تقوم الشريعة الإسلامية على حسن الخلق وتحث المسلمين عليه في كثير من الآيات القرآنية، واحتلت مكانة عالية وجانباً كبيراً من الأحاديث النبوية الشريفة، وجعلت للتحلي بحسن الخلق أجراً عظيماً بين الأعمال المفروضة على المسلمين عامة، ومن هذه الأحاديث الشريفة:
– قال النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إلى البِرِّ، وإنَّ البِرَّ يَهْدِي إلى الجَنَّةِ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حتَّى يُكْتَبَ صِدِّيقًا، وإنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إلى الفُجُورِ، وإنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إلى النَّارِ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حتَّى يُكْتَبَ كَذّابًا» (رواه مسلم).
– وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الأخلاق محور رسالة الإسلام فيقول: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» (رواه أحمد، وصححه ابن عبد البر).
– وعن أبي الدرداء، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «ما من شيءٍ أثقلُ في ميزانِ المؤمنِ يومَ القيامةِ من خُلقٍ حسنٍ وإنَّ اللهَ يُبغضُ الفاحشَ البذيءَ» (رواه أبو الدرداء بإسناد صحيح).
– وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «أَنا زعيمٌ ببيتٍ في ربَضِ الجنَّةِ لمن ترَكَ المراءَ وإن كانَ محقًّا وببيتٍ في وسطِ الجنَّةِ لمن ترَكَ الكذبَ وإن كانَ مازحًا وببيتٍ في أعلى الجنَّةِ لمن حسَّنَ خلقَهُ» (رواه النووي في تحقيق رياض الصالحين).
– وعن الصَّحابيِّ الجليل عبدالله بن عمرو أنَّه قال: لَمْ يَكُنِ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَاحِشًا ولَا مُتَفَحِّشًا، وكانَ يقولُ: «إنَّ مِن خِيَارِكُمْ أحْسَنَكُمْ أخْلَاقًا» (رواه البخاري).
ولحسن الخلق فضائل متعددة تدفع صاحب الخلق الحسن للتمسك به أكثر، ومنها:
أولاً: تنفيذ أمر الله عز وجل:
الفضل الأول لحسن الخلق أنه تنفيذ لأوامر الله عز وجل في كتابه، وسبب لنيل محبته سبحانه، فيقول عز وجل في كتابه العزيز: (خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجٰهِلِينَ) (الأعراف: 199)، وعن أسامة بن شريك قال: كنا جلوسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فكأنما على رؤوسنا الطير، ما يتكلم منا متكلم، إذ جاءه أناس فقالوا: من أحب عباد الله إلى الله؟ قال: «أحسنهم أخلاقًا» (أخرجه الطبراني في الكبير، 181/1)
ثانياً: أنه من أعظم العبادات إلى الله:
هو استسلام لأوامر الله عز وجل، وتلك هي لب العبادة، ويشمل في باطنه عبادات أخرى محبوبة لله سبحانه؛ مثل الصبر على أذى الناس، والحلم على رداءة وسوء أخلاق البعض، والإحسان لمن أساء، وكلها أخلاق تعبدية لله عز وجل، وهي مما يحبه الله ويرضاه.
ثالثاً: التأسي بسيد الخلق وطاعته:
يقول الله تعالى آمراً المؤمنين بالتأسي برسوله صلى الله عليه وسلم: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (الأحزاب: 21)، وقد أمر عليه الصلاة والسلام المسلمين في حديث عن أبي ذَرٍّ جُنْدُبِ بْنِ جُنَادةَ، وأبي عبْدِالرَّحْمنِ مُعاذِ بْنِ جبلٍ، عنْ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ وأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحسنةَ تَمْحُهَا، وخَالقِ النَّاسَ بخُلُقٍ حَسَنٍ» (رواهُ التِّرْمذيُّ، وقال: حديثٌ حسنٌ).
رابعاً: دخول الجنات ورفع الدرجات:
حسن الخلق هو السبيل الأقصر لدخول الجنة ورفع الدرجات فيها، فعن أبي هُريرة قَالَ: سُئِلَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكثرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الجَنَّةَ، قَالَ: «تَقْوى اللَّهِ وَحُسْنُ الخُلُق»، وَسُئِلَ عَنْ أَكثرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ فَقَالَ: «الفَمُ وَالفَرْجُ»، وعن أبي هريرة قال: قال عليه الصلاة والسلام: «إن العبد ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم» (الألباني صحيح).
خامساً: يثقل الموازين الصالحة يوم القيامة ويقرب العبد من مجلس النبي:
عن أبي الدرداء عـن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من شيء أثقل في ميزان العبد يوم القيامة من حسن الخلق» (رواه الترمذي)، وعن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من أحبكم إليّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا» (رواه الترمذي).
سادساً: حسن الخلق سبب لتيسير الأمر وزيادة الرزق:
قال سبحانه: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً {2} وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) (الطلاق)؛ أي: يسوق الله الرزق للمتقي، من وجه لا يحتسبه ولا يشعر به.
سابعاً: البركة في الرزق وطول العمر وعمران الديار:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ، وَأَنْ يُزَادَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، فَلْيَبَرَّ وَالِدَيْهِ، وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ»(1)(رواه أحمد)، وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «صِلَةُ الرَّحِمِ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ، وَحُسْنُ الْجِوَارِ، يَعْمُرَانِ الدِّيَارَ وَيَزِيدَانِ فِي الْأَعْمَارِ» (رواه أحمد)(2).
ثامناً: حسن الخلق سبب لمحبة الله عز وجل للعبد:
في أثر من آية في كتاب الله عز وجل يعدد فيها سبحانه من يلقي عليهم بظل محبته من حسني الأخلاق، فيقول تعالى عن المنفقين: (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (البقرة: 195)، وعن محبته للمقسطين: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (المائدة: 42)، وعن محبته سبحانه للصابرين: (وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) (آل عمران: 146).
تاسعاً: حسن الخلق دليل على كمال الدين:
عن أبي هُرَيرةَ، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «أكمَلُ المُؤمنينَ إيمانًا أحسَنُهم خُلُقًا، وخيارُكُم خيارُكُم لنِسائِهم» (أخرجه الترمذي)، والخيرية للنساء من أعلى درجات حسن الخلق، ففيها الإحسان والتجاوز والصبر والمروءة والكرم وما إلى ذلك من الأخلاق الحسنة التي يحبها الله ورسوله وترفع درجات المسلم المتحلي بها.
عاشراً: صلاح البال وهدوء النفس:
فليس أصلح للقلب وأطيب للنفس من أن يكون قلب المؤمن فارغاً من الأضغان وظلم العبادة بالإساءة إلى الخلق، فيبيت الإنسان وقد ظلم هذا وكسر نفس هذا وأكل مال هذا وسب هذا، يبيت وقد جمع من المظالم من امتلأت به صحيفته، وفرغت صفحة حسناته فيبتليه الله بالهم والحزن والكدر، يسبب لمن حوله اللوم وسوء السمعة؛ «فمن حسن خلقه طابت معيشته، ودامت سلامته، وتأكدت في الناس محبته، ومن ساء خلقه تكدرت معيشته، ودامت بغضته، ونفر الناس منه»(3).
فلنا أن نتخيل مجتمعاً تحكمه مبادئ وقيم حسن الخلق من محبة ومودة وتواصل وتكافل وتعاضد بين أفراد المجتمع جميعاً كيف تكون حاله؟! ولنا أن نتخيل كذلك من مجتمع متنافر بحدة، لا يصبر فيه مسلم على مسلم، يحكمه الكذب والضغينة والحسد والحقد والظلم والتعالي والحدة في الخصومة؛ لنا أن نتخيل، وعلينا أن نختار.
______________________
(1) مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (8/ 136).
(2) فتح الباري (415/10)، والترغيب والترهيب (337/3).
(3) من كتاب أقوال مأثورة، ص 2015.