بينما بدأت الحكومة المصرية تنفيذ قرارها برفع سعر الخبز الحكومي المدعوم بنسبة 300%، في أول زيادة لسعره منذ 36 عاماً، وبالتحديد منذ عام 1988م، وسط سجال سياسي حول توابع القرار، ومخاوف بين مراقبين من قرارات أخرى مرتبطة بتخفيض دعم الدولة، ورهان حكومي على تقبّل المصريين للقرار، وهو ما كان لافتًا، حتى وقت كتابة هذه السطور.
وأعلن مجلس أمناء الحوار الوطني (جهة رسمية تدير الحوار بين المعارضة ومؤسسات الدولة)، الأحد 2 يونيو، إحالة طلب رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي لمناقشة قضية التحول من الدعم العيني إلى النقدي للحوار الوطني، وهذه خطوة إضافية، يدور حولها جدل سياسي منذ سنوات، بين الرفض والقبول.
الحسيني: تخفيض الدعم قرار خطير ويجب الانتباه لقياس الرأي العام أولاً بأول
ونددت العديد من الأحزاب السياسية المعارضة والشخصيات العامة، في بيانات لها، برفع سعر الخبز المدعم، منها أحزاب: الكرامة، والمصري الديمقراطي، والعيش والحرية، والعدل، والتحالف الشعبي، محذرين من عواقب ذلك القرار، فيما قدم النواب ضياء الدين داود، وإيهاب منصور، وسناء السعيد طلبات إحاطة في مجلس النواب، لوقف القرار الحكومي، بالتزامن مع جدل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي بين المعارضة والموالاة.
أحداث سياسية ترتبط برغيف العيش
وفي حديث لـ«المجتمع»، يرى السياسي عبدالعزيز الحسيني، نائب رئيس حزب الكرامة السابق، أن قرار تخفيض الدعم عن الخبز في منتهي الخطورة على البلد، مؤكدًا أن الشارع المصري غاضب، لكنه حريص على بلده في ظل الظروف المحيطة به من عدوان صهيوني مجرم على قطاع غزة، وعدم استقرار في السودان وليبيا، ولعدم ثقته في نخبته السياسية.
نواب يقدمون طلبات إحاطة لوقف القرار وسجال بين المواطنين على مواقع التواصل
ويوضح الحسيني أن المصريين يسمون الخبز «رغيف العيش»، وفي ثقافتهم له مكانة مرتبطة بأساسيات العيش، والمساس به خطير، وتحريك سعره ولو بشكل بسيط لدى البعض يؤثر على كفاية المواطنين الفقراء منه، مطالبًا الحكومة بعدم الاستمرار في الضغط على المواطنين ووقف جميع قرارات تخفيض الدعم وإيجاد بدائل، وقياس الرأي العام، أولاً بأول.
ويصف نائب رئيس حزب الكرامة السابق وضع مصر بأنه «كسيارة على منحدر تسير بسرعة بدون فرامل»، موضحًا أن الصمت الشعبي على القرار حتى الآن، وعدم تكرار تجارب غضب سابقة، ليس معناه الرضا على طول الخط، وأن استمرار التضحية بالأجيال الحالية له دلالات سلبية تستدعي تغيير السياسيات العامة لتكون رعاية الإنسان المصري أولوية مع النظر في تجارب النهضة في ماليزيا والبرازيل، على سبيل المثال.
الحكومة ملتزمة بدعم السلع الأساسية
وتعرف مصر احتجاجين شعبيين بارزين ارتبطا برغيف العيش، باعتباره «خطاً أحمر»؛ أولهما ما يعرف إعلامياً بـ«انتفاضة الخبز»، في يومي 18، و19 يناير 1977م، رفضًا لغلاء الأسعار، والثاني تقدم فيه «العيش» على كل من «الحرية» و«العدالة الاجتماعية» و«الكرامة» في شعارات ثورة 25 يناير 2011م.
رئيس الوزراء يتعهد باستمرار الدعم للسلع الأساسية ويؤكد: ملف شائك قد لا يلقى قبولًا
وفي تصريحاته الرسمية عقب رفع الدعم، ألمح رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي إلى ذلك ضمنيًا، حيث صرح بأنهم يعون كحكومة أن رفع ثمن الخبز المدعم ملف شائك قد لا يلقى قبولًا، خاصة أن عدداً كبيراً من الحكومات السابقة كانت تتحاشى أن تتحرك بصدده.
وأضاف مدبولي أن الدولة ستظل مُلتزمة بوجود الدعم خاصة في السلع الأساسية التي تمس حياة المواطن، وكل محاولاتنا تستهدف ترشيد هذا الدعم حتى يتسنى لنا كدولة استدامة تقديمه.
وفي المقابل، وصفت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية (جهة حقوقية مستقلة)، في بيان وصل «المجتمع»، قرارات الحكومة بأنها بمثابة «إزاحة آخر صخرة تحمي الفقراء»، مؤكدة أن قرار رفع سعر الخبز المدعم طعنة جديدة للفقراء الذين تنخفض مستويات معيشتهم بشكل هائل ومتسارع منذ نهاية عام 2016م.
وأرجعت المبادرة ذلك إلى سياسات التقشف الحكومية الانتقائية التي تحابي الشركات الكبرى المتصلة سياسيًا والأغنياء، وبفعل التخفيضات المتواصلة في سعر الجنيه والارتفاع الجبار في خدمة الدين وآثاره، والصدمات السعرية المتكررة.
أشكال وأنواع مختلفة
ويوجد في مصر عدة أنواع من الخبز، أشهرها الخبز الحكومي المدعم، والمعروف باسم «الرغيف البلدي الأسمر»، وكان يباع بـ5 قروش، لكن الحكومة رفعت سعره إلى 20 قرشًا بداية من الشهر الجاري، وهو منتشر في أغلب المدن والقرى، فيما يأتي بعده «العيش السياحي» وخبز «الفينو» الذي تنتجه مخابز خاصة بأسعار تبدأ بـجنيه مصري للرغيف.
«المبادرة المصرية»: طعنة للفقراء الذين تنخفض مستويات معيشتهم منذ عام 2016م
وتوثق هيئة الثقافة المصرية، وفق موقعها الرسمي، 15 نوعًا من الخبز على مستوى الجمهورية، لكن صدرت قائمة جغرافية ثقافية بأنواع الخبز المصري بشكل غير رسمي ضمت 50 صنفًا من إجمالي 130 نوعًا من الخبز كانت معروفة في الحضارة المصرية القديمة.
ومن أبرز أنواع الخبز: العيش البيتي والعيش الفلاحي (نسبة إلى الفلاحين، ومنه أنواع عدة، مثل: العيش المرحرح والبتاو)، وخبز البامية (ويكون عبر إضافة طحين البامية إلى دقيق الخبز)، والبكوم (خبز طري من دقيق القمح)، والعيش الشمسي (خبز أسمر سميك منتشر في جنوب مصر)، وخبز الشعير (مصنوع من دقيق الشعير)، والملتوت (خبز شهير في النوبة جنوبي مصر) وعيش السن.