على الرغم من أن الحديث عن الخلافة حديث عن الماضي البعيد، وهو أيضًا يحاط بتحديات كبيرة من حيث المفهوم والمضمون، فإن فكرة الخلافة كسلطة يستحيل تطبيقها الآن على أرض الواقع، وإن كان المضمون حول الحفاظ على القيم الإسلامية والدينية والأخلاقية الجامعة للمسلمين يجب أن يبقى دائمًا في حالة حضور فكري وثقافي وديني.
وإذا كنا نحن كأمة عربية توفرت فيها وحدة الثقافة والدين واللغة، وفشلت حتى الآن في الوصول إلى مشترك ثقافي، أو اقتصادي، أو تجاري، أو حتى على مستوى المزاج العام، فكيف بنا نعود لطرح مفهوم يريد أن يوحد بين دول منتشرة في كل بقاع الأرض وقاراتها.
وبتطبيق كل ما تقدم على نموذج التناول الدراسي في السودان، يمكننا أن نلحظ أن الأمة السودانية متعددة الأعراق والثقافات، ومترامية الجغرافيا، كانت حادة في تناولها الثقافي مع تجربة الخلافة الأخيرة، وهي الخلافة العثمانية التي حكمت في آخر أيامها السودان عبر محمد علي الذي دخل البلاد في العام 1821م.
الخلافة والمناهج السودانية
ارتبطت فكرة الخلافة في المناهج الدراسية بحكم محمد علي للسودان، الذي بدأ في العام 1821م، ونسبت إليه المناهج الدراسية، وخاصة كتب التاريخ، ارتكاب العديد من المجازر، واعتبر نموذجاً سيئاً للخلافة العثمانية، التي كانت حاكمة في ذلك الوقت، وإجمالًا، تناولت المناهج الدراسية تدريس الثورة المهدية التي قادها محمد أحمد المهدي عام 1881م، على ما يسمى بالحكم التركي، باعتبارها ثورة شعب ضد الظلم الذي لحق بهم على أيدي حكم الأتراك.
وأسست كتب التاريخ مصطلحات مثل «الغزو التركي»، و«الحكم التركي»، التي وصفت بها حكم محمد عليّ منذ دخوله السودان، وحتى الحكم الثنائي الإنجليزي المصري في العام 1898م.
وأوردت المناهج الدراسية السودانية أن من أسباب غزو محمد علي باشا للسودان عام 1821م بقيادة ابنه إسماعيل تمثلت في:
1- الحصول على الأموال لتمويل نظام حكمه وحملاته العسكرية، وبصفة خاصة الذهب الذي بحث عنه في جبال بني شنقول بشرق السودان، مع ملاحظة أن منطقة بني شنقول تم ضمها إلى إثيوبيا في العام 1902م، ويقام عليها الآن سد النهضة الإثيوبي.
2- الحصول على العبيد؛ ذكورًا وإناثا، وبصفة خاصة جلب الشباب وتجنيدهم في جيشه.
وقد كرست حملة محمد علي لدى السودانيين أن دولة الخلافة هي دولة لاستعبادهم واسترقاقهم، وليست دولة عدالة ومساواة، وهو ما وحّد الشعب السوداني بكل أطيافه؛ مسلمين ومسيحيين، على يد قائد الثورة المهدية محمد أحمد المهدي ضد ما سمي بـ«الاحتلال التركي» في العام 1881م.
وتذكر كتب التاريخ السودانية أن دولة الخلافة ممثلة في محمد علي باشا فرضت على الشعب السوداني أسوأ أنواع الضرائب الباهظة التي أثقلت كاهل الشعب، وتعمدت تكليف قبيلة الشايقية بتحصيل هذه الضرائب من الشعب إمعانًا في التنكيل بها، والإساءة إليها، لأنها كانت أشرس القبائل التي واجهت غزو محمد علي للبلاد، وهي لكي تشوّه صورة القبيلة لدى الشعب قامت بإعفاء أبناء الشايقية من الضرائب.
وعلى الرغم من أن طموحات محمد علي في إقامة إمبراطورية خاصة به قد اصطدمت في كثير من الأحيان بالباب العالي بمركز الخلافة بالعاصمة العثمانية إسطنبول، فإن المناهج الدراسية السودانية ظلت تنسب أفعاله دائمًا لدولة الخلافة، وإن كانت بعض الكتابات التي ينتمي أصحابها إلى التيار الإسلامي قد حاولت على استحياء تصحيح هذه المفاهيم، وقصر أخطائها على حكم محمد عليّ بمفرده.
الخلافة وأنظمة الحكم في السودان
شهد تناول مفهوم الخلافة في المناهج الدراسية السودانية مداً وجزراً وفقاً للنظام الذي يحكم البلاد، حيث تأثر واضعو تلك المناهج بالحالة الإعلامية التي تصاحب نظام الحكم، فكان الهجوم الأوسع على الخلافة ومفاهيمها في الإعلام ينعكس بشكل مباشر على المناهج التعليمية في جميع الأنظمة التي سبقت نظام البشير – الترابي، بينما تراجع هذا الهجوم بشكل جزئي بعد الثلاثين من يونيو 1989م، عندما تسلم عمر حسن البشير الحكم، وحكم البلاد بصبغة إسلامية، فتم إبراز إيجابيات الحكم التركي، التي من أهمها:
– ميول الحكام الأتراك إلى مساعدة المؤسسات الإسلامية مادياً.
– إعفاء رجال التعليم الديني من الضرائب.
– توسع التعليم الحديث في السودان، وإعداد كوادر محلية لشغل الوظائف الحكومية.
ويبقى أن النظرة النقدية السودانية لنظام الخلافة ترتبط بشكل رئيس بالخلافة العثمانية، وممثلها محمد عليّ، ولأسباب تتعلق بما ارتكبه من انتهاكات في مواجهة الشعب السوداني، ولكن المناهج والإعلام تحمل تقديرًا خاصًا للخلافة الإسلامية، وخاصة في عصورها الأولى إبان الخلفاء الراشدين الأربعة الذين تم التركيز عليهم بشكل خاص طوال الثلاثين عامًا التي حكم فيها البشير البلاد.