يعرض هذا الكتاب مسألة القرابات في الإسلام ومكانتها، وقد اهتم الشارع بها وجعل لها حقوقاً متعددة تختلف في درجاتها قرباً وبعداً، فأوجب الإحسان والبر والنفقة والميراث في القرابات القريبة، وندب إلى الإحسان وصلة الرحم مهما كانت القرابة، ومن عظمة الإسلام ألا تتداخل الحقوق والواجبات في بعضها، فيكون أداء الحقوق والواجبات على أساس تحقيق العدل في المجتمع، فلا يقوم حق في مقابل حق آخر بغير حق، فلا يعطي المزكي أقاربه زكاة ماله بدلاً من النفقة الواجبة عليه، لأنه بذلك يمنع وصول الزكاة لمستحقيها، ويحتال في أخذ حق قرابته من النفقة وضياع حق الفقراء، ولهذا وضع الفقهاء ضوابط لدفع الزكاة للأقارب يجب مراعاتها حتى لا تضيع الحقوق، وتحقق الزكاة هدفها المنشود في إصلاح بناء المجتمع وتحقيق التكافل الاجتماعي بين أفراده.
يتكون الكتاب من 52 صفحة نعرض لها في النقاط التالية:
القرابة لغة: مأخوذة من مادة «قرب»، نقول قرب الشيء أي دنا، بيني وبينه قرابة وقربى أي دنو في النسب.
القرابة في الاصطلاح: عرفها أبو حنيفة بأنها كل ذي رحم محرم من فلان من قبل أبيه أو من قبل أمه، وتنقسم أنواع القرابة لثلاثة أقسام:
1- قرابة الدم: وهي أصل القرابات وغيرها تبع لها، وملحق بها نظراً لظهورها ودلالتها على القرب دلالة ظاهرة.
2- قرابة المصاهرة أو الزوجية: والمصاهرة تعني خلطة تشبه قرابة الدم يحدثها الزواج، والأصهار هم أهل الزوجة أبوها وأخوها، وهذا النوع من القرابة يأتي في المرتبة التالية لقرابات الدم، فهو يشبه قرابات الدم لكن ليس كحقيقتها، وقد أثبت المولى سبحانه لقرابة المصاهرة حرمة نكاح القرابة للزوجة المصاهر بها.
3– قرابة الرضاع: في كتاب الله قوله تعالى: (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ) (النساء: 23)، وأما من السُّنة فقول النبي صلى الله عليه وسلم: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» (أخرجه البخاري)، والآن مع القواعد الثلاثة الأساسية للزكاة على الأقارب:
أولاً: الحالات التي لا أثر للقرابة فيها على دفع الزكاة:
لا يثبت بالرضاع أو المصاهرة من أحكام القرابة إلا بما يتعلق بالنكاح فقط، فالرضاع والمصاهرة تثبت بهما المحرمية وحل النظر وتحريم النكاح، ولكن لا تثبت بهما الإرث ولا وجوب النفقة ولا تحمل الديات ولا الصلة التي تجب للأقارب للنسب، وأكثر أحكام الناس النسب منتفية عنهما، فإذا كان نوع القرابة قرابة رضاع أو مصاهرة، فيجوز إعطاء هؤلاء الأقارب من الرضاعة كالأم والأخت أو العمة من الرضاعة من الزكاة إذا كانت مستحقة للزكاة، وكذلك أم الزوجة وأقارب زوجة الابن وزوجة الأب كأبيها وأخيها وعمها وخالها؛ لأنه لا تجب لهم النفقة على الزوج، ويكون دفع الزكاة إليهم أولى من دفعها إلى غيرهم.
أما إذا كان توزيع الزكاة عن طريق الإمام أو نائبه، أي أن الدولة هي التي تتولى جمع الزكاة وصرفها، فلها أن تعطي ما تراه من أهل الحاجة والاستحقاق، حتى وإن كان من تعطيه هو أحد أقارب المزكي كولده، أو زوجته أو أمه أو والده، لأن صاحب الزكاة بدفعها إلى ولي الأمر المسلم قد أبلغها محلها وبرئت ذمته منها، وأصبح أمر توزيعها منوطاً بالدولة، إذ لم يعد لمال الزكاة بعد جبايته صلة ولا نسب بمالكه من قبل، إنما هو مال الله أو مال المسلمين.
ثانياً: الضوابط العامة لدفع الزكاة للأقارب:
1- أن يكون مسلماً: فلا يجوز دفع الزكاة إلى الكافر بلا خلاف، لحديث معاذ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خذها من أغنيائهم وردها في فقرائهم»، فإذا كانت الزكاة لا تؤخذ إلا من مسلم غني، لم تعط إلا لفقير مسلم، فلا يجوز وضعها في غيرهم، وأما ما سوى الزكاة من صدقة الفطر والكفارات والنذور فلا شك في أن صرفها إلى فقراء المسلمين أفضل، لأن الصرف إليهم يقع إعانة لهم على الطاعة، وجاء في صرف العمدة: «لا يجوز دفعها إلى كافر» لغير تأليف، واختلف الفقهاء في صرفها لأهل الذمة، فيرى أبو حنيفة جواز ذلك لقوله تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة: 8)، والرأي الثاني للشافعي فيرى أنه لا تجوز الزكاة لأهل الذمة.
2- أن يكون مستحقاً للزكاة: قد حدد الله عز وجل الأصناف الثمانية التي تصرف فيها الزكاة في قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (التوبة: 60)، والعامل عليها له شروط لتوجب له الزكاة؛ وهي: الإسلام والحرية، وألا يكون من نسل بني هاشم، ويكون مبعوثاً من ولي الأمر أو من يقوم مقامه من الدوائر الحكومية، أما غيره فلا يسمى من العاملين عليها، فلو جاء تاجر وأعطى رجلاً زكاته ليوزعها في مصارفها، فلا يعطى هذا الرجل من الزكاة؛ لأنه لا يسمى من العاملين عليها، وأما المؤلفة قلوبهم فهم من أسلموا ونيتهم ضعيفة أو لهم شرف يتوقع بإعطائهم إسلام غيرهم، أو الذين يراد تأليف قلوبهم بالاستمالة إلى الإسلام، أو التثبيت عليه، أو بكف شرهم عن المسلمين، والرقاب هو عتق المسلم عبداً أو أَمَة، والغارمون هم العاجزون عن أداء الدين.
3- ألا يكون هاشمياً؛ وهو نسبة إلى هاشم بن عبد مناف، وهو جد النبي صلى الله عليه وسلم، فالزكاة لا تجوز لآل النبي صلى الله عليه وسلم وهم بنو هاشم، لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس» (أخرجه مسلم).
ثالثاً: الضوابط الخاصة لدفع الزكاة للأقارب:
أن تكون حاجة الأقارب للزكاة بوصف غير الفقر والمسكنة: أو بمعني آخر أن تكون حاجة القريب للزكاة ليست بسبب تقصير في النفقة، فقد فرق الفقهاء بين استحقاق القريب للزكاة بسبب الفقر والمسكنة، واستحقاقه إياها بسبب آخر ككونه من العاملين عليها أو في الرقاب أو الغارمين أو في سبيل الله، فلقريبه أن يعطيه من زكاته ولا حرج، لأنه يستحق الزكاة هنا بوصف لا تأثير للقرابة فيه، ولا يجب على القريب باسم القرابة أن يؤدي عنه غرم أو يتحمل عنه نفقة غزوة في سبيل الله وما شابه ذلك، وكذلك إذا كان ابن سبيل يجوز أن يعطيه مؤونة السفر.
أما إذا كان مستحقاً للزكاة بسبب الفقر أو المسكنة فينبغي مراعاة الضوابط الأخرى وهي الإسلام وكونه هاشمياً، وعلى هذا فيجوز قضاء ديون الأقارب من الزكاة حتى وإن وجبت نفقتهم على المزكي، فيجوز قضاء دين الأب ودين الأم ودين البنت وغيرهم من الأقارب الذين تجب على المزكي نفقتهم من الزكاة؛ لأن ديون الأقارب بمن فيهم الوالدان لا يجب شرعاً على المرء أن يؤديها عنهم، فتجوز من الزكاة.
أن يكون آخذ الزكاة من الأقارب الذين لا تلزم المزكي نفقتهم، وهم ثلاثة أنواع:
الأول: الأصول؛ وهم الأب والأم وأمهاتهم، وإن ارتفعت درجتهم من دافع الزكاة؛ كأبوي الأب أو أبو الأم، وإن علت درجتهم، من يرث ومن لا يرث.
الثاني: الفروع وإن نزلوا، وهم: الأولاد من البنين والبنات، وأولاد البنين وأولاد البنات وإن نزلت درجتهم، الوارث وغير الوارث.
الثالث: الزوجة؛ لأن نفقتها واجبة.
من أمثلة الأقارب الذين لا تجب لهم النفقة ويجوز إعطاؤهم من الزكاة ما يلي:
1- الأخ إذا كان لأبناء، فإن الأخ إذا كان لأبناء فلا يجب على أخيه نفقة نظراً لعدم التوارث لوجود الأبناء، وفي هذه الحال يجوز دفع الزكاة إلى الأخ إذا كان من أهل الزكاة.
2– الزوجة لزوجها، إذا كان مستحقاً للزكاة.
3– يجوز إعطاء الزكاة للبنت المتزوجة من فقير، لأن نفقة البنت بعد زواجها واجبة على الزوج لا على أبيها.
4- يجوز إعطاء الخالة من الزكاة ما لم تجب عليه نفقتها ودليل ذلك ما روي عن أبي حفصة قال: سألت سعيد بن جبير عن الخالة تعطى من الزكاة، فقال: ما لم يغلق لكم باباً.
ألا يكن في ذلك تحايل لإسقاط نفقة واجبة:
من الضوابط المهمة لمشروعية دفع الزكاة للأقارب ألا يكون في دفع الزكاة لهم حيلة في إسقاط النفقة الواجبة لهم شرعاً التي تعد حقاً من حقوقهم حتى ولو لم يكن بالدفع المباشر لهم كما مثل لها العلامة ابن عابدين في قوله: يكره أن يحتال في صرف الزكاة إلى والديه المعسرين بأن تصدق بها على فقير ثم صرفها الفقير إليهما كما في القنية.
___________________________
(*) أستاذ الدراسات الإسلامية بكلية الآداب جامعة المنوفية، رئيس قسم القرآن الكريم والدراسات الإسلامية بكلية العلوم والآداب، فرع جامعة طيبة بالعلا 2010.