لقد جعل الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم مفضَّلاً على كل شيء، فهو يعلو ولا يُعلَى عليه، وكل من اقترب منه بحق وصدقٍ؛ فإنه ينال من فضله وبركته وسموه ما لا يناله غيره، فالشهر الذي أنزل فيه القرآن أفضل الشهور، وهو شهر رمضان، حيث قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) (البقرة: 185).
والليلة التي نزل فيها القرآن هي خير الليالي، وهي ليلة القدر، حيث قال تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ {1} وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ {2} لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ) (القدر).
وأهل القرآن هم خير الناس، ففي صحيح البخاري، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيرُكُم مَن تعلَّمَ القرآنَ وعلَّمَهُ».
فما الواجب علينا تجاه القرآن الكريم؟
أولاً: قراءة القرآن:
أمرنا الله تعالى بقراءة القرآن، ووعد على ذلك الثواب الجزيل، أما الأمر بالقراءة فقد جاء في قوله تعالى: (وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ) (النمل: 92)، وقوله عز وجل: (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا) (المزمل: 4)، وقوله عز وجل: (وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا) (الإسراء: 106).
وأما ثواب قراءته، فيظهر في إدراك شفاعته، ففي صحيح مسلم عن أبي أمامة الباهلي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإنَّه يَأْتي يَومَ القِيامَةِ شَفِيعًا لأَصْحابِهِ»، كما يعطي الله سبحانه وتعالى لمن يقرأ القرآن الكريم عددًا كبيرًا من الحسنات، فقد أخرج الترمذي بسند صحيح عن عبدالله بن مسعود، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «منْ قرأَ حرفًا من كتابِ اللهِ فله به حسنةٌ، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها، لا أقولُ آلم حرفٌ، ولَكِن ألِفٌ حرفٌ، ولامٌ حرفٌ، وميمٌ حرفٌ».
ثانياً: الاستماع والإنصات للقرآن:
أمر الله عز وجل بذلك في قوله تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الأعراف: 204)، وقال سبحانه وتعالى: (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى) (طه: 13)، فمن استمع إلى القرآن الكريم كانت الرحمة قريبة منه، وكان إلى الهداية أقرب، ولهذا حرص الكفار على عدم تمكين الناس من سماع القرآن الكريم، حتى لا يؤمنوا به، وفي ذلك يقول الحق سبحانه وتعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) (فصلت: 26).
ثالثاً: تدبر القرآن وفهمه:
قال الله عز وجل: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) (ص: 29)، وقال تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) (النساء: 82)، وقال أيضاً: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (محمد: 24)، ففي هذه الآيات دعوة إلى تدبر القرآن الكريم والتعايش مع آياته والحرص على فهمها، ففي ذلك الخير الكثير، الذي يفوز به أهل الإيمان، ولا يدركه أهل الحرمان، فقد قال تعالى: (وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا) (الإسراء: 45)؛ أي أن الذين لا يؤمنون بالآخرة يوضَع بينهم وبين القرآن حجاب يمنعهم من فهمه والتحقق بهداياته وتوجيهاته.
رابعاً: التأدب مع القرآن:
القرآن الكريم كتاب الله الذي يتميز بالجلال والهيبة، فلا بد من التأدب معه وتقديره حق قدره، ومن مظاهر الأدب مع القرآن: الطهارة عند قراءته، فقد قال الله تعالى: (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ {77} فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ {78} لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) (الواقعة)، كما يجب الخشوع عند تلاوته، فقد قال الله تعالى: (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) (الحشر: 21)، أما من اتخذ القرآن الكريم وسيلة للاستهزاء واللعب فهو الآثم حقًا، حيث حذّر الله تعالى من ذلك في قوله: (وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ {65} لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ) (التوبة).
خامساً: الاستهداء بالقرآن:
الاستهداء يعني: طلب الهداية، فالمسلم يتحرى هدايات القرآن الكريم، ويبحث عنها، ويعمل بها، حيث قال الله تعالى: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) (الإسراء: 9)، فالقرآن يهدي أهله إلى الصراط المستقيم، ويجلب لهم السعادة، ويحميهم من الشقاوة، وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى: (طه {1} مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى {2} إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى) (طه).
سادساً: التمسك بالقرآن والعمل به:
دعا الله تعالى إلى ذلك بقوله: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الزخرف: 43)، وقوله تعالى: (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا) (طه: 113)، فالقرآن الكريم هو المنهج السليم والكتاب القويم الذي يهدي من تمسك به إلى الصراط المستقيم.
سابعاً: الدعوة بالقرآن:
المسلم يحرص على دعوة الناس وهدايتهم إلى الصراط المستقيم، فهو يدعوهم بالقرآن إلى التمسك بالإسلام، حيث قال الله تعالى: (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) (الأنعام: 19)، وقال عز وجل: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ) (الشورى: 7)، وقد أمر الله عز وجل المسلم أن يُذَكِّر الناس بالقرآن، وأوضح أنه لا يتذكر به إلا من يخاف الله تعالى وعذابه، حيث قال عز وجل: (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ) (ق: 45).
ثامناً: تعليم القرآن:
أخبر الله تعالى أنه علّم القرآن، وذلك في قوله عز وجل: (الرَّحْمَنُ {1} عَلَّمَ الْقُرْآنَ) (الرحمن)، وإن تعليم القرآن يجعل صاحبه من خير الناس، ففي صحيح البخاري، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيرُكُم مَن تعلَّمَ القرآنَ وعلَّمَهُ».
تاسعاً: الاستشفاء بالقرآن:
القرآن شفاء للمؤمنين، حيث قال الله تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) (الإسراء: 82)، فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية، فعلى المسلم أن يداوي قلبه، بل يداوي بدنه أيضاً، من خلال الرقية بآيات القرآن الكريم، وقد وردت الأحاديث بكيفيات متنوعة فمنها: أن يقرأ القرآن أو الدعاء ثم ينفث في يديه -والنفث عبارة عن نفخ مع ريق يسير- ثم يمسح بهما الجسد أو مكان الألم، ومنها أن يضع يده على محل الألم وقت الرقية، كما ثبت في صحيح مسلم من حديث عثمان بن أبي العاص الثقفي، أنَّهُ شَكَا إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ وَجَعًا يَجِدُهُ في جَسَدِهِ مُنْذُ أَسْلَمَ، فَقالَ له رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: «ضَعْ يَدَكَ علَى الَّذي تَأَلَّمَ مِن جَسَدِكَ، وَقُلْ: باسْمِ اللهِ، ثَلَاثًا، وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ: أَعُوذُ باللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِن شَرِّ ما أَجِدُ وَأُحَاذِرُ».
عاشراً: الدفاع عن القرآن:
القرآن الكريم لا اختلاف فيه ولا تناقض، وفي هذا يقول الحق سبحاته وتعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) (النساء: 82)، وقال عز وجل: (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ {27} قُرآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (الزمر)، كما أن القرآن الكريم لا يمكن أن تمتد إليه يد التحريف أو التبديل، حيث قال عز وجل: (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ {41} لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (فصلت)، وقال تعالى: (وَمَا كَانَ هَـذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ {37} أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) (يونس).
فالمسلم لا يترك شبهات الأعداء حول القرآن الكريم دون أن يرد عليها، بل إنه ينقدها وينقضها من خلال الاستناد إلى القرآن الكريم والعقل السليم، قال تعالى: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ) (الأنبياء: 18).
فعلى كل مسلم أن يقرأ القرآن الكريم ويسمعه ويفهمه ويتدبره ويتأدب معه ويهتدي ويستشفي ويتمسك به ويدافع عنه ويعَلِّمه الناس ويدعوهم إليه.