وصف الأكاديمي المغربي نور الدين بلحداد سقوط الخلافة الإسلامية قبل مائة عام بـ«الزلزال العنيف» الذي ضرب الأمة الإسلامية وهز أركانها وهوى بها إلى أسفل سافلين، حيث فقد المسلمون بهذا السقوط القوة والنخوة والوحدة السياسية والاجتماعية والمكانة الاقتصادية والعسكرية التي دامت لعدة قرون، فيما خسر العالم مسار حضارة راقية كان خيرها في طريق تعميمه على الإنسانية جمعاء.
وأبرز أستاذ تاريخ المغرب المعاصر، في حديث لـ«المجتمع»، أن الخلافة الإسلامية التي قوضتها أطماع خارجية للحد من إشعاع التفوق الإسلامي على مدى قرون؛ علمياً وحضارياً وعسكرياً، صادف سقوطُها ضعفاً داخلياً ممثلاً في جور بعض حكام البلاد الإسلامية وتنافسهم على السلطة.
ضعف بعد قوة
وذكر بلحداد كيف كانت هذه الأمة الإسلامية موطن إشعاع علم وحضارة، توسعت وازدهرت، وفرضت قوتها على العالم، حتى إن الغرب المسيحي كانت فرائسه ترتعب عند مرور باخرة الخلافة الإسلامية، لكن مع تكالب الدول الغربية وتوسع أطماعها رأينا أقطاراً إسلامية تسقط في حبالهم سريعاً بسبب ضعف بعد قوة، وظلم بعد عدل، وذل بعد نخوة، وتشرذم بعد اتحاد، واهتمام بالمصالح الشخصية بدل العامة.
بالحداد: المسلمون فقدوا بسقوط الخلافة الوحدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية
وربط الباحث المغربي الماضي بالحاضر، مبرزاً كيف يتحد أعداء الأمة الإسلامية اليوم؛ من أجل إبقائها في حالة ضعف وهوان، وما الحرب الأخيرة التي تدور رحاها اليوم في غزة، إلا عنوان بارز لهذا التآمر، من أجل محو وطمس هوية الشعوب الإسلامية.
وشدد بلحداد على أن المسلمين لن تقوم لهم قائمة من جديد إلا إذا وحَّد الحكام كلمتهم وفتحوا الأبواب لشعوبهم من أجل التعبير عن طموحاتهم وإبداعاتهم في كل المجالات، والاهتمام بمجال التربية والتعليم، والأخذ بأسباب التقدم الصناعي والتكنولوجي والقيمي، مع التركيز على تاريخ هذه الأمة الإسلامية ونشأتها الأولى وازدهارها.
أُسقطت ولم تسقط!
بدوره، أكد الأكاديمي المغربي محمد خروبات أن الأمة الإسلامية تستحضر اليوم مرور مائة عام على إسقاط الخلافة الإسلامية، موضحاً أن الخلافة أُسقطت ولم تسقط، وهذا الإسقاط هو «نكبة الأمة» في العصر الحديث، بحيث لم تجن من هذا السقوط سوى مزيد من التفكك والانهيار، ولا يخلو قطر من أقطار الإسلام من فتنة الطائفية والفئوية وحركات الانفصال، وقد شجع أعداء الأمة الإسلامية على تذكية نعرات المذاهب والطوائف والمعتقدات واللهجات وما إلى ذلك.
خروبات: الخلافة أُسقطت ولم تسقط.. والأمة لم تجن سوى مزيد من التفكك والانهيار والانقسام
وأبرز الباحث في الحضارة الإسلامية، في تصريح لـ«المجتمع»، أن الخلافة الإسلامية التي سقطت عام 1924م ليست خياراً أو نظاماً سياسياً يمكن المساومة عليه، وإنما هي مطلب شرعي؛ لأن الله تعالى أراد من هذه الأمة أن تكون أمة واحدة، تحت راية واحدة، لا تستقيم وحدتها ولا عبادتها ولا عزتها بين الأمم إلا في ظل الوحدة، وهناك معادلة جديرة بالتصوير؛ وهي أنه كلما زادت الأمة تفككاً؛ زاد أعداؤها توحداً ووحدة، فكأن انهيار وحدة الأمة سبب وحدة أعدائها، وكأن وحدة أولئك سبب انهيار وحدة الأمة.
وأضاف خروبات أن الأمة الإسلامية اليوم تتغذى من ثقافة التفكك والتشرذم، وهذه الثقافة تفعل فعلها في المسلمين اليوم، وهم اليوم يحملون معول الهدم بأيديهم ليساهموا في تدمير وحدتهم، واقتلاع جذور مقوماتهم ومناهضة أسباب قيامهم!