كانت الساعة قاربت في موعدها لصلاة الفجر حينما استيقظت على صوت رسالة هاتفي النقال من صديقتي الغالية الكفيفة الزهراء أخبرتني فيها: «حبيبتي بفكر أبيع جوالي وأتصرف بثمنه وأشتري أكل لأنه ما في أكل عندنا.. اليوم أكلنا آخر شيء عندنا».
في تلك اللحظة لم أستطع أن ألتقط أنفاسي وشعرت بحِيرة في أمري، فالظروف صعبة على الجميع، والمسافات بيني وبينها رغم قربها فهي تعتبر بعيدة في التنقل، خاصة أن كل شيء في غزة أصبح مستهدفاً، فالخطوة محسوبة.
الحياة في غزة أصبحت قاسية جداً ليس على الزهراء، بل على كل من فيها، فقد اجتمع علينا الحصار والاحتلال والصواريخ والقصف والمجاعة والخوف والتعب.
طحين الدم
في غزة، أصبح أهلها يشتهون رغيف الخبز، فهو لديهم يساوي الكثير، يدفعون أرواحهم ثمناً لكيس طحين صغير.
يحاولون الحصول عليه من شاحنة مساعدات تحمل على متنها أكياس الطحين، وما إن يقتربون منها حتى يبدأ الاحتلال في استهدافهم؛ مما يوقع في كل مرة مجزرة تتلطخ بها أكياس الطحين البيضاء بلون دمائهم الحمراء!
ورغم معرفتهم بخطورة الأمر مسبقاً، فإنه ليس باليد حيلة، فكل واحد منهم لا يفكر إلا بالحصول على كيس طحين ليعود به لأطفاله الجائعين منذ أيام، خاصة بعد ارتفاع ثمنه بشكل غير طبيعي، فقد وصل في كثير من الأوقات سعره لأكثر من 400 دولار!
الحياة في غزة أصبحت صعبة جداً، فأبسط مقومات الحياة مفقودة، والموجود منها مرتفع الثمن، فكثير ما كنت أسير في الطرقات تحت وبال صواريخ الاحتلال بحثاً عن بائع لعلي أجد عنده بعض المواد الغذائية، أو شيئاً من الخضار، أو أي شيء ممكن أن يؤكل.
كنت كلما أسير خطوة أشعر بحيرة وأنا أنظر يميناً ويساراً بحثاً عن شيء يؤكل، وإذا وجدت شيئاً قد يصلح للأكل أقف بصمت حينما أعلم ثمنه، فالأسعار غير معقولة بالمطلق.
أبسط المواد الغذائية الأساسية مثل الرز والسكر والحليب والطحين وغيرها الكثير مفقودة، والأمر ذاته للخضار والفاكهة، حتى المعلبات لم يعد لها وجود، وإن تواجد القليل جداً منها، فمن الصعب شراؤه لثمنه المرتفع جداً.
أذكر أنني لم أرَ البندورة والخيار والدجاج والبيض منذ شهور، فالقطعة الواحدة سعرها أصبح بسعر الذهب، فالأسعار خيالية جداً!
مجاعة لا مثيل لها
الآن اختلف التقسيم الجغرافي لقطاع غزة المحاصر، فأصبح شمالاً وجنوباً، والشمال حيث أتواجد به يعاني الكثير من شح المواد الغذائية، ونادراً جداً ما يدخل شيء، قليل جداً من المساعدات، والبعض منها كان محل استهداف من قبل صواريخ الاحتلال.
هذا جعل منطقة الشمال في حالة مجاعة لم يسبق لها مثيل في غزة؛ الأمر الذي جعل أهلها يطحنون علف الحيوانات والطيور لإعداد الخبز، ومع ذلك فقد نفد العلف، فأخذوا يبحثون عن أي شيء ممكن أن يطحن في محاولات مختلفة للحصول على الخبز.
هذا، يجعل من موائد رمضان الغزية حزينة، تارة لفقْد العائلة والأحبة، وأخرى لفقدان المنزل، وغيرها لفقدان الطعام.
تألمت حينما تذكرت كلمات الخليفة عمر بن عبدالعزيز حينما كان يطلب من عُمَّاله أن ينثروا القمح على رؤوس الجبال لكيلا يقال: إن طيراً جاع في بلاد المسلمين.
لا أعلم ماذا كان له أن يقول حينما يعلم أن أطفال ونساء ورجال وشيوخ غزة جاعوا في حرب غاشمة لشهور؟!