إن المرابين لا همَّ لهم إلا إفساد الأخلاق وإضعاف عزيمة الشعوب وكسر إرادتهم، وخلق الإحساس بالعجز لديهم، والاستسلام للربا، وقتل أي قدرة على المقاومة، وقد وصف المستشار الألماني الأسبق «برانت» حقيقة الربا بقوله: «إن ما يجري هو عملية نقل دم عكسية من المريض إلى الطبيب»، كما ذكر الاقتصادي «آرثر كينستون» أنه «ما من قيمة عظيمة أو معلم دين لم يذم الربا»، وقال “إنه ضد الربا بجميع أشكاله”.
وهذا الأمريكي «إيمري شيلدون»، صاحب كتاب «المليارات لأصحاب البنوك والديون للفقراء»، يبرز حلقة الديون الربوية الخبيثة بقوله: إن الطريقة الوحيدة التي تطرح بواسطتها الأموال الجديدة -أي الديون الائتمانية- للتداول في أمريكا هي حين يتم الحصول عليها لدى المصرفيين كقروض، وعندما تحصل الولايات المتحدة والسكان على مبالغ ضخمة بصفة دين، فإنه ينشأ انطباع كما لو أنَّ البلاد تزدهر، لكن أصحاب البنوك يخلقون كمية النقود الموافقة للمبلغ الأساسي من كل قرض فقط، ولكن ليس تلك الكمية الإضافية من النقود اللازمة لدفع الفوائد؛ ولذلك، فإنَّ الأموال الجديدة لا تستطيع أبداً أن تبلغ حجم القروض الممنوحة، والمبالغ الضرورية لتسديد الفوائد المترتبة على القروض لا يتم خلقها بكل بساطة لأنها بالأساس غير موجودة!
المرابون لا همَّ لهم إلا إفساد الأخلاق وإضعاف عزيمة الشعوب وكسر إرادتها وخلق الإحساس بالعجز لديها
ففي إطار هذه المنظومة التي يفوق فيها حجم القروض الجديدة بصورة دائمة كمية الموارد الممنوحة، لا توجد أي أهمية فيما إذا كنت تحصل على قروض كثيرة أو قليلة، ولا أن يكون نمو الدين العام يسبق كمية الموارد المتاحة أو المتوافرة لإعادتها، ولن يستطيع الناس أبداً الخروج من الديون.
حالة مديونية مزمنة
كما يكشف عالم الاقتصاد البريطاني «م. راوبوتام»، في كتابه «قبضة الموت أو القبضة القاتلة.. دراسة للأموال المعاصرة ولعبودية الديون وللاقتصاد المدمر» الذي صدر أواخر عقد التسعينيات من القرن العشرين، كذلك هذه الحلقة الخبيثة للديون بقوله: لا يدعو للدهشة ولا بأي شكل من الأشكال كون الأمم تعيش حالة مديونية مزمنة، وأن الحكومات لا تملك موارد كافية، وأن الخدمات الاجتماعية لا تتلقى التمويل اللازم، وأن الناس يثقل كاهلهم السحب على المكشوف.
والسبب في هذا النقص في السيولة وفي العجز عن السداد يكمن في أن النظم المالية في جميع البلدان تقوم فعلياً على أساس الدَّيْن، وأن خلق الأموال الحديثة والدين يسيران جنباً إلى جنب بعض، حيث إن عملية صناعة النقود وعرضها تم تسليمها بالكامل تقريباً للبنوك والمؤسسات المانحة الأخرى.
غالبية الناس يعتقدون أنهم حين يقترضون من البنك إنما هم يقترضون أموال أناس آخرين، وأن الأموال الممنوحة من قبل البنك كقرض لا تعتبر ديناً لأموال موجودة سابقاً، بل إن هذه الأموال التي تمت استدانتها من البنك عبارة عن أموال إضافية تم خلقها.
المديونية في حال احتساب الفائدة المركبة تتضاعف وفق متوالية هندسية مثلما تتكاثر الخلايا السرطانية
إن تدفقات المال التي يولدها المواطنون ورجال الأعمال والحكومات التي تستدين باستمرار من البنوك وغيرها من المؤسسات الائتمانية تلبي متطلبات الاقتصاد بأكمله، وبهذا الشكل يصبح عرض الأموال مرتبطاً بالناس الذين يقترضون، وأن مستوى المديونية داخل الاقتصاد عبارة عن مؤشر لحجم المال الذي سبق وتمت صناعته.
والمواطنين المعاصرون الذين لم يودوا الشعور بالأثر التدميري للدين المتزايد تماماً مثلما أن الناس لا يستطيعون أن يشعروا بالتأثير القاتل للأشعة، والمنظومة النقدية الحالية القائمة على الدين هي الأسوأ بالنسبة للمجتمع من بين جميع مشاريع النظم النقدية.
الفائدة الربوية فيروس!
ويمكنني أن أورد اقتباسات لا حصر لها لمؤلفين مشهورين ولآخرين غير معروفين على نطاق واسع ولثالثين غير معروفين البتة من بلدان الرأسمالية المنتصرة، وجميعهم يؤكدون حقيقة أصبحت بديهية منذ زمن بعيد: نسبة الفائدة المصرفية (الربوية) عبارة عن فيروس يسبب داء مزمناً وغير قابل للعلاج في الاقتصاد الرأسمالي، وهذا الداء أدى للتضخم والبطالة والاستخدام الجشع وغير المسؤول للموارد الطبيعية، وتصنيف المجتمع على أساس طبقي، وانتشار المخدرات، وتلوث البيئة، والتحول التدريجي للمنتجات الاستهلاكية من منشأ طبيعي إلى منتجات الصناعة الكيمائية، وفي زيادة نسبة الأمراض العقلية وحالات الانتحار، والثورة الجنسية، وتخريب الأسس الأخلاقية والثقافة التقليدي، بالإضافة لانتشار مذهب عبادة الشيطان، عدا عن الحروب والإرهاب وغير ذلك.. إلخ.
إن السرطان في جسد المجتمع مرده فيروس الربا، وللعلم، تنشأ في مجال العلاقات الائتمانية ما تعرف بالفائدة المركبة -فوائد على الفوائد المتأخرة السداد- ولذا، فإن المديونية في حال احتساب الفائدة المركبة تتضاعف وفق متوالية هندسية تماماً مثلما تتكاثر الخلايا السرطانية؛ لذلك كثيراً ما يطلق على نسبة الفائدة المصرفية اسم «خلايا سرطانية» في الاقتصاد وليس اسم «فيروس» فقط.
دراسة لـ«ستيكورب» قدَّرت زيادة حجم النقود في الاقتصاد المالي عن الاقتصاد الحقيقي من 30 إلى 50 مرة!
لقد فاقت المعاملات النقدية (النقود مقابل النقود) ممثلاً في نقود المضاربة أو الأموال الساخنة كل تصور، نتيجة لقيام النظام العالمي على سعر الفائدة، حيث يوجد انفصام تام بين الاقتصاد المالي الذي تباع وتشترى فيه المنتجات المالية بغرض وحيد هو الربح المالي، والاقتصاد الحقيقي الذي يتم فيه صنع المنتجات وتبادل السلع والخدمات، وقد قدرت دراسة لشركة «ستيكورب» زيادة حجم النقود في الاقتصاد المالي عن الاقتصاد الحقيقي من 30 إلى 50 مرة.
ورغم هذه الخلية السرطانية المدمرة للربا ما زال البعض يردد أنه استحالة قيام النظام النقدي العالمي بدون الربا، وهذا ادعاء واهن وخدعة وأكذوبة تعبر عن الانبطاح الفكري بالتمسك بداء لا دواء، بمرض لا علاج، نشأ وترعرع في بنوك تقليدية غربية لا تحمل ثقافتنا ولا منهجنا الإسلامي ولا أخلاقنا، حتى إن أهل الفكر الاقتصادي من الغربيين أنفسهم اختلفوا في نظريات سعر الفائدة بصورة تعكس تهافت أقوال بني جلدتنا وممن يتسمون بأسمائنا.