منذ قرون، يدرك الأعداء أن المرأة المسلمة هي الحصن الأول للمجتمعات المسلمة، ولهذا وجهوا إليها سهامهم في محاولة لاقتلاعها من جذورها الدينية والقيمية الثقافية تحت مسميات براقة وخادعة، مثل: المدنية، التحضر، الحرية، النسوية.
من هنا تأتي أهمية تحقيق «المجتمع» حول الوسائل الشيطانية لتغريب المرأة العربية والمسلمة وكيفية مواجهتها.
د. نهلة أنيس، أستاذة التاريخ الإسلامي بجامعة الأزهر، تؤكد أن بداية تغريب المرأة العربية والمسلمة لم تنطلق منذ نهاية القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين على يد المصري قاسم أمين، مؤلف كتاب «تحرير المرأة»، لكن بذور التغريب للمرأة بدأت منذ الحروب الصليبية، حيث عاش الصليبيون –رجالاً ونساء- أكثر من مائتي عام وسط مجتمعاتنا العربية المسلمة، وعندما غادروا عالمنا العربي خلفوا وراءهم مدارس وإرساليات تنصيرية ظلت تبث سمومها إلى اليوم.
الاهتمام بالتنشئة الدينية وترسيخ قيم الحياء والوقار في المجتمع
وتضيف: تختلف أشكال التغريب من دولة إلى أخرى، حسب ظروف كل دولة وموروثها الثقافي والاجتماعي، فلا يمكن أن يكون تغريب المسلمة العربية كالهندية أو الإندونيسية أو الأفريقية، حيث يتم استغلال الظروف الصعبة والعادات والتقاليد البالية التي تم لصقها بالإسلام ظلماً وعدواناً لتشويه صورة ديننا الحنيف، مثل العنف المبرح، ومنع المرأة من الخروج للتعليم أو العمل، والزعم الكاذب بأن الإسلام لا يجيز لها في حياتها الخروج إلا ثلاث مرات؛ من بطن أمها للدنيا، ومن بيت أبيها لبيت زوجها، ومن بيت زوجها لقبرها، وليس لها أي حق في الحياة إلا خدمة الرجل دون أي حقوق لها.
وتطالب د. أنيس بإستراتيجية متكاملة تشترك فيها مع الأسرة المدارس والجامعات ومؤسسات الثقافة والإعلام وغيرها من المؤسسات ذات الصلة لخلق نوع من التناغم والتكامل في كشف مخططات التغريب وكيفية إفساد مؤامراته على المسلمات، والاهتمام بالتنشئة الدينية الصحيحة القائمة على الفطرة السوية، وتفعيل مبدأ القدوة في منظومة التربية، وترسيخ قيم الحياء والوقار، وكذلك قيام المؤسسات الدينية والدعاة بتصحيح المفاهيم الخاطئة التي لصقها البعض بالإسلام.
تزيين الحرام
ويحذر د. نبيل السمالوطي، أستاذ الاجتماع والعميد السابق لكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر، من العبث الفكري والثقافي في عقول نساء أمتنا، حتى أصبح العري يسمى موضة وأزياء، وأصبح الإغراء يسمى جرأة، وأصبح تخريب القيم والأخلاق وإغراء المراهقين يسمى فناً، وأصبحت المُسْكِرات بكل أنواعها تسمى مشروبات روحية، وأصبح السحاق والشذوذ يسمى مثلية، وأصبحت العلاقات الجنسية المحرمة تسمى صداقة ومساكنة، ومسابقات العري تحت مسمى ملكات الجمال.
فضح المسميات الغربية لجرائم المخدرات والعري والجنس والشذوذ
ويشير إلى أن من يتأمل تاريخ الاستخراب في عالمنا العربي والإسلامي سيجد أنه احتضن مستشرقين ومبشرين للكنائس الغربية ليدرسوا كيفية السيطرة على هذه المجتمعات واقتلاعها من جذورها الدينية، واستبدال مفاهيم نسوية غربية بالمفاهيم الدينية؛ لأنهم أدركوا أن تغريب المرأة المسلمة يعد البوابة الذهبية لتدمير مجتمعنا من الداخل، وقال المفكر العربي المسلم عبدالرحمن بن خلدون: إن «المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده.. والأمة إذا غلبت وصارت في ملك غيرها أسرع إليها الفناء».
وعن وسائل مواجهة وسائل التغريب، يشير السمالوطي إلى أن التشخيص الصحيح للداء البداية الصحيحة للعلاج الناجح، وأهم وسائل المواجهة تسلح النساء بالوعي الديني؛ حيث حذرنا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم من موالاة غير المسلمين وتقليدهم تقليداً أعمى، فقال الله تعالى: (أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (المائدة: 51)، وشخَّص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا التحذير الإلهي فقال: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَن قَبْلَكُمْ شِبْرًا بشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بذِرَاعٍ، حتَّى لو سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ»، قُلْنَا: يا رَسُولَ اللَّهِ، اليَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قالَ: «فَمَنْ؟».
ويضيف: لو عرفت المسلمة ما يحاك لها من الغرب وذيوله في مجتمعاتنا لتجنبته، ولم تقع في حبالهم الشيطانية التي تزين المعصية وتسميتها بغير اسمها، فقد قالت أم المؤمنين عائشة: إنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أول ما يكفأ الإسلام كما يكفأ الإناء كفء الخمر»، قيل: وكيف ذاك يا رسول الله؟ قال: «يسمونها بغير اسمها فيستحلونها»، وهذا الحكم ليس قاصراً على الخمر فقط، بل إنه يمتد إلى ما يزينه حزب الشيطان.
التربية بالرفق
ويؤكد د. محمد نبيل غنايم، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة القاهرة، أن مخططات تغريب المرأة العربية والمسلمة استمرت بعد مرحلة الاستقلال حيث خلّف الاستخراب الغربي وراءه ذيولاً على مواقع الفكر والتعليم والثقافة تحت مسميات التقدمية، والعلمانية والعولمة، وتزامن ذلك مع نشاط كبير للصهيونية والماسونية؛ حيث تم ربط معاناة المرأة المسلمة بدينها وضرورة تحريرها من الدين والرجل على حد سواء، خاصة مع تمدد الحركات النسوية التي سيطرت على المنظمات الأممية، وتكللت جهود لجنة المرأة بالأمم المتحدة باتفاقية «سيداو» لمنع كل أشكال التمييز ضد الإناث عام 1979م، بما فيها تعاليم الأديان، وبرز بقوة مفهوم «الجندر» والاستقلالية الجنسية، وتوالت المؤتمرات العالمية للسكان والمرأة، ووثيقة المرأة في بكين عام 1995م.
تجنب أخطار الوقوع فريسة لأصدقاء السوء ووسائل التواصل
وحث د. غنايم أولياء الأمور -الأمهات والآباء- على حسن تربية بناتهم على التدين وفق تعاليم الدين بالرفق والإقناع بعيداً عن العنف؛ تنفيذاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفقَ، وَيُعْطِي على الرِّفق ما لا يُعطي عَلى العُنفِ، وَما لا يُعْطِي عَلى مَا سِوَاهُ»، فضلاً عن أهمية التنشئة وخاصة في السنوات الأولى من العمر التي تتشكل فيها شخصية البنت على الخطوط العريضة للحلال والحرام وتجنب المشتبهات تنفيذاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الحلال بيِّنٌ، وإنَّ الحرام بيِّنٌ، وبينهما أمور مُشتبهات لا يعلمهنَّ كثيرٌ من الناس، فمَن اتَّقى الشُّبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومَن وقع في الشُّبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى، يُوشك أن يرتع فيه، ألا وإنَّ لكل ملكٍ حمى، ألا وإنَّ حمى الله محارمه، ألا وإنَّ في الجسد مُضغة إذا صلحت صلح الجسدُ كله، وإذا فسدت فسد الجسدُ كله، ألا وهي القلب»، كذلك أن يكون الوالدان بمثابة الأصدقاء لبناتهم لحمايتهن من صديقات وأصدقاء السوء، وأخطار الوقوع فريسة لمواقع التواصل الاجتماعي وثورة الاتصالات التي وفرت الفواحش ما ظهر منها وما بطن.