في الأجيال السابقة، كان من الطبيعي أن تجد رجلاً قد نال أعلى الشهادات العلمية بينما زوجته لم تصل إلى ما وصل إليه، فربما اكتفت بالابتدائية، أو الإعدادية، بينما كان الوفاق والتفاهم بينهما في أعلى درجاته!
في تصوري كان ذكاء المرأة الاجتماعي يشفع لها؛ فلم تكن أمهاتنا وجداتنا من الدارسات لعلوم وفنون التربية، لكن الواحدة منهن كانت مدرسة في الذوق وحسن التوجيه والإرشاد وتدابير الحياة.
والمقصود بالذكاء الاجتماعي الآلية التي من خلالها يتم التعامل مع الأفراد والتكيف معهم والتعامل معهم بأفضل طريقة، وفق كارل ألبريخت، مؤلف كتاب «الذكاء الاجتماعي».
في الواقع، إن طلبات الرجل في الغالب الأعم بسيطة للغاية، وهذا ما لا تدركه كثير من النساء، وقد تبدأ علاقة بانجذاب متبادل، استناداً إلى الشكل، خفة الدم، الثراء، التفوق العلمي، المستوى الاجتماعي المرموق، وغيرها، لكنها قد تفشل على المدى المتوسط والبعيد لضعف التوافق!
مخطئ من يعتقد أن الحب وحده يصنع بيوتاً سعيدة، أو الزواج من امرأة جميلة شكلاً، أو الارتباط برجل أكثر دخلاً، بل من يصنع ذلك «التغافل»، وسعي كل طرف لفهم الطرف الآخر؛ وهذا أحد تجليات الذكاء الاجتماعي، فالرجل قد ينبهر بالمرأة الذكية علمياً، الجميلة شكلاً، المميزة قواماً على المدى القريب، لكنه على المدى المتوسط والبعيد يحب ويعشق المرأة الذكية ذكاءً اجتماعياً، التي تعظمه أمام أهله، وضيوفه، وترفع قدره، وتثني على رأيه، تشعره بأنه رجل بكلمات مفعمة بالمدح والإطراء، تسارع في ضيافة زواره، متفهمة لطبيعة الخلافات الزوجية، متقبلة لعيوبه، قليلة الشكوى والتذمر، تختار الوقت المناسب والمكان المناسب لبث شكواها، المتحلية بحس الفكاهة، القادرة على اتخاذ قرار في غيابه دون تردد، الرقيقة غير القاسية.
ومن ملامح الذكاء الاجتماعي توحيد المشاعر وانسجامها، فلا تفرح المرأة وقت حزن زوجها، ولا تبدي حزناً وقت فرحه، ولهذا من نماذج الحب الفريدة نموذج سيدنا عبدالله بن رواحة وزوجته، ومن تجليات هذا الحب الفريد أنها رأت سيدنا عبدالله يبكي فقال لها: ما يُبكيك؟ قالت: رأيتُكَ تبكي فبكيت!
لطالما تساءلت: لماذا كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أحب الناس جميعاً (رجالاً ونساء) إلى قلب رسولنا صلى الله عليه وسلم، رغم البون الشاسع في كل شيء؟!
الحب ميل قلبي لا دخل للإنسان فيه، ولكن قد توجد أسباب واضحة لتعميق هذا الحب، وبالنظر لحال أم المؤمنين عائشة فقد كانت زوجة مثالية يجتمع فيها الجمال بكل مشتملاته، عالمة، مثقفة، أديبة، شاعرة، ذكية ذكاء اجتماعياً فاق التصور رغم صغر سنها، فقد دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو على فراش الموت، ولما نظرت في عينيه أدركت أنه يرغب في استخدام السواك دون أن يطلب منها ذلك، فلم تكتف بإعطائه السواك، لكن قامت بمضغه ليلين؛ فيتمكن صلى الله عليه وسلم من استخدامه بأقل مجهود، وقد استغرب ابن أختها عروة بن الزبير من حالها فسألها يا أمَّتاه، لا أعجَبُ مِن فقهك؛ أقول: زوجة نبيِّ الله وابنةُ أبي بكر، ولا أعجبُ مِن عِلمِك بالشِّعر وأيامِ الناس؛ أقول: ابنة أبي بكر، وكان أعلمَ الناس، ولكن أعجبُ مِن علمِك بالطبِّ، فجاوبته بأنها كانت تسجل ما كان يمليه العرب الوافدون على النبي صلى الله عليه وسلم أيام مرضه من وصفات وطرق علاجية.
أما عن حال بعض نساء اليوم، فقد تعيش المرأة مع زوجها عقوداً ولا تدري شيئاً عن ذوقه في المأكل والمشرب، وما يبسطه وما يفسد مزاجه، وبعضهن تسأل زوجها بعد مرور عامين على الزواج: كم ملعقة سكر في الشاي تحب؟!
وفي المقابل، قد تجد الرجل مر على زواجه أعواماً ولا يدري شيئاً عن نفسية زوجته، فيتعامل معها كما لو أنها جماد ضمن مكونات البيت، ثم يتساءل البعض عن سر تزايد حالات الطلاق!
ومن تجليات الغباء الاجتماعي أن تمدح المرأة رجلاً أمام زوجها، وكذلك أن يمدح الرجل امرأة أمام زوجته، حتى لو كان هذا الرجل زوجاً سابقاً لها، أو كانت المرأة الممدوحة زوجة سابقة.
وتصفح كتب سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسير الصحابة والتابعين والصالحين، والتمعن فيها؛ سيقرب الشخص إلى مستوى مميز من الإدراك والنضج، والذكاء الاجتماعي الذي ينعكس إيجاباً على العلاقة الزوجية، وستدرك المرأة وهي تقرأ أنه من العيب الشديد أن تضحك وهي ترى زوجها مغموماً!
وستتعلم الفتاة حين تجلس في روضة السيرة كيف تشجع زوجها على فعل الخير، كما في قصة أم الدحداح وزوجها، وستتعلم كذلك كيف تتصنع لزوجها حتى في أحلك الظروف كما فعلت أم سليم لأبي طلحة لما مات ولدها، وستتعلم إلى أي مدى تصل غيرة الزوج حين تقرأ أن سيدنا أبا هريرة ولى مدبراً حين قص عليه النبي صلى الله عليه وسلم رؤية رأى فيها أنه وجد امرأة تتوضأ إلى جانب قصر في الجنة، ولما سأل علم أن القصر لعمر بن الخطاب، فخاف أبو هريرة لما تذكر غيرة عمر!
وستتعلم كذلك أنه لا مانع من التقدم بالشكوى من سلوك زوجها إلى من ترتضي دينه وأمانته، كما اشتكت أم الدرداء إلى سيدنا سلمان من إهمال زوجها لها، لكنها مع الشكوى ستتعلم الإنصاف فلا تقول إلا صدقاً، وتعدد محاسنه قبل أن تذكر عيوبه، كما في موقف زوجة ثابت بن قيس التي كرهت زوجها كرهاً شديداً ولا تطيق الحياة معه لكنها أنصفته حين قالت: إني لا أعتب عليه في خُلُق ولا دين، فخُلُقه من أحسن الأخلاق، ودينه من أقوم الأديان؛ لكن أكره الكفر في الإسلام؛ بمعنى أخشى إن بقيتُ عنده أن آثم؛ لكوني لا أستطيع أن أقوم بواجب حقِّ الزوجية، وستتعلم ما لا يحصيه القلم.