يتخيل بعض المسلمين أن النبي ﷺ شخصية متميزة بسبب نبوته وعصمته فقط، بينما يغفلون جانباً مهماً جدًا؛ وهو أن شخصية النبي ﷺ تميزت بالكمال في عدة جوانب بسبب موافقتها لما تقتضيه الفطرة السليمة التي خلق الله الناس عليها، فهناك صفات بلغت حد الكمال لدى النبي ﷺ أهَّلته لأن يكون رحمة للعالمين وهاديًا منيرًا، منها صفات في الأدب والمعاملات وحسن الخلق والرأي والمشورة وغيرها من التصنيفات التي تؤهل أي إنسان لأن يكون متميزًا دون غيره، وهي الصفات التي توافرت جميعها لدى سيد الخلق وأفضل البرية ﷺ.
ومن الشواهد على كمال شخصيته ﷺ، تمتعه بالكمال في جوانب واضحة سواء كانت خُلقية أو خلقية، وقد بلغت حد التشبع والفيض الوفير، وهي:
1- فصاحة لسانه وبلاغته:
فقد أرسله الله تعالى لقوم أهل فصاحة ولغة، وكان ﷺ ممن يُضرب بهم المثل في فصاحته، فعندما كان قومه مبدعين في فنون الكلام؛ حباه الله فصاحة اللسان وبلاغة القول، وجوامع الكلم اصطفاء، فكان يجمع بين الإيجاز والوضوح في ألفاظ قليلة ومعانٍ كثيرة من غير تعقيد ولا تكلف ولا جفوة ولا خشونة؛ فكلامه قلَّ حروفه، وكثرت معانيه، وجل عن الصنعة، ونزّه عن التكلف، وهذا كله من دلائل نبوته.
2- الاستقامة والاعتدال في حياته:
الناظر والمدقق في السيرة النبوية سيجد أن النبي ﷺ لم ينحرف في شبابه ولم يذهب مع رغبات نفسه ومع هوى محبب أو شهوة طاغية، فقد كان أشد الناس نفورًا من عبادة الأصنام والأوثان، وقد اتخذ لنفسه شهر رمضان كل عام موعدًا مخصصًا ليختلي فيه بغار حراء يتعبد فيه معتزلًا من حوله من البشر.
3- الكمال الخُلُقي:
جاءت أخلاق المصطفى ﷺ نموذجًا ساطعًا للكمال الخلقي والأفعال المستحسنة التي جبل الله تعالى عليها عباده من الوفاء والمروءة والحياء والعفة، فتجده وسط مجتمع قريش يُوصف بالصادق الأمين، وأي شهادة تلك التي قد نالها نبينا من قومه الذين حاربوه بعد بعثته ونبوته، ولكنهم لم ينكروا صدقه ولم يشكوا لحظة واحدة في أمانته، وقد كانت العرب تتخلق ببعض محاسن الأخلاق بما بقي من شريعة إبراهيم عليه السلام، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم ليتمم محاسن الأخلاق ويكمل ما انتقص منها، كما جاء في الحديث الصحيح: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
4- رجاحة عقله واجتماع قريش على محبته:
تميز النبي ﷺ بكمال عقله وحكمته، فما كانت الرسالة الإلهية لتأتي لغير عقل كامل؛ فنشأ مكتمل العقل منذ أن استوى غلامًا، وقد ظهر ذلك لجده عبدالمطلب الذي أخذ يربيه على أخلاق الرجال في صغره، وقد أدركت قريش رجاحة عقله ﷺ وحكمته في شبابه؛ فكانت تدعوه لحضور اجتماعاتها، ومن ذلك ما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه حضر «حلف الفضول» في دار عبدالله بن جدعان.
ومن كمال عقله ﷺ أنه لم يخض مع الخائضين في منازعات الجاهلية، وقد ارتضوا به حكمًا عندما احتدم الجدل حول من يضع الحجر الأسود منهم، بعد أن كادت السيوف تحكم بينهم، فحكم بإشراكهم جميعًا في وضعه وارتضوا حكمه وانتهى بذلك الخلاف بينهم.
5- شهادة خصومه:
كانت شخصية النبي ﷺ مثار إعجاب الناس في الماضي والحاضر، وقد عبر عن ذلك عروة بن مسعود الثقفي -عندما كان حينذاك على الشرك والكفر- الذي رأى حب الصحابة له ﷺ فعبر عن ذلك بقوله: لقد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله ما رأيت ملكًا قطُّ يُعظِّمه أصحابُه مثل ما يُعظِّم أصحابُ محمد محمدًا، فهو إذا أمرهم ابتدوا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحِدُّون إليه النظر تعظيمًا له، بالإضافة إلى إعجاب المستشرقين في العصر الحديث بشخصيته وكماله وعظمة رسالته.