمهيدًا للانسحاب إلى منطقة أخرى، وتفرقوا إلى مجموعات متخذين طريق العريش القنطرة، فساروا في صحراء سيناء التي لم يسيروا فيها من قبل في ظروف جوية صعبة للغاية، فالحرُّ شديد، وكانوا مضطرين أحيانًا إلى الزحف على الرمال لمسافات طويلة والتخفي عن عيون الدوريات الصهيونية؛ فيسيرون ليلًا ويبتعدون عن الطريق نهارًا، ويشجع بعضهم بعضًا على المسير بالرغم من الخوف والجوع والإعياء الشديد، وظلوا على هذه الحالة حتى وصلوا إلى قرية بئر العبد ثم قرية رمانة.
وفي 7 يونيو 1967م، دخلت القوة الكويتية قرية بئر المزار حيث وجدت حامية عسكرية مصرية في القرية رحبوا بهم وأحسنوا استقبالهم، فقدموا لهم ما توفر معهم من طعام، ثم اتجهوا -وفقًا لخطة الانسحاب- إلى فايد ثم إلى القنطرة؛ حيث تم تخصيص موقع لهم في دهشور بالقرب من القاهرة، وبعد إعادة تنظيمها رجعت القوة إلى الجبهة غرب القناة وأخذت مواقعها في جزيرة الفرسان وبحيرة التمساح لتخوض مع الجيش المصري معارك حرب الاستنزاف.
وقد جاءت قرارات القيادة الكويتية مواكبة لتطورات الأحداث وتصاعدها، ففي يوم العدوان 5 يونيو أصدر أمير الكويت الشيخ صباح السالم الصباح مرسومًا أميريًا جاء فيه: «نعلن ونقرر أن دولة الكويت في حرب دفاعية من صباح اليوم مع العصابات الصهيونية في فلسطين المحتلة»، وهذا المرسوم يضع الكويت في حالة حرب قائمة مع الكيان الصهيوني.
وفي 7 يونيو 1967م، قرر مجلس الوزراء الكويتي ومجلس الأمة وقف تصدير النفط إلى بريطانيا وأمريكا، وأعلنت الكويت إيقاف مصالح الدول المؤيدة لـ«إسرائيل».
وتابعت القيادة الكويتية الأوضاع خلال حرب الاستنزاف، فزار وزير الدفاع الكويتي الفريق سعد العبدالله الصباح مصر عام 1972م، وتفقد أحوال الجيش على الجبهة الغربية لقناة السويس.
وخلال حرب الاستنزاف من يونيو 1967 حتى 6 أكتوبر 1973م، استشهد من القوات الكويتية على أرض مصر 24 جنديًا وضابطًا، كان أول الشهداء عصام سليمان قاسم السيد، في 12/ 4/ 1968م، وكان موقع القوات الكويتية في منطقة قناة السويس يتعرض لهجوم «إسرائيلي» في فترات مختلفة، كان أعنفها في 17/ 6/ 1970م الذي ارتقى فيه 15 شهيدًا من القوات الكويتية المرابطة في القنطرة.
الدور الكويتي في نصر أكتوبر 1973م
ظل «لواء اليرموك» يقاتل مع الجيش المصري في حرب الاستنزاف حتى جاء يوم الحرب؛ حيث صدرت الأوامر العسكرية المصرية للقوة الكويتية على قناة السويس، في 10 رمضان 1393هـ/ 6 أكتوبر 1973م، بالاستعداد للحرب قبل أن تبدأ بساعة واحدة.
وقد أسرعت القيادة الكويتية بتقديم الدعم الكامل لمصر وسورية؛ فقرر أمير الكويت إرسال قوة جوية مضافة إلى القوات الكويتية المرابطة في مصر مكونة من 5 طائرات حربية، وطائرتين لنقل الذخيرة وقطع الغيار، فوصلت مصر يوم 23 أكتوبر، واستقرت في قاعدة حلوان الجوية.
واتجهت الكويت لدعم الجبهة السورية؛ فأصدر أمير الكويت مرسومًا، في 15 أكتوبر 1973م، بإرسال قوة من الجيش الكويتي تحمل اسم «قوة الجهراء» مكونة من كتيبة دبابات ومشاة ومركبات استطلاع وناقلات جنود، وألحقت بها سرية مدفعية معهم 35 شاحنة محملة بالذخيرة، وقوة دفاع جوي تضم 270 فرداً، ووحدات قنص دبابات، وغادرت الكويت عن طريق البر في 20 أكتوبر، ووصلت سورية خلال 15 يوماً؛ حيث التحقت بالفرقة الثالثة في القطاع الشمالي من هضبة الجولان، وتميز سلاح المدفعية الكويتي بإصابة أهداف العدو بدقة ومهارة، ولم تفقد أيّ من جنودها بالرغم من تعرضها للقصف الصهيوني مرات عديدة.
وقدمت الكويت الدعم الاقتصادي والعسكري من أسلحة وعتاد لمصر وسورية، والضغط على الدول الداعمة لـ«إسرائيل»؛ فقامت بحظر صادرات البترول عنها بناء على قرار مجلس الوزراء الكويتي الذي انتهى إلى قطع النفط عن أمريكا وتخفيض الإنتاج بنسبة 10%؛ وتكليف وزير المالية والنفط بدراسة عاجلة لاستخدام الاقتصاد والنفط في المعركة. («القبس»، 22 أكتوبر 1973م).
واهتمت الصحف الكويتية بمتابعة أخبار الحرب، وحثـت المـواطنين على التبرع لدعم معركة العرب المصيرية، وتأدية الواجب تجاه من يجودون بالدماء والأرواح، وقامت اللجنة الشعبية الكويتية بجمع تبرعات بمبلغ 35 مليون دولار قدمتها للهلال الأحمر المصري وسـيارات إسـعاف وقطـع غيـار لسـيارات إنقـاذ المصـابين، ونقلهم إلى المستشفيات.
وبعد انتهاء الحرب في سبتمبر 1974م، عادت القوات الكويتية من الجبهة المصرية بعد أن ارتوت أرض سيناء بدماء 42 شهيدًا من أبطال الكويت منذ بداية حرب يونيو 1967 حتى نصر أكتوبر 1973م.
وقد أشادت القيادات المصرية بجهود القوات الكويتية في الحرب، وكرّمهم الرئيس السادات قبل مغادرتهم البلاد، واستُقبلوا بحفاوة بالغة عند وصولهم إلى الكويت، وكرّمهم أمير الكويت الشيخ صباح السالم الصباح، ومنهم: عميد عبدالله أحمد المقلد، وعميد سعدي فالح الشمري، واسم النقيب شهيد أحمد نصار، وعبدالحميد زقزوق، مراسل عسكري خلال حرب الاستنزاف.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- فلسطين في عيون الكويت، د. خالد يوسف الشطي، مركز فنار للتوثيق، الكويت، 2018م.
2- موقف الشعب الكويتي من حرب 1973؛ فهد فرج محمد الدوسري، مجلة كلية الآداب بقنا، العدد 49، 2019م.
3- ثلث الجيش الكويتي ساند مصر في حرب أكتوبر، جريدة الرأي، 12 أكتوبر 2022م، على الرابط: https://www.alraimedia.com/article/1610166
4- حكاية «بطولة».. الكويت شاركت بثلث جيشها في حرب الاستنزاف ونصر أكتوبر، جريدة الوطن، 5 أكتوبر2018م.